كثيرة هي ذكرياتنا ومناسباتنا الوطنية الحزينة والمؤلمة والتي حققنا أسبابها ونتائجها بأنفسنا بفعل ضعف الايمان والتخاذل من قبل أصحاب السلطة والحكام وفقدان عناصر العزّ والكرامة وسيطرة العمالة والتواطؤ..
فقدنا الاسكندرون وامتداده الجغرافي.. وخسرنا الخليج ومدنه كلّ ذلك بشطحة قلم..
واخيراً وبنفس هذا القلم والكلمة خسرنا فلسطين وكأنّ الارض والبلاد بلا هل ولا سكان ولا أصحاب..
نتذكر الآن هذا الوعد المشؤوم الذي أعلنه آرثر بلفور وزير خارجية بريطانيا في 2 تشرين الثاني 1917.
وعد بلفور الذي نذكره اليوم بعد مرور مئة عام على صدوره والذي لم ننسه منذ صدوره حتى اليوم. هذا الوعد الذي جاء ثمناً لتجنيد فيلق يهودي يحارب مع البريطانيين ضدّ الأتراك العثمانيين وتمّ فعلاً تشكيل هذا الفيلق بغال صهيون في آب 1917. ولذلك دفع الفاتورة لويد جورج رئيس وزراء بريطانيا و آرثر بلفور وزير الخارجية وكانت هذه الفرقة تضمّ بن غوريون واسحاق زيفي.. الثمن هو أرض ووطن شرّد شعب أصيل وهجّره..
وعد بلفور اليهود بإعطائهم فلسطين، وتخاذل العرب في الردّ والموقف وحصلت النكبة… نحن نؤمن انه ليس عاراً ان ننكب ولكن العار كلّ العار ان تحوّلنا النكبات من أمة قوية الى أمة ضعيفة. ويجب ان نعي دائماً مهمّتنا بكامل خطورتها وان لا نخاف الحرب.. بل نخاف الفشل.
وقال سعاده: لم يتسلط اليهود على جنوبي بلادنا ويستولوا على مدن وقرى لنا إلا بفضل يهودنا الحقيرين في ماديتهم الحقيرين في عيشهم الذليلين في عظمة الباطل. انّ الصراع بيننا وبين اليهود لا يمكن ان يكون فقط في فلسطين بل في كلّ مكان حيث يوجد يهود قد باعوا هذا الوطن وهذه الأمة بفضة من اليهود، انّ مصيبتنا بيهودنا الداخليين أعظم من بلائنا باليهود الأجانب.
أقامت «إسرائيل» دولة وانشأت نظاماً بعد ان طردت شعباً بأكمله من وطنه الأصيل.. لم يأت الصهاينة إلى فلسطين من أجل إسكان اليهود المشرّدين في دول العالم مكروهين منبوذين من شعوبها بسبب سلوكهم الرديء والسيّئ، بل لأهداف أخرى.
عندما أعلن وعد بلفور في 2 تشرين الثاني 1917 وثبت هذا الوعد في مؤتمر سان ريمو عام 1920 ووافقت عليه عصبة الأمم في 6 أيلول عام 1922، منذ ذلك التاريخ التهبت أرض فلسطين واشتعلت بالغضب والاحتجاج واندلعت الثورات في الأعوام 1928، 1929، 1933، 1936، ولم تكن كلّ المقاومة فلسطينية قِطرية، بل كانت ثورات قومية اشتركت فيها الأمة كلها من مختلف أقطارها وقِطاعاتها وبالأخصّ من الشام، فالمسألة الفلسطينية منذ نشأتها الى يومنا هذا هي قضية قومية ولن يعزلها فرد أو مجموعة عن شأنها القومي الأصيل.
رفضت الأمة كلها تقرير لجنة اللورد بيل الذي صدر في تموز 1936 والذي اقترح تقسيم فلسطين إلى دولتين، فلسطينية ويهودية. ورفضت أيضاً ما دُعي باسم الكتاب الأبيض الشهير، ثم جاء قرار الأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني 1947 ويقضي بتقسيم فلسطين، وإعطاء اليهود 55 من مساحة أرضها وتدويل القدس، والشعب الذي رفض ان يتنازل عن شبر من وطنه لن يرضى بأن يختزل وطنه كله في قسم من الارض…
رفضنا ما يُدعى باتفاقيات السلام، ليس خوفاً من السلم ولا لمحبتنا للحرب، السلم يجري بين جماعتين خلافهما مادي، على مفهوم سيادة او رسم حدود او سياسي على نفوذ او اقتصادي لتأمين موارد او منافع، اما نحن واليهود فليس بيننا وبينهم أياً من هذه الخلافات، والصراع في جوهره يبقى دائماً صراع بقاء أو فناء، نحن نعرف أنهم ابتلعوا الأرض، وهم اليوم بحاجة لفترة هدوء طويلة الأمد تتيح لهم هضم ما ابتلعوه وتنظيم أوضاعهم الاقتصادية لتوفير مناخ آمن لمجموعاتهم كي توطد أقدامها وترسّخ وجودها وتُنمّي مواردها وتتكاثر في تجمعات عسكرية في جوهرها، زراعية واقتصادية في شكلها، ومتى تمّ استكمال كلّ هذا على حساب خيرات الأرض العربية في امتدادها كله والتغلغل في حياتها وطمس تاريخها وتخريب قدراتها تبدأ المرحلة الأخيرة من المخطط الصهيوني بالسيطرة الكاملة عندما تسنح الفرصة التي خطط لها. وعندها ستجد حالة استسلام وانحلال وإحباط تؤمّن لها الغلبة فأمامها شعب لا يعرف عن التاريخ الحقيقي لأمته شيئاً ولا يفقه نوايا عدوّه الذي عاش طويلاً وهو يحسبه شعب أخ وقريب…
انّ «إسرائيل» اليوم لا تحتاج للجيوش لتحقق بواسطتها مشروعها وتنفذ نواياها. انها تحتاج للهدوء، للسلم، للطمأنينة، انها ليست مسألة زمـن إنها عقيدة أساسية يُبنى عليها الفكر والوجود اليهودي كله… وجود يسيطر بالمال والإعلام، ثم بالحرب والقتل والتدمير، ثم بالمساومة والملاينة أحياناً، ثم أخذ الباقي بالمفاوضات، أو خلق الفتن والاضطرابات، أتوا لتحقيق مشروع يبدأ بإزالة شعب كامل من الوجود وهذا الشعب هو شريان من شرايين الحياة في أمتنا والأرض التي يسكنها هي عنوان عنفواننا القومي والروحي والوجداني.. أراد الصهاينة إنشاء وطن قومي لهم في فلسطين وحدّدوا حدود هذا الوطن عبر مذكرة قدّموها في 3 شباط/ فبراير 1919 إلى مؤتمر الصلح، هذه الحدود كما حدّدوها هي كما يلي:
«تكون حدود فلسطين تابعة إجمالاً للخطوط المبيّنة كما يلي:
«أما شمالاً فيبتدئ الخط من نقطة البحر الأبيض المتوسط على مقربة من جنوبي صيدا ثم يسير على سفوح التلال أو الجبال اللبنانية حتى جسر القرعون ثم باتجاه البيرة فاصلاً بين حوضي وادي القرن ووادي التيم ومن هناك جنوباً فاصلاً بين السفوح الشرقية والغربية لجبل حرمون الشيخ حتى غرب بيت جنّ ثم شرقاً محاذياً القسم الشمالي من نهر المغنية حتى يصل الى الخط الحجازي ويكاد يتصل به من الجهة الغربية.
وأما شرقاً فيسير على مقربة من الخط الحجازي حتى ينتهي في العقبة. وأما جنوباً على خط الحدود مع الحكومة المصرية، وأما غرباً فالبحر المتوسط».
أما نهج ومسلك وسياسة هذه الدولة فأخطر بكثير مما حققته حتى الآن.. وهذا ما قاله ديفيد بن غوريون:
«سيأتي من نسلك ملوك ويحكمون حيث تطأ قدم الإنسان إلى تلك اعطِ كلّ الأرض التي تحت السماء، وسوف يحكمون كلّ الأمم حسب رغبتهم، وبعد ذلك سوف يسحبون الأرض كلها اليهم ويرثونها الى الأبد». هذا هو دستور «إسرائيل».
وعبّر مايكل ليدن الموظف اليهودي في البنتاغون عن هذه السياسة وهذا المخطط فقال في مقال نشره:
«انّ دور اسرائيل هو فرض الإملاءات على الدول في المنطقة وترويعها بتهديدات المعاقبة، بحيث لا تجرؤ على الخروج عن الخط. وقد اشتملت الخطوط الحمر التي لا تسمح إسرائيل بتجاوزها، حدوث ثورات سواء كانت عسكرية أو شعبية، مما قد يحمل الى سدة الحكم في الدول المعنية، عناصر متعصبة ومتطرفة. ونتيجة لذلك، يمتدّ نفوذ اسرائيل ليتجاوز جيرانها المباشرين، ويتعدّاهم إلى جميع الدول في منطقتنا».
فعندما نستعرض ما حققته «إسرائيل» عبر تحقيق وعد بلفور وما رسمته من مخططات مستقبلية وجعلت من نفسها المراقب والمتابع لكلّ حركة علمية فكرية في مجتمعاتنا وراقبت كلّ تطوّر علمي أو صناعي واقتصادي كي تتدخل لعرقلته او إعاقته أو تدميره.. لتبقى هي خاصة في الحقل العلمي والفكري او التقدّم الصناعي وفي هذا المجال حدّد البروتوكول السادس عشر بشكل اوضح في الصفحة 257 و 258 في البروتوكول السادس عشر أهمية المناهج بالنسبة للصهيونية وهي إحدى الأسلحة التي يعتمدون عليها لتهديم خصومهم…
يقول: انه لكي يتمّ لنا تخريب جميع القوى التي تعمل على تحقيق الانسجام الفكري، والتضامن الاجتماعي، ما عدا قوانا نحن علينا أن نبدأ بتفكيك حلقة المرحلة الأولى من هذا وهي الجامعات والطريقة ان ننقض أساليب التعليم من أساسها… وتعريف الجمهرة من الناس تعريفاً سيئاً ملتوياً لشؤون الدولة ومسائلها، وهم يأخذون هذا بعقول فجة، مما لا ينتج عنه سوى ظهور العنصر الذي يركبه الهوس والخيال، يرافقه المواطن الرديء السيرة ويسهل عليكم ملاحظة المثال على هذا، في ما ترونه من نتائج التعليم الشائع اليوم في العالم بين «الغوييم». فالواجب الذي علينا هو أن ننقلهم إلى حيّز تعليم آخر يتعلمون فيه جميع المبادئ والقواعد والأصول، مما كان رائعاً في نسف نظامهم. لكن متى تسلّمنا نحن زمام الحكم والسلطة، سنزيل من المناهج كلّ موضوع شائك متعلق ونجعل من الشباب شباباً طائعين للسلطة، محبّين للحاكم، يرون في حكمه العون والأمل في بيئة السلام والطمأنينة».
ووفق هذا النهج نشط الموساد والمخابرات الصهيونية في العالم وضربوا طوقاً حول كلّ العلماء والباحثين والناشطين من سورية والعالم العربي وقضوا على كلّ باحث ناجح في ما صدر عنه من نظريات واختراعات وقد امتدّت أيديهم الى جميع الأصعدة وقضوا على خيرة علمائنا..
ففي أميركا برز عالم لبناني من أهالي النبطية هو حسن كامل الصباح الذي لقّب بـ«أديسون العرب» بعد نجاحه في تطوير نظريات جديدة حول الكهرباء، اغتيل عام 1935، وتمّ اغتيال عالم الفيزياء المصري مصطفى مشرفة الذي خلق ثورة علمية في الفيزياء ولقب بـ«أنشتاين العرب». اغتالته الموساد عام 1950.
كما اغتيلت عالمة الذرة المصرية سميرة موسى عام 1952 على يد الموساد بأميركا بعد أبحاثها المتطورة. واغتيلت الباحثة الكويتية سلوى حبيب التي كشفت المخططات الصهيونية ووضعت كتباً مفصلة عن النشاط الصهيوني في العالم العربي، وعن أسرار روتشيلد وقادة صهاينة آخرين. وقد اغتيلت حيث ذبحت في شقتها. واغتيل عالم الصواريخ المصري سعيد بدير في ألمانيا عام 1989، كما اغتيل العالم النووي الشهير المصري يحيى المشدّ والذي يعتبر من أهمّ مؤسّسي الطاقة الذرية المصرية وواضع البرنامج النووي العراقي وقد تمّ اغتياله في باريس عام 1980.
كما تمّ اغتيال العالمة اللبنانية عبير أحمد عباس بعد ان وضعت دراسة هامة عن تطوير علاج الالتهاب الرئوي.. وتمّ اغتيالها في باريس، اما عالم الذرة المصري سمير نجيب الذي برزت دراساته وأبحاثه بشكل قوي وعندما قرّر العودة الى مصر سرقت كافة أبحاثه ودراساته واختفى نهائياً مع عالم الذرة المصري نبيل القليبي…
انّ السيطرة على فلسطين وكامل المنطقة هو إحدى الاستراتيجيات الصهيونية حيث جاء في الصفحة 207 من بروتوكولات حكماء صهيون:
«جاء على لسان الأنبياء، أننا نحن اختارنا الله لنحكم الأرض كلها، والله منحنا العبقرية لنطلع بهذا العبء ولو كانت العبقرية في المعسكر الآخر لبقيت حتى اليوم تناهضنا».
كما جاء في صفحة 186 من البروتوكولات ما يلي:
«حقنا منبعه القوة، وكلمة حق، وجدانية معنوية مجردة، وليس على صحتها دليل، ومفادها لا شيء أكثر من هذا، أعطني ما أريد فأبرهن بذلك على أني أقوى منك.
وتتميّز قوتنا في مثل هذه الحالة الرجراجة، على قوة أخرى بميزات أمنع وأثبت، وأقوى على ردّ العادية، لأنها تبقى وراء الستار متخفية، حتى يحين وقتها، وقد نضجت واكتملت عدّتها، فتضرب ضربتها وهي عزيزة ولا حيلة لأحد في النيل منها أو الوقوف في وجهها».
اليوم نتذكر وعد بلفور كما أننا اليوم نتذكّر ونكرّر وعودنا في ان نمحو عار النكبة بوقفات العز التي وقفناها وأدّت إلى طرد العدو من لبنان عام 2000 وداسته رجال أبطالنا بنعالها عام 2006 سيضعون حداً لـ»إسرائيل» عدواناً وكياناً والبطولة التي يسجلها ويجسّدها العاملون بصمت بعيداً عن الإعلام بعيداً عن الضوء والضوضاء هي البطولة المؤيدة بصحة العقيدة والإيمان هي التي سوف تصحّح كلّ المفاهيم وتؤكد انّ فلسطين انتصرت.
ونهتدي بقول سعاده: «اننا لا نريد الاعتداء على أحد ولكننا نأبى أن نكون طعاماً لأمم أخرى، اننا نريد حقوقنا كاملة ونريد مساواتنا مع المتصارعين لنشترك في إقامة السلام الذي نرضى به وإنني أدعو اللبنانيين والشاميين والعراقيين والفلسطينيين والأردنيين إلى مؤتمر مستعجل تقرّر فيه الأمة إرادتها وخطتها العملية في صدد فلسطين وتجاه الأخطار الخارجية جميعها وكلّ أمة ودولة إذا لم يكن لها ضمان من نفسها من قوّتها هي فلا ضمان لها بالحياة على الإطلاق.
يجب أن نعارك يجب أن نصارع، يجب أن نحارب ليثبت حقنا. وإذا تنازلنا عن حق العراك والصراع تنازلنا عن الحق وذهب حقنا باطلاً، عوا مهمّتكم بكامل خطورتها ولا تخافوا الحرب بل خافوا الفشل».
هذه هي ذكرى وعد بلفور.. بلفور وعد وأميركا نفذت.. هذا ما نذكره بعد 100 عام على بدء النكبة. اننا نعد الأمة بإزالة هذا العار من واقعنا وتاريخنا.
قال سعاده: «اننا نواجه الآن أعظم الحالات خطراً على وطننا ومجموعنا فنحن أمام الطامعين المعتدين في موقف يترتب عليه إحدى نتيجتين أساسيتين هما الحياة والموت وأية نتيجة حصلت كنا نحن المسؤولين عن تبعتها».
قامت «إسرائيل» نتيجة وعد حققته بإرادة استعمارية وإغفاءة قومية وستتبدّد أحلامها بيقظة قومية وإرادة وطنية ووقفة عز نقفها وأفواج المقاومة، وعدُنا تحقق الكثير منه على الجبهات وفي ميادين القتال، قدّمنا الشهداء وشهداؤنا هم طليعة انتصاراتنا الكبرى… بلفور وعد ونحن اليوم نحقق الوعد لأمتنا بوقفة عزّ تعيد الحق والكرامة…
|