تصريحات الرئيس التركي رجب أردوغان الأخيرة عن المناطق الحدودية مع سورية وإقامة مناطق حرة فيها لم تكن مفاجئة ولا جديدة ولم تكشف أوراقاً مستورة.. فلتركيا دائماً في كلّ عرس قرص..
تركيا اليوم كما بالأمس في صدارة الدول التي احتضنت الإرهاب ورعت الجماعات التكفيرية وفتحت لها المجال للتمدّد في بلادنا وعالمنا العربي بعد ان زوّدتها بكلّ مستلزمات القتل والدمار وفي مقدّمهم التركمان ومشتقاتهم.
انّ ما جرى في سورية ليس جديداً بل هو إتمام لما حاولته سابقاً جمعية الاتحاد والترقي والتي كان معظم قادتها من ذوي الأصول اليهودية، حاولت تتريك العرب وفشلت بسبب الوعي لما يُحاك ضدّنا.
مؤامرات الأتراك بحقنا عميقة الجذور من أجل تفتيت بلادنا ومنطقتنا للقضاء على العروبة وسورية سيفها وترسها.
كانت تركيا وما زالت الذراع المتين لأعداءنا والطامعين بأرضنا منذ سلخ لواء الاسكندرون وأقضيته الى هذا اليوم. كانت تركيا ولا تزال أعز صديق لأوروبا ولكلّ معاد لنا.. وإذا رجعنا الى الفترة الماضية من التاريخ وتحديداً عام 1938.
وقرأنا المقال الذي كتبه هـ. سايد بوتون ونشره في جريدة «الديلي سكتش» في 25 أيار 1938 وأعادت نشره «الديلي تايم» تحت عنوان «أعز صديق لنا في الشرق الأوسط» حيث جاء فيه:
أثناء وجودي في تركيا لفتت نظري صداقة المواطنين الأتراك لبلادي بالرغم من انّ الأتراك كانوا في الصف المعادي خلال الحرب الكبرى، غير أنهم لم يظهروا ايّ روح عدائية ضدّنا، فقد أرجعوا المسؤولية على عاتق المانيا وحكومة تركيا الفتاة القديمة. انهم أفهموني انّ تركيا لن تكون قطعة غيار من أجل ألمانيا او أية دولة أخرى. انّ مهمة النظام الجديد المختلف تماماً عن القديم، تتركز على تطوّر البلاد بفعل قوتها الذاتية، فلا خضوع بعد الآن للمفتشين عن الاحتكارات. انّ القرض الذي قدّمته انكلترا لتركيا لا يتعارض مع سياستنا فهذا المبلغ سوف يستخدم لتطوير البلاد فقط.
انّ تركيا القديمة قد ماتت وتركيا الحديثة بكامل حيويتها وفكرها الاستقلالي ستصبح سداً منيعاً بوجه الاجتياحات الأجنبية ومن الأكيد انّ تركيا القوية المزدهرة هي صديقة لانكلترا، نحن لم نطالب بأيّ احتكار وامتيازات فليست لنا أطماع توسعية ولكن يحلو لنا ألا نرى بلدان البحر المتوسط عرضة لهجمات قوى عظمى أخرى بحيث تصبح تركيا بحالة الدفاع عن النفس، انّ كلّ مساعدة ومساندة نقدّمها اليوم تكون مفيدة بضمان وضع تركيا وتثبيت استقلالها لا يمكن ان نهمل قضايا البحر المتوسط، انّ الأهمية الكبرى لصداقتنا مع تركيا وخاصة اليوم الذي برهن فيه العرب عن عدم قدرتهم السياسية وعن معارضتهم للسير في ركاب الحضارة الحديثة، ونأمل من وزيرنا الى المستعمرات ان يرتب المسألة الفلسطينية بخلقه دولة يهودية قوية تصبح معها حيفا القاعدة المتينة للسلم».
لاحظوا بدقة كيف انّ مصالح بريطانيا ودول الغرب قائمة على الثنائي التركي اليهودي.
اليوم وبعد المواقف العدائية التي أمطرتنا بها فرنسا وأميركا يذكرنا أردوغان بفرنسا وما فعلته في بلادنا والتآمر الذي تمّ بينها وبين تركيا حيث تمّ السلخ الأول لأرضنا ومياهنا قبل فلسطين عندما منحت لواء الاسكندرون وتوابعه لتركيا ونذكّر فرنسا بالدماء التي سالت بالعلمين في الحرب العالمية الثانية يوم شارك اللبنانيون والشاميون فرنسا بحرب التحرير بقيادة الجنرال ديغول، ونذكر فرنسا من خلال موقف نابليون وهو يهب القدس لليهود.
لم نكن نحن وحدنا من عرف الأتراك حق المعرفة ولم نكن كذلك آخر من عرفهم ونعود الى التذكير بما سبق ان كتبته جريدة «تلغرافو» الإيطالية حيث وصفت الأتراك الوصف الدقيق فقالت: «انّ نتانة الأتراك، بالرغم من تخفيف وطأتها بفضل بعض المطهّرات تبقى هي هي تنقل العدوى لكلّ الشرق الأوسط، انها نتانة مرعبة بالنسبة لمن يتنشقها».
ومن خلال هذا كله نعود لخطاب سعاده في الأول من آذار 1938 حيث قال:
لا بدّ لي من التصريح في هذا الموقف انّ الخطر اليهودي هو أحد خطرين أمرهما مستفحل وشرّهما مستطير. والثاني هو الخطر التركي. وهذان الخطران هما اللذان دعوت الأمة السورية جمعاء لمناهضتهما.
انّ الخطر ماثل أمامنا وتركيا تستغلّ الفرص والمناسبات من أجل تحقيق حلمها باقتناص الفرص للتمدّد والتوسّع تحت شتى الذرائع والحجج وفي طليعتها الأكراد.. ومن يسمع هذه الأقاويل يظنّ ان هذا الخطر الكردي نشأ مؤخراً ويهدّد أمنها.. والأجزاء الجنوبية والغربية من تركيا تسكنها غالبية كردية لها نوابها وممثلوها في مجلس النواب التركي ولها أحزاب تنادي بالاستقلال.
انّ الاطماع التركية التي عبّر عنها أردوغان مؤخراً وهو بحلم بأن يتقمّص الشخصية الجديدة لكمال أتاتورك ستواجه بإرادة أبناء أمة أبت ان يكون قبر التاريخ مكانها في الحياة..
نحن كما قال سعاده: «لا نريد الاعتداء على أحد ولكننا نأبى أن نكون طعاماً لأمم أخرى، اننا نريد حقوقنا كاملة ونريد مساواتنا مع المتصارعين لنشترك في إقامة السلام الذي نرضى به وإنني أدعو اللبنانيين والشاميين والعراقيين والفلسطينيين والأردنيين إلى مؤتمر مستعجل تقرّر فيه الأمة إرادتها وخطتها العملية في صدد فلسطين وتجاه الأخطار الخارجية جميعها وكلّ أمة ودولة اذا لم يكن لها ضمان من نفسها من قوتها هي فلا ضمان لها بالحياة على الإطلاق.
يجب أن نعارك يجب أن نصارع، يجب أن نحارب ليثبت حقنا. وإذا تنازلنا عن حق العراك والصراع تنازلنا عن الحق وذهب حقنا باطلاً، عوا مهمتكم بكامل خطورتها ولا تخافوا الحرب بل خافوا الفشل».
«اننا نواجه الآن أعظم الحالات خطراً على وطننا ومجموعنا فنحن أمام الطامعين المعتدين في موقف يترتب عليه إحدى نتيجتين أساسيتين هما الحياة والموت واية نتيجة حصلت كنا نحن المسؤولين عن تبعتها».
|