عام 1947 وقبيل صدور قرار تقسيم فلسطين قال سعاده جملته التحذيرية «انّ الخطر اليهودي هو أحد خطرين أمرهما مستفحل وشرّهما مستطير والثاني هو الخطر التركي»…
وهنا ونحن نتابع التحركات التركية في الشام والعراق تذكّرنا هذا التحذير..
«إسرائيل» خطر وجود لا حدود… وهي روح الإرهاب ومصدره وخطرها المتجسم في كلّ ما يجري على الأرض اليوم تقوم تركيا بدعمه بأساليب ملتوية ينطبق عليها القول: «كلمة حق يُراد منها باطل…»
ففيما القوات السورية في الشام تنظف البلاد من الإرهاب والإرهابيين وبعين يقظة تراقب ما يرتب ويدبّر مستقبلاً لخلق مناخ جديد لاضطرابات أمنية تزعزع ما حققته القوات في الجيش والمقاومة تبرز اليد التركية حليفاً فعّالاً في خلق هذا الجو… أرسلت تركيا قوات إلى إدلب وفق اتفاق مع روسيا وإيران ينصّ على تنظيف المنطقة من الإرهابيين والمتطرفين وإفساح المجال أمام المعتدلين ليلعبوا دورهم…
بدلاً من تطبيق الاتفاق نسّقت مع النصرة المدرجة على القوائم الدولية للتنظيمات الإرهابية والتي هي في الأساس جزء من القاعدة كما نسّقت مع مجموعات إرهابية أخرى كانت تحارب في حلب… وبدأت تحضّر لعملية تشابه درع الفرات والغاية البعيدة هي خلق كيان ظاهره محاربة الأكراد في عفرين حيث تموضعهم القوي ومجابهة التحركات الانفصالية الكردية والكانتون المنوي إقامته. والموقف التركي مغاير للاتفاق الذي جرى مع روسيا وهي ايضاً لم تدعَ من قبل الحكومة السورية للدخول بقواتها إلى أراضي الدولة.
هذا الموقف التركي رغم جميع التباينات هو دعم غير مباشر للمخطط الأميركي الإسرائيلي السعودي.. الرامي لتقسيم الشام عبر تحركات عسكرية كردية..
ففيما تحارب تركيا الكيانية الكردية تشغل الحكومة في الشام عن تثبيت وجودها وإجهاض المؤامرة الأميركية الإسرائيلية السعودية التي برزت بوضوح في معركة الرقة وفي إفساح المجال أمام قوات سورية الديمقراطية للسيطرة على المناطق البترولية في دير الزور بتنسيق مع داعش عبر تسهيلات أميركية..
غداً تنتهي داعش ليبدأ إرساء النظام وفرض سلطة الدولة وهنا تواجه الحكومة مشكلتين… الأكراد والأتراك.
المناطق التي تواجد فيها الأكراد هي مناطق عشائر وقبائل عربية ذات امتدادات جغرافياً مع السعودية والخليج والأردن وبعض هذه العشائر استمالتها السعودية عبر إغراءات مالية ووعود مستقبلية وتحريض طائفي ومذهبي قدّمها وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان أثناء زيارته الرقة حيث أمّن سكوتها عن التمدّد لـ«قوات سورية الديمقراطية» في هذه المناطق التي تقع على امتداد سيطرة الجيش السوري في دير الزور والميادين..
ما جرى ليس حباً للأكراد ولا للعشائر وإنما وضع مداميك جديدة لحرب داخلية بين القوى الحكومية والمقاومة مع المجموعات المسلحة الجديدة.
أميركا تؤيد الحركة الكردية في الشام وهي بؤرة صالحة لاشتباك عربي كردي آشوري سرياني ومجموعات متعدّدة ترفض الكيانية الكردية التي ينادي بها الأكراد من ذوي الأصول التركية في الجزيرة الحسكة القامشلي عامودا الدرباسية المالكية.. إشعال حرب جديدة تؤدّي لانقسامات شعبية في الشام تستغلها تركيا في منطقة إدلب حيث تعمل لإقامة حكومة مؤقتة بجيش تؤلفه من القوات الخاضعة لها من التنظيمات الارهابية التي تسمّيها القوات الحرة..
هذه هي الخارطة التي يعدّ لها هذا الحلف الخفي غير المتجانس..
والسؤال ما هي مصلحة تركيا في كلّ هذا؟ والجواب تركيا تأمل وبتنسيق سرّي مع «إسرائيل» بعد سيطرتها على المنطقة أن تقوم اميركا بسحب تأييدها للأكراد وتتمدّد تركيا بحجة محاربة الأكراد.. ويصبح موطئ قدم لها.
كلّ هذا ثمنه محاربة إيران ومنع تمدّدها في سورية والعراق عبر حاجز تركي ظاهره محاربة الأكراد وباطنه الحدّ من النفوذ الإيراني أمران تباركهما أميركا و«إسرائيل» والسعودية.
فما تردّد مؤخراً ونشر في الصحف الإسرائيلية عن الموقف الإسرائيلي الداعم لإقامة كيان كردي في سورية الشام يكشف هذا المخطط. فـ»إسرائيل» ترى انّ التحرك الكردي في الشام سيؤدّي لتحرك تركي مقابلها وهذا من شأنه ان يحدّ من تحركات حزب الله وإيران.. الأمر تباركه السعودية وتنفق الأموال لإنجاحه، وكشف سكرتير الحكومة الاسرائيلية السابق في جريدة هآرتس المخطط تسيفي هاوزر. هذا المخطط الذي يعتمد على صدّ العدوان النووي الإيراني بعد خلق جبهة كردية مؤيدة للغرب ولا يتمّ هذا إلا عبر تقوية أكراد سورية..
روسيا وضعت عينها على ما يجري واعتبر وزير الخارجية سيرغي لافروف انّ إسراع أميركا والدول الأوروبية على رصد مبالغ لإعمار الرقة هو في الحقيقة دعم للميليشيات الكردية تحت شعار الإعمار وأعلن انّ موسكو ستبدي موقفاً عسكرياً وسياسياً حازماً في مواجهة هذا التحرك..
الخطر الإيراني وخطر حزب الله… تشعر به «إسرائيل» وتخشاه وتجابهه بهذه التحركات وتركيا عنصر فعّال متستّر فيها..
لذلك كثرت وتعدّدت المشاريع والمفاوضات والاتفاقات من أجل تشتيت الجهود والقوى لعزل سورية وانشغالها بما يؤمّن طمأنينة لإسرائيل ويبعد عنها خطر إيران وحزب الله.
مخططات فشلت وستفشل وما يبشرنا بالخير هو هذه الروح المقاومة الرافضة لكلّ أنواع المؤامرات التي تحاك بإرادة داخلية امتداداً للإرادة الخارجية.
فهذه المقاومة استطاعت ان تثبت إرادة الحياة وأجهضت كلّ المؤامرات.. فأعطت الأمل وزرعت بذور البطولة.. وتركز «إسرائيل» كثيراّ هذه الفترة على الإعلام في حروبها التي تشنّها، و«إسرائيل» تعتمد أساساً في تفكيرها على الإعلام كما يشدّد البروتوكول الثاني صفحة 191 على أهمية الاعلام ويصفه بالآلة العظيمة فيقول:
«ولا يخفى أنّ في أيدي دول اليوم آلة عظمية تستخدم في خلق الحركات الفكرية والتيارات الذهنية، ألا وهي الصحف، والمتعيّن على الصحف التي في قبضتنا عمله هو أن تصبح مطالبة بالحاجات التي يفترض أنها ضرورية وحيوية للشعب وان تبسط شكاوى الشعب وأن تثير النقمة وتخلق أسبابها، إذ في هذه الصحف يتجسّد انتصار حرية الرأي والفكر، غير انّ دولة «الغوييم» لم تعرف بعد كيف تستغلّ هذه الآلة فاستولينا عليها نحن وبواسطة الصحف نلنا القوة التي تحرّك وتؤثر، وبقينا وراء الستار، فمرحى للصحف وكفُّنا مليء بالذهب.
لهذا نرى المواقف الإعلامية والفبركات الاخبارية تشتدّ وتيرتها هذه الأيام عبر الإكثار من تشويه المعلومات.. وضخ المزيّف منها خدمة للهدف الإسرائيلي. ولكن جميع هذه المخططات فشلت وستفشل…
|