العدوان الذي تعرّضت له محافظة السويداء، وأخذ شكل مذبحة منظمة قامت بها المجموعات الإرهابية التفكيرية، يُعيدنا إلى المخطط «الإسرائيلي» المعدّ لمنطقة الجولان المحتلة.. ذلك المخطط الذي أعلنت «إسرائيل» عنه مؤخراً وطلبت من ترامب رئيس الولايات المتحدة تأييده ودعمه. هذا المخطط الذي أعلنته «إسرائيل» يقضي بضمّ الجولان السوري الى دولة «إسرائيل» بشكل نهائي..
الإعلان «الإسرائيلي» عن الرغبة في ضمّ الجولان بشكل نهائي لسلطة دولة الاحتلال وفق المنهج المعلن عنه قوبل فوراً بالرفض والاستهجان من أهالي الجولان، كما رفضت الحكومة السورية هذا المشروع وأعلنت مقاومته.. من هنا جاء الرفض الكامل لهذا العدوان الصهيوني والموقف الحازم لأبناء الطائفة الدرزية ضدّ هذا المخطط، فجاء الردّ «الإسرائيلي» بالمذبحة التي حدثت مؤخراً..
الجيش السوري سيطر على كامل منطقة القنيطرة ومحافظة درعا… وجميعها أجزاء متمّمة لبعضها البعض في الجولان المحتلّ… وسبق أن أعلنت «إسرائيل» التي تحتلّ منذ شهر حزيران عام 1967 ما مساحته 1200 كم2 من هضبة الجولان، أعلنت عام 1981 ضمّ هذا القسم المحتلّ رغم عدم اعتراف الحكومة السورية والمجتمع الدولي بذلك.. ثم عادت مؤخراً تطلب تأييداً أميركياً لهذا الضمّ…
موقف المواطنين السوريّين في الجولان أخاف «إسرائيل» وأقلقها، فتمسك الموحّدين الدروز بهويتهم القومية لا يريح «إسرائيل» التي حاولت كثيراً إغراءهم بدمجهم في التشكيل السكاني الموجود تحت سيطرتها وعرضت عليهم الجنسية «الإسرائيلية» ولكنهم رفضوا التخلي عن انتمائهم القومي.
لذلك رتبت «إسرائيل» العملية الإرهابية لجعل أهالي الجولان يشعرون بالخوف وعدم الطمأنينة والأمان بما يتيح لـ»إسرائيل» وبعض العملاء استغلالها والإيحاء بأن لا امن للسكان في منطقة الجولان، حيث يتعرّضون للعدوان. وبرزت الأصوات التي تتهم الحكومة في الشام بالتهاون في تأمين الحماية ووسائل الردع لرعاياها في محافظة السويداء الأمر الذي تزعم «إسرائيل» أنها توفره لمن تحت سلطتها من أبناء الجولان…!
يذكّرنا هذا بمذبحة دير ياسين التي تعتبر من أشهر الأعمال الوحشية التي ارتكبوها وجعلوا منها شعاراً بعد أن قام مناحيم بيغن ورجاله بذبح 254 شخصاً وسلبوا أموالهم وشوّهوا جثثهم، وقال بيغن «لولا مذبحة دير ياسين لما قامت «إسرائيل»… واللافت أنّ عدد شهداء مذبحة دير ياسين يقارب عدد شهداء السويداء.
أرادوا إرعاب أبناء الجولان عبر مذبحة ارتكبوها في محافظة السويداء لينضمّوا إليهم…
بنو معروف حاربوا «إسرائيل» في فلسطين من بيت جن الى شفا عمر… فسوطة وكسرى، كما سجلوا في التاريخ مواقف العزّ، فلم يسلم معتدٍ من ردّهم العنيف ومواقفهم البطولية التي ملأت كتب التاريخ.. وخاصة منطقة جبل العرب.
وللذكرى كان الشهيد حسين البنا القومي الاجتماعي في مقدّمة شهداء فلسطين عام 1936 والشهيد الرفيق سعيد فخر الدين شهيد الاستقلال الوحيد في لبنان.
اليوم وبعد تزايد التحليلات عما يتعرّض له جبل العرب من تهديد وعدوان من التكفيريين وبعد مذبحة جبل السمّاق بريف إدلب، لم يكن من أبطال جبل العرب إلا الدفاع عن جبلهم الأشمّ لأنّ تاريخ النخوة العربية والعنفوان التي اندثرت من بعض النفوس واحتفظ بها بنو معروف وأصبحت سمة من سماتهم مثل بقية أهل الكرامات من السوريين على اختلاف مشاربهم.
ولو عدنا بالزمن برهة لنذكّر أنه عندما احتلّ إبراهيم باشا المصري بلاد الشام وأقام سلطته في لبنان وضمّها إلى سلطة والده محمد علي باشا حاكم مصر، أصدر عدداً من التشريعات ومنها منع حمل السلاح في لبنان وخاصة منطقة الشوف معقل إقامة بني معروف الذين هبّوا لرفضها ونشبت ثورة ضدّ إبراهيم باشا وجيشه أدّت إلى خروجهما من لبنان صاغرَين.
هؤلاء هم بنو معروف في الشام ولبنان، ومَن هم اليوم هنا هم أحفاد هؤلاء ليس في النسب التاريخي فقط بل في النسب الأخلاقي أيضاً.
فهل تغيّر التاريخ وتبدّل القوم حتى يأتي رعاع قتلة مجرمون يهدّدون عرين البطولة في الشام؟ تلك هي بعض المواقف التاريخية والبطولية لبني معروف.
لا شك في أنّ تاريخ البطولة في المناطق التي تحوي هذا النسيج الاجتماعي هو ليس تاريخاً طائفياً ولا مذهبياً، كما يحاول المتآمرون العزف على أوتاره وإنما تاريخ يحظى بالنخوة والبطولة والعزة القومية والوطنية.
فالتاريخ حافل مليء بالمثل والإيمان القومي لهذه المجموعة من أبناء أمتنا أمثال سلطان باشا الأطرش بطل الثورة ضدّ الانتداب الافرنسي… والذي انتصر على قواتهم.
وكان سلطان الأطرش أوّل مَن رفع علم الثورة العربية على أرض سورية قبل دخول جيش الملك فيصل، حيث رفعه على داره في القرية، وكان في طليعة الثوار الذين دخلوا دمشق سنة 1918، بعد أن رفع العلم في ساحة المرجة فوق دار الحكومة في دمشق، منحه الملك فيصل الأوّل لشجاعته لقب باشا عام 1918، في الجيش العربي. وقد طرح الفرنسيون عليه الاستقلال في حكم الجبل وتأسيس دولة مستقلة في محافظة السويداء فرفض رفضاً قاطعاً لسعيه الدؤوب نحو دولة مستقلة بعيداً عن التجزئة والاستعمار.
عارض سلطان إنشاء الدولة الدرزية عام 1921 وقبل ذلك وبعده عارض بشدة الانتداب الفرنسي.
حدث أوّل صدام مع الإفرنسيين في تموز من عام 1922 باعتقال المجاهد أدهم خنجر الذي حاول اغتيال الجنرال غورو في حوران، وكان خنجر قد لجأ عند سلطان باشا واحتمى به.
وطلب سلطان الأطرش من القائد الفرنسي في السويداء تسليمه أدهم خنجر فأعلمه بأنه في طريقه إلى دمشق، فكلّف الأطرش مجموعة من أنصاره بمهاجمة القافلة المسلحة المرافقة للمعتقل، ولكن الفرنسيين تمكنوا من نقله إلى لبنان وفي 30 أيّار عام 1923 أعدموه في بيروت.
وقد أقدم الفرنسيون على تدمير منزل سلطان باشا الأطرش في القريّة في أواخر آب عام 1922 رداً على هجومه على قواتهم، فقاد الأطرش الثوار في «حرب غريّة» ضدّ القوات الفرنسية، وشارك بفاعلية في الثورة السورية الكبرى. وانتصر على الإفرنسيين في معركة المسيفرة.
ولن ننسى سمير القنطار الذي قام بعملية فدائية بطولية في 22 نيسان 1979 وكان عمره 16 سنة، حيث قاد مجموعة من أفراد منظمة جبهة التحرير الفلسطينية عبر زوارق بحرية مطاطية، حيث نزلوا في مستوطنة نهاريا شمال فلسطين المحتلة. واشتبك مع حرس الشواطئ حيث قتل منهم اثنان. وفي هذا الهجوم أسروا عائلة داني هاران وقتل من أفراد الجبهة اثنان، هما عبد المجيد أصلان ومهنا المؤيد. واعتقل سمير قنطار وأحمد الأبرص وحكم بالمؤبد 5 مرات مع 47 سنة. وأطلق سراحه في 16 تموز 2008 في عملية تبادل للأسرى بين «إسرائيل» وحزب الله.
وبعد خروجه من السجن تابع نشاطه الجهادي مما أزعج «إسرائيل» وخططت لقتله والتخلص منه.
شنّت طائرات يُقال إنها تابعة للطيران الحربي الإسرائيلي غارة على مبنى مكوّن من ستة طوابق في مدينة جرمانا ،جنوب العاصمة السورية دمشق، مساء يوم السبت 19 كانون الأوّل 2015، انتهت باستشهاده عن عمر يناهز 53 سنة.
هذا هو شعبنا في منطقة السويداء وكلّ سورية في تنوّعها.. ولن تخفي حقيقته وهويته وانتماءه مواقف وآراء وارتباطات سياسية من البعض.
ونختم بما أكده شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ حمود الحناوي، الذي قال: «إنّ موقفنا في سورية لا يتغيّر ونرفض التوجيه من أيّ جهة وقرارنا ينبع من ضميرنا».
وشدّد على «أنّ أهالي السويداء وطنيون وأبطال وشجعان ولا يخافون الموت والردى»، شاجباً «الكلام الذي قيل حول اتهام الحكومة السورية في ما جرى في السويداء».
وفي حين أشار إلى أننا «نريد المزيد من السلاح لندافع عن أرضنا ومناطقنا»، لفت إلى أنّ «الجيش السوري يقوم بواجبه ويمدّنا بالسلاح لندافع عن أنفسنا».
فشل المخطط «الإسرائيلي» ومَن معه ويبقى شعارنا «ليس عاراً أن ننكب بل العار كلّ العار أن تحوّلنا النكبات من جماعة قوية الى جماعة ضعيفة…».
|