إعلان مصر والأردن عن رغبتهما في المشاركة بمؤتمر البحرين.. أثار الدهشة والوجوم والاستغراب لدى قسم من أبناء أمتنا في لبنان والشام والعراق وشعوب العالم العربي. لكننا لم ندهش ولم نستغرب ولم نفاجأ بهذا الموقف لأنه ليس جديداً ولا مستغرباً.. لأنّ مصيبتنا بيهودنا الداخليين أعظم من بلائنا باليهود الأجانب وقد قال سعاده:
«لم يتسلط اليهود على جنوبي بلادنا ويستولوا على مدن وقرى لنا إلا بفضل يهودنا الحقيرين في ماديتهم الحقيرين في عيشهم الذليلين في عظمة الباطل. انّ الصراع بيننا وبين اليهود لا يمكن ان يكون فقط في فلسطين بل في كلّ مكان يوجد يهود قد باعوا هذا الوطن وهذه الأمة بفضة من اليهود. انّ مصيبتنا بيهودنا الداخليين أعظم من بلائنا باليهود الاجانب…»
الموقف الأردني ليس جديداً وكذلك الموقف المصري حيث سجل تاريخ الأحداث منذ بدء النكبة الى اليوم خداعاً وممالأة وتواطؤاً..
الموقف الأردني ليس جديداً اليوم.. فمنذ البداية كانت النوايا غير صادقة لدى الملك عبدالله بن الحسين.. فوالده وافق على ان يتوطن اليهود في فلسطين وكذلك أخوه فيصل وقد وعد من قبل اليهود وهيئة الامم بأن يضمّ اليه القسم العربي الذي يبقى من فلسطين بعد تقسيمها ويولّونه ملكاً عليها.. ويقول بشارة الخوري في مذكراته:
في 4 تشرين الثاني صباحاً وصل الأمير خالد شهاب الوزير المفوض للبنان في الأردن حاملاً رسالة من الملك عبدالله مفادها انّ المصريين خابروه وأعلموه بسوء الحالة العسكرية عندهم وهو يرى انّ اللجوء الى المفاوضات أجدى وانّ العودة الى القتال مغامرة وانّ الغلو لم يعد له محلّ بعد تبدّل الحال .
تأمّلوا كيف يصف القتال والإيمان بالقضية الوطنية غلوّاً ومغامرة..
وتذكروا انه بعد ستين عاماً يقف الملك عبدالله بن عبد العزيز ملك السعودية فيصف عمل المقاومة اللبنانية عام 2006 ابان تصدّيها للعدوان الصهيوني بالمغامرة.
اما في الجانب المصري فتوقف الجيش في الفالوجا ووقّعت حكومة مصر هدنة في شباط 1949 وأنهت القتال مع «إسرائيل» الدولة التي نشأت عام 1948.. عام واحد فقط.. ويكفي ان نتذكر انّ النقراشي باشا رئيس الحكومة المصرية سجل في اجتماع اللجنة السياسية في دورة الجامعة العربية التي انعقدت في عاليه بلبنان في تشرين الأول 1947 تحفظه على موضوع الاشتباك المسلح فقال:
«اني أريد أن يكون معلوماً من الجميع انّ مصر إذا كانت توافق على الاشتراك في هذه التظاهرة العسكرية تظاهرة ما شاء الله فإنها غير مستعدة قط للمضيّ أكثر من ذلك.. فهي تشارك في الحشد العسكري على الحدود ولكنها ترفض الاشتراك في حرب فعلية. ولم ننس ولن ننسى موقف السادات ومبارك.
وما زال الأعراب يمارسون نفس الأدوار. فبعد حرب لم يخوضوها أصبحوا سماسرة المفاوضات والتسويات من أجل تطويب فلسطين بشكل قانوني ونهائي لليهود.. إنهم يلهثون من أجل مفاوضات مع عدو مغتصب وباشروا التطبيع معه تحت عنوان يسمح بإقامة دولة فلسطينية.. حلم صار عمره ما يزيد على 70 سنة ولا نزال نلهث خلفه.
ويقول هنري سيغمان سيغمان شخصية أميركية يهودية مدير مشروع الولايات المتحدة للشرق الأوسط في نيويورك مدير تنفيذي سابق للكونفرس الأميركي اليهودي ، يقول: «في الواقع، كلّ مبادرات السلام السابقة لم تصل الى اية نتيجة لسبب ليس لدى بوش ولا لدى الاتحاد الأوروبي الشجاعة السياسية للاعتراف به، هذا السبب هو الإجماع المتفق عليه منذ زمن بعيد من قبل النخب صاحبة القرار في «إسرائيل» بأنّ «إسرائيل» لن تسمح أبداً بقيام دولة فلسطينية تحول دون سيطرتها الفعلية، العسكرية والاقتصادية على الضقة الغربية .
ويضيف: «انّ هذا الموقف الاجماعي لا يمنع قبول إسرائيل بوجود عدد من الكيانات المعزولة عن بعضها البعض التي يمكن ان يصبح الفلسطينيون فيها أكثرية .
انّ الصفقات والمفاوضات التي يجري العمل لها عبر تدخلات السعودية وبعض دول الخليج والمؤتمرات التي تعقد رغم رفض المنظمات الفلسطينية لهذه الطروحات تحاول أميركا تمرير الصفقة وتوطين اللاجئين حيث هم وإقامة مشاريع مالية استثمارية لجذب أصحاب النفوس الضعيفة الى القبول بالصفقة الصفعة التي اختاروا لها البحرين.. لأنّ البحرين موغلة أكثر وقبل غيرها في علاقاتها مع الموساد الإسرائيلي وقد نشر موقع «ويكيليكس» وثائق عديدة، وكذلك صحيفة «الغارديان» البريطانية أعطت هذه الوثائق معلومات حول العلاقات القوية والوطيدة التي تربط ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة مع قادة «إسرائيل» والموساد «الإسرائيلي»!
تحقيق المشروع «الإسرائيلي» كما وصفه ناحوم سوكولوف في المؤتمر اليهودي عام 1922: «أوروشليم، انها عاصمة السلام العالمي، أما نحن اليهود، فسوف نتابع كفاحنا لدى هيئة الأمم ولن نرتاح قبل السلام النهائي، انّ جمعية الأمم تهتمّ بنجاح قضيتنا، ليس فقط لأنها منحتنا الوصاية، ولكن لأنّ قضيتنا تتعدّى حدود القضايا الدولية لأيّ بلد كان، هذا لأنها تتضمّن بشكل من الأشكال ازدهار العالم بأجمعه وسلامه.
«وفي يوم قريب سوف نحكم العالم رسمياً وسيكون المنطلق من أورشليم من حيث أتانا الذلّ ومن حيث سيأتينا النصر الكبير».
انّ التاريخ يعيد نفسه مع أمراء وملوك ورؤساء هذا الزمن الرديء… الذين أصبحوا بمجموعهم الحرس الخاص لدول الاستعمار.
لم يكن العدو لينجح في الماضي والحاضر لولا الخيانات والعمالة التي قدّمنا نماذج عنها وليس بكاملها، وما كان لنا ان نبقى صامدين لولا انّ فئة مؤمنة نذرت نفسها من أجل صون كرامة أمتها وأمن شعبها… وكانت الأمل المستقبلي المشرق. «ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل» ولولا إيمان هذه النخبة من صفوة أبناء الأمة بصحة مسارها ووضوح رؤيتها لما مهّدت طريق الحياة لأجيال مقبلة… انها مؤمنة، بأنّ طريقنا طويلة وشاقة وهي طريق الحياة ولا يثبت عليها إلا الأحياء وطالبو الحياة أما الأموات فيسقطون على جوانب الطريق…
يتهاوى الخونة ويرتفع الأبطال والشهداء الذين هم أكرم من في الدنيا والآخرة… كلّ مناضل في هذه الأمة مؤمن بأنّ الدماء التي تجري في عروقنا هي وديعة الأمة فينا متى طلبتها وجدتها… وليكن كلّ واحد منا مؤمناً بأنّ من تقاعس عن الجهاد مهما كان شأنه فقد أضرّ في سير الجهاد وحياتنا مع وجود هذا العدو جهاد مستمرّ يجعل كلّ مواطن منا خفيراً ساهراً واعياً يقظاً في المدرسة والمتراس، في البيع والشراء في اليقظة والمنام، لأنّ آلاماً عظيمة لم يسبق لها مثيل في التاريخ تنتظر كلّ مؤمن فينا…
أمثال حكام مصر من أنور السادات وحسني مبارك كثيرون، وإذا نظرنا الى حكومات مصر في مختلف العهود باستثناء عبد الناصر نراها انعدمت كنصير وتصرفت كعميل… وما نراه اليوم لا يبشرنا بالخير وبأنّ الأمور قد تتغيّر نحو الأحسن.
انّ مؤتمر المنامة الذي أريدَ له ان يكون الاختبار الأهمّ لقدرة الأعداء في تنفيذ وتحقيق صفقة القرن مؤتمر المنامة الذي رفضته الدول العربية المؤمنة بأننا إذا لم نكن أحراراً من أمة حرة فحريات الأمم عار علينا.. وكذلك تضامنت القوى الفلسطينية بتنظيماتها المختلفة في رفضه ومحاربته.. موقف أكد ثبات القرار الفلسطيني ورفضه الحازم لدول العمالة الأميركية التي باعت فلسطين والقدس وسارت وراء المشاريع الصهيونية الأميركية.. انّ عدم حضور «إسرائيل» لهذا المؤتمر لم يؤدّ الى الغاية المأمولة في جذب الدول العربية الفاعلة.. وبقيت هذه الدول لبنان العراق فلسطين سورية المغرب تونس الجزائر الكويت في موقف الرافض لهذه الصفقة وكذلك فعلت القوى والمنظمات والأحزاب الوطنية في رفض هذا المشروع.
واعتبر الحزب السوري القومي الاجتماعي «أنّ إصرار البحرين على استضافة ورشة الازدهار من أجل السلام وتجاهلها المواقف الرافضة لهذه الورشة المشبوهة.. هي صفقة خاضعة للمشيئة الأميركية ومشتركة في صفقة مشؤومة.. الهدف منها تصفية المسألة الفلسطينية لمصلحة العدو الاسرائيلي…»
أميركا تدعم «إسرائيل» وتبرّر تصرفاتها وتشرعها، ودول العالم تقرّر وتستهين، والحكام العرب يتدخلون وسطاء مصلحين ويحكم ويحكم يا ويلكم…
إزاء هذا كله نعود لما قاله سعاده: «إننا لا نريد الاعتداء على أحد، ولكننا نأبى أن نكون طعاماً لامم أخرى، اننا نريد حقوقنا كاملة ونريد مساواتنا مع المتصارعين لنشترك في إقامة السلام الذي نرضى به، وإنني أدعو اللبنانيين والشاميين والعراقيين والفلسطينيين والأردنيين إلى مؤتمر مستعجل تقرّر فيه الأمة إرادتها وخطتها العملية في صدد فلسطين وتجاه الأخطار الخارجية جميعها وكلّ أمة ودولة إذا لم يكن لها ضمان من نفسها من قوتها هي فلا ضمان لها بالحياة على الإطلاق.
يجب أن نعارك يجب أن نصارع، يجب أن نحارب ليثبت حقنا. وإذا تنازلنا عن حق العراك والصراع تنازلنا عن الحق وذهب حقنا باطلاً، عوا مهمتكم بكامل خطورتها ولا تخافوا الحرب بل خافوا الفشل».
|