الأمة التي تسلّم نفسها للسلم تسلّم نفسها للعبودية، نشأت أجيال في أمتنا وأمامها تاريخ مذلّ باستسلامه وخضوعه وخنوعه.. فبعد ان تخلى قادة زمن الذلّ عن كرامتهم وعنفوانهم ورضخوا للإرادات والإملاءات لم يجد الجيل الناشئ سوى صور الاستسلام والعبودية بدأ من تسليم الاسكندرون وألويتها للأتراك… إلى تسليم فلسطين لليهود لإقامة دولتهم المغتصبة وطرد شعبنا منها.. إلى المساومات والمهادنات والتسويات. فماذا نقدّم لأجيالنا غير أرض ممزقة مسلوبة تزال هويتها ويبدّل وجودها.. ولا كتاب يروى ولا محاضرات ودراسات تنطبع في ذاكرة اطفالنا وأبنائنا محدثة في وجدانهم زلزال كرامة تنازل عنها أجدادهم وترتسم في مخيّلتهم صورة سيف العزّ الذي كسر آباؤهم نصله..
يتحدثون عن التسوية والسلم ويرسمون عناوين المفاوضات وإقامة دولتين.. على ما تبقى من فتات الاغتصاب تماماً يريدون إعادة التاريخ الى الوراء وتطبيق ما حصل في أميركا يوم دخلتها الشعوب المهاجرة واستطونتها وقضت على أهلها وسكانها الأصليين.. وكما فعلوا مع الهنود الحمر يريدون ان يفعلوا معنا..
الآن وبعد ان استكملت الصهيونية مرحلة الاستيلاء على فلسطين بإعلانها القدس عاصمة دولتها وبعد أن أخذت الدعم والهبات المالية من أميركا.. بعد ان أنجزت المرحلة الاولى من مشروعها بدأت تبحث عن تنفيذ المرحلة الثانية أي خنق كلّ مقاومة وتفتيت الوحدة وتمزيق البلاد عبر عملاء من مشيخات الذل وملوك العمالة والاستسلام. ركيزة مشروعها مشيخات وممالك الخليج، فالخليج أقرب إلى ولاية أميركية غربية تكفي إشارة من وكيل وزير الخارجية ليصدر القرار ويتحدّد الموقف منذ الثورة العربية الكبرى إلى يومنا هذا وقياداتهم عمالة وتبعية ومن تمرد سحق.. ما فعلوه في العراق وحاولوه في الشام ويحاولونه مع المقاومة هو الجزء الثاني من هذا المشروع..
رفضنا ما يدعى باتفاقيات السلام ليس لأننا لا نحب السلم ونحن أهل حرب وقتل وتدمير رفضنا السلام لأن السلم يجري بين جماعتين خلافهما مادي وعلى مفهوم السيادة او رسم الحدود او سياسي او اقتصادي.. أما ما بيننا وبين الصهيونية فهو صراع وجود لا صراع حدود، صراع بقاء مع عدو يريد لنا الفناء.
هم ابتلعوا الأرض ويريدون فترة هدوء تتيح لهم هضم ما ابتلعوا وتنظيم أوضاعهم..
نحن نؤمن بأنّ السلم هو أن يسلم أعداء أمتنا بحقنا في أرضنا.. انّ من يسلّم نفسه للسلم مع عدو غاصب فإنما يسلّم نفسه للعبودية.
انّ ما بيننا وبين الصهاينة هو صراع وجود فهم يريدون الانتصار علينا وإذلالنا وطمس وجودنا فكرياً وإنسانياً وان نتحوّل الى مجموعة تابعة مستعبدة كما فعل الأميركيون مع سكان أميركا الأصليون.
يريدون تطبيق مشروعهم حسب ما ورد في كتبهم ومزاعمهم: «نحن شعب الله المختار ولن يتوقف الرب عن السهر علينا، نحن من أنزل علينا الرب من السماء المنّ والسلوى، نحن من شق لنا الرب البحر لنسير… نحن نمنح ونحن نمنع وهذه أرضنا، وهؤلاء عبيدنا… وما هم إلاّ شراذم تجمعها الأوهام والمطامع والمصالح الشخصية. وجاء في التلمود انّ الرب قال لشعب اسرائيل «أنا إله كلّ من يأتي للعالم غير أني إليك وحدك اضمّ اسمي فأنا إله إسرائيل» ويضيف انّ الرب الممجّد يقول لو انني تركت الاسرائيليين كما هم سوف تبتلعهم الوثنية، اريد ربط اسمي الكبير بهم وسيعيشون به. ومن الجدير بالذكر انّ التلمود يعتبر كلّ الأمم غير اسرائيل هي وثنية، فيقول سفر التثنية 29,33 .
«طوبى لك إسرائيل من مثلك شعب منصور بالرب. هو ترس عونك وسيف عظمتك. لك تُخضِع اعداؤك وانت تطأ مشارفهم»، وتصل بهم المغالاة انّ الرب يقول أنت عبدي يا إسرائيل فاني بك الممجد . سفر اشعيا 49،3 ويضيف كلّ من يتمرّد او يقف ضدّ «إسرائيل» فإنه يتصرف كما لو انه يتمرّد على الربّ وكلّ من يكره إسرائيل يشبه من يبغض الله»… سفر الاعداد 48،22 .
من هنا بدأ رسم صورة الدولة الفلسطينية كما هي في مشروعهم في جزء من الأرض أشبه بمستعمرة هندية في أميركا.. وبعد السيطرة الكاملة وبمشاركة دول الخليج في تنفيذ التطبيع وتوطين الفلسطينيين في الشتات تبدأ المرحلة الثانية من الخطة لفرض سلام على أعدائها ونشر فترة من الاسترخاء والهدوء ومحاولة الدخول بحرب جديدة والسيطرة برايات بيضاء.
الآن وبعد ان استكملت الصهيونية مرحلة بنائها بالاستيلاء على فلسطين كلها وأقامت ما أقامت من منشآت وصناعات، واستقرّ المهاجرون ووفرت لهم أماكن الإقامة، وبعد أن أخذت من الولايات المتحدة الهبات المالية والقروض الميسّرة بدأت تبحث في تنفيذ المرحلة الثانية من خطتها لفرض سلام على أعدائها ونشر فترة من الاسترخاء والهدوء ومحاولة الدخول في حرب جديدة برايات بيضاء هي الحرب الاقتصادية والسيطرة الصناعية التجارية بالدخول الى الأسواق المجاورة واقتسام المياه، ليصبح أبناء أمتنا وعالمنا العربي وهم أكثر من 350 مليون نسمة تابعين لنحو أربعة ملايين يهودي!
انّ كلّ الإنتاج اليهودي والشطارة اليهودية ستصبّ في بحر هذا المدّ الكبير لتغرف من خيراته وثرواته، وبذلك تؤمّن اليهودية لنفسها الديمومة والبحبوحة والاستمرار ولأجيالها المقبلة النمو بهدوء وسعة مؤهّلين لاستكمال مشاريعهم بقوة واقتدار، مقابل أجيال لنا تنمو متواكلة كسولة جاهلة ما يجري حولها بفعل التعتيم المتعمّد في تاريخها وصحافتها وإذاعتها وبفعل الاختلاط الهادئ بين السكان وبفعل السيطرة المتنامية للعدو الخفي…
يتربّى اليهودي منذ ولادته على أنّ هذه الارض وعده بها الرب في التوراة… ويتربّى العربي على أننا جميعا اخوة اولاد آدم لا فضل لعربي على اعجمي إلا بالتقوى… والخلق كلهم عيال الله أحبّهم اليه انفعهم لعياله… نبيعهم التمر ويبيعوننا التكنولوجيا الحديثة المتمثلة باحدث صرعات الموضة، والإدمان، والجنس، والإباحية… لكلّ هذا يخططون ويحضرون… ونحن نسير نحوهم نضمّهم ونقبّلهم رافعين إشارات النصر… إنه زمن الذلّ الأسود…
«ليس عاراً ان نُنكَب ولكن العار ان تحوّلنا النكبات من أمة قوية الى أمة ضعيفة».
انّ إظهار الدور الخياني لبعض القادة وأصحاب القرار هو واجب ينبغي ان يطلع عليه أهلنا ومواطنونا كلّ عمل مهما كان دافعه ومقصده لا يصب في مصلحة الأمة التي هي فوق كلّ مصلحة هو خيانة…
كلا لا سلام ولا استسلام، لقد أضاع الأعراب فلسطين وما زالوا يمارسون نفس أدوار العمالة، فبعد حرب لم يخوضوها أصبحوا سماسرة المفاوضات والتسويات وصكوك التمليك وتطويب فلسطين بشكل قانوني ونهائي لليهود ساروا وراء الرئيس الأميركي كما كان يسير المماليك وراء سلاطين بني عثمان..
لقد صنع الاستعمار من هؤلاء المشايخ والأمراء حكاماً لدول وهمية ليكونوا صوته وسوطه وهو دور يمارسونه بايمان وحماس..
سيبقى السيف الاسرائيلي يلعب في رقابنا ما دامت هذه الرقاب محنية على النطع وسيبقى سيفهم أشدّ فتكاً من الألسنة التي تلعق يد الظلم والبطش..
لن نسلم لأعدائنا ولن نستسلم وسنبقى أحراراً من أمة حرة ولن نرضى بأن تكون حريات الأمم عار علينا.. نحن ندرك كلياً الأخطار المحيطة بأمّتنا. كلّ هذا الذي يجري اليوم ويقف العالم متفرّجاً عليه وهو نقيض لكل قرارات الأمم المتحدة التي قضت بتقسيم فلسطين الى دولتين واحدة فلسطينية والأخرى يهودية وتشمل 55 بالمئة من مساحة فلسطين وتدويل القدس الأمر الذي رفضناه ولا زلنا نرفضه.
ابتلعت «إسرائيل» كلّ فلسطين بما فيها القدس وأقامت دولة وشرّدت الشعب الفلسطيني وتمدّدت نحو الحدود المجاورة واحتلت الجولان.. غير عابئة بالعالم كله ومنظماته وهيئاته. كلّ هذا التجاوز على العالم وتحقيق المشروع الصهيوني بالأمر الواقع والعالم كله بعربه وأجانبه لا يملك سوى مطرقة الأمين العأم لمجلس الأمن والأمم المتحدة وتصريحات أمين الجامعة العربية ومعظمها مهادن ممالئ.
ما يحدث اليوم في ذكرى النكبة وبعد سبعين عأماً على النشوء الرسمي لدولة الاغتصاب لا زالت المشاهد هي ذاتها والأوضاع هي ذاتها شرذمة وتعدّد في الأفكار والتنظيمات..
أعود بعد كلّ هذا فأكرّر إيماننا بأنه في الوحدة القومية تضمحل العصبيات وتنشأ الوحدة الصحيحة التي تتكفل بإنهاض الأمة.. ويبقى فعل الإيمان قائماً بأنه ليس لنا من عدو يقاتلنا في وحدتنا وأرضنا وديننا الا اليهود مؤمنين بقول الزعيم:
«اننا نواجه الآن أعظم الحالات خطراً على وطننا ومجموعنا فنحن أمام الطأمعين المعتدين في موقف يترتب عليه إحدى نتيجتين أساسيتين هما الحياة والموت واية نتيجة حصلت كنا نحن المسؤولين عن تبعتها. عوا مهمتكم بكأمل خطورتها ولا تخافوا الحرب بل خافوا الفشل لأنّ فيكم قوة لو فعلت لغيّرت مجرى التاريخ».
|