قرأت خبراً نسب الى وزير الدولة لشؤون مكافحة الفساد نقولا تويني… وخبراً مماثلاً صادراً عن رئيس مجلس رجال الأعمال اللبناني العراقي السيد عبد الودود النصولي. وهو عضو في هيئة استعادة أموال اللبنانيين في العراق..
موجز هذا الخبر المنشور أنّ الحكومة العراقية ترفض سداد الديون القديمة للبنانيين، بالرغم من المساعي المبذولة والوفود واللجان المؤلفة لهذا الغرض. ورغم الزيارات المتبادلة للدولتين.. هذه الديون هي حقوق مضى عليها أكثر من عشرين عاماً، وهي مستحقة لأصحابها. وزيارة رئيس الجمهورية الجنرال ميشال عون إلى العراق، ومؤخراً زيارة وزير الخارجية جبران باسيل، وزيارات ولقاءات الوزير نقولا تويني. فالمسألة لا تزال في المجهول بالرغم من التصريحات الودية والإيجابية التي صدرت وتصدر عن المسؤولين العراقيين وبالرغم من الوعود السابقة.
قصة أموال اللبنانيين وحقوقهم ليست جديدة والظلم الذي لحق باللبنانيين من رجال الأعمال وأصحاب المشاريع كان مجحفاً وقاسياً وغير متوقع صدوره عن السلطات العراقية تجاه اللبنانيين الذين اعتبروا دائماً انّ العراق ولبنان توأمان تجمعهما مودّة وثقة أكثر مما تجمعهما المصالح.. ونشيدهم الدائم بلاد العرب أوطاني من الشام لبغداد.. والعراق رغيف العرب.. والترياق يأتي من العراق.. ولكن هنا يصحّ القول: «ومن الحب ما قتل»، او باللهجة العراقية «من حبك لا شاك». انّ الأموال اللبنانية في العراق تكوّنت نتيجة أعمال ومشاريع وصفقات صناعية وتجارية وحوالات وودائع.. ولا تشوبها اية شائبة.
نشأت هذه المسألة التي تمسّ معظم أفراد المجتمع اللبناني بكلّ شرائحه وهي مسألة حياتية جوهرية هامة لكن التعامل معها جرى بأسلوب التشاطر والوعود.
فبالرغم من كلّ ما يربط لبنان والعراق فإنّ لبنان وحده دفع ثمن سياسة اللفّ والدوران ونكران الحقوق. فديون اللبنانيين لم تدفع… بينما نال السوريون والأردنيون كلّ مستحقاتهم..
المتضرّرون اللبنانيون من حرب العراق يشعرون انّ دولتهم بكلّ هيئاتها أهملتهم في السابق ولم تعِر قضيتهم الاهتمام الذي تستحق، وهم تعصرهم المرارة عندما يجدون انّ ما قامت به الحكومة الأردنية من إجراءات وتدابير تنفيذية لحماية حقوق مواطنيها. كان حرياً بالحكومة اللبنانية ان تكون أكثر حرصاً ورعاية لمصالح مواطنيها، لا سيما انّ الأضرار التي أصابت رجال الأعمال اللبنانيين في العراق تفوق كثيراً ما لحق بالسوريين والأردنيين، فالأرقام مرعبة، والأضرار تبلغ نحو تسعماية مليون دولار أميركي فيما بلغت الاستثمارات اللبنانية حدود المليار دولار شملت قطاعات مهمة.
ماذا فعل الأردن؟
إذا عدنا الى الوضع المماثل الذي واجه رجال الأعمال في الأردن والأسلوب الذي اتبعته الحكومة الأردنية لمعالجة المشكلة أمكننا عندئذ معرفة سبب الخيبة التي أصابت رجال الأعمال اللبنانيين.
فالحكومة الأردنية أصدرت قانون إدارة الودائع المجمّدة المؤقت رقم 33 لسنة 2003 وقد نشر في الجريدة الرسمية تحت رقم 4594 تاريخ 23/4/2003.
ماذا يقول هذا القانون؟
نصت المادة الرابعة من القانون على ما يلي:
ينشأ بقرار من مجلس الوزراء بناء على تنسيب رئيس الوزراء صندوق يسمّى صندوق إدارة الودائع المجمّدة تحوّل إليه الودائع التي تمّ تجميدها بمقتضى أحكام المادة 3 من هذا القانون.
ونصت المادة 6 من القانون على ما يلي:
أ ـ يجوز لأيّ متضرّر ان يتقدّم بطلب معززاً بالوثائق اللازمة لاستيفاء حقوقه او تغطية مخاطره الناشئة عن عقد مبرم مع الجهة الحكومية غير الأردنية او من خلالها او بضمانتها وذلك خلال ثلاثة أشهر من تاريخ تبلغه بذلك بموجب إشعار يرسل بالبريد المسجل.
لاحظ انّ السلطة الأردنية هي التي تتولى تبليغ المتضرّرين لتقديم طلبات الحصول على حقوقهم .
ب ـ للجنة بعد التأكد من وجود حق للمتضرّر بهذه المطالبة من صحة الوثائق التي قدّمها ان تقرّر الوفاء له بهذا الحق من أموال الصندوق.
مادة 7: يحلّ الصندوق محلّ المتضرّر الذي تمّ الوفاء له بموجب أحكام الفقرة ب من المادة 6 من هذا القانون في مطالبة ايّ جهة او هيئة حكومية أو خاصة إقليمية أو دولية نتيجة الوفاء بالالتزامات المترتبة على الجهة الحكومية غير الأردنية تجاه المتضرّر.
ماذا فعل السوري؟
في سورية قامت السلطات فور سقوط النظام العراقي بوضع يدها على ما في سورية من أموال البروتوكول السوري العراقي وما في مصارفها من ودائع للبنك المركزي العراقي. هذه الأموال قد تمّ دفعها للمتضرّرين من الحرب الأخيرة وستجري معالجة جميع الحقوق العائدة لرجال الأعمال السوريين في العراق.
ولو سألنا ماذا فعل اليهودي وماذا فعل الأميركي لوجدنا الجواب نهش ونهب وسلب أموال العراق.
مال اليهود لا يموت…!
منذ الأسبوع الأول لسقوط النظام في العراق، تحرّك اللوبي الصهيوني فوراً وحضرت إلى بغداد مجموعة تنتمي الى الصندوق اليهودي، وبدأت إحصاء حقوق اليهود المهاجرين منذ أكثر من أربعين عاماً وجهّزت طلبات التعويضات بملايين الدولارات تمهيداً للمطالبة بدفعها والتعويض على من ماتوا خارج وطنهم العراق . علماً انّ الحكومات العراقية لم تطرد ايّ يهودي ولم تصادر أية أموال هناك.
… والأميركيون أيضاً
وثالثة الاثافي ما طلعت علينا به الصحف الأميركية حيث نشرت هذا الخبر نقلاً عن وكالة الصحافة الفرنسية: 653 مليون دولار لـ 17 أسيراً أميركياً… وفي تفاصيله «أفاد مصدر قضائي أميركي أنّ قاضياً فيديرالياً أصدر أمراً بدفع 653 مليون دولار من الودائع العراقية التي وضعت واشنطن اليد عليها، لأسرى حرب أميركيين سابقين، مؤكداً انهم تعرّضوا للتعذيب لدى اعتقالهم في العراق خلال حرب الخليج الثانية عام 1991.
وكانت الإدارة الأميركية تعتزم استعمال هذه الأموال في أعمال إعادة الإعمار في العراق. وقرّر القاضي في الحكم الذي أصدره استعمال الأموال لتعويض 17 أسير حرب، جميعهم أميركيون، كانوا أقاموا دعاوى العام الماضي على نظام الرئيس العراقي صدام حسين. وأمهل الإدارة عشرة أيام لتبرير استعمال القسم الآخر من الأموال التي وضعت اليد عليها.
اللبناني يتيم ومستضعف
بعد مضي سنوات على سقوط النظام في العراق وحتى هذه الساعة لم يتمّ التحرك بشكل جدي وحازم من اية جهة نافذة او فاعلة للحفاظ على حقوق المئات من أصحاب المؤسسات اللبنانية الذين تضرّروا وتضرّر معهم الاقتصاد اللبناني بأكمله. انّ التحرك الروتيني لا يكفي ولا يفيد وحده اذا لم تواكبه تحركات جدية فاعلة وصدور قوانين استثنائية كما جرى في سورية والأردن.
انّ التحرك الذي صدر في هذا العهد وتجسّد بزيارة رئيس الجمهورية اللبنانية الى العراق مؤخراً لإحياء ما بين الدولتين والمواطنين فيهما من صلات طيبة، وزيارة وزير الخارجية، والجهد الكبير الذي يبذله وزير الدولة لشؤون مكافحة الفساد وزياراته المتعدّدة الى العراق لملاحقة هذا الموضوع وتأليف هيئة متابعة ومراجعة تضمّ رئيس مجلس رجال الأعمال اللبناني العراقي عبد الودود النصولي الذي قام بنشاط ملحوظ في هذا الشأن.
انّ هذا التحرك هو المحاولة التي تحاول ان تجلب للمتضرّرين نقطة الترياق من العراق ونأمل ان تصل بهذا الترياق قبل ان يكون العليل قد فارق.
انّ اهتمام رئيس الجمهورية ليس جديداً وسبق للجنة أصحاب حقوق اللبنانيين ان وجهت رسالة الى الجنرال عون تستنجد فيه بعد ان طالب في العام 2004 بتسديد حقوق اللبنانيين وإعادة اموالهم. وكان الوحيد الذي اهتمّ بهذه الحقوق.
وهنا نص الرسالة التي وقعها عبد الودود النصولي وإياد موصللي… الأول بصفته رئيس لجنة أصحاب الحقوق اللبنانية في العراق، والثاني بصفته أمين عام تجمع أصحاب الحقوق اللبنانية في العراق:
دولة الرئيس الجنرال ميشال عون المحترم
تحية وبعد،
حملتم راية حماية حقوق اللبنانيين والأموال اللبنانية وأطلقتم صرخة الحق في وجه الباطل، فهلا شملت دعوتكم مئات الأسر وآلاف العمال في المؤسسات اللبنانية التي جمّدت حقوقها وأموالها في العراق منذ أكثر من أربعة عشر عاماً وهي أموال تشمل اعتمادات لم تسدّد وعقوداً نفذت ولم تدفع ثمنها وتحويلات مالية لم تنفذ.
انّ للعراق في البنوك اللبنانية ودائع وللبنانيين في العراق حقوقاً كلّ ما نطالب به خطوة وطنية جريئة من الحكومة اللنبانية تؤمّن مقاصة بين حقوق اللبنانيين والودائع العراقية وبشكل حبّي وأخوي بحيث يأخذ كلّ فريق حقه.
لقد وعد المسؤولون العراقيون الذين زاروا لبنان بإنهاء هذه القضية ودفع الحقوق وحتى الآن لم ينفذ هذا الوعد، وفيما بدأ البنك المركزي العراقي في سحب ودائعه من لبنان لم يتخذ أيّ إجراء استثنائي احترازي لتحصيل الحقوق اللبنانية.
نناشدكم الوقوف معنا ودعم قضيتنا لأنها قضية حق وعدل.
فهل يتمّم فخامة رئيس الجمهورية ما بدأه منذ اربعة عشرة عاماً من المطالبة بحقوق لبنانية مهدورة بسبب إهمال السلطات في العهود السابقة…
ويبقى العراق دائماً رغيف العرب وترياقهم وقطرة الندى في أفواههم…
|