في العهد البيزنطي والعثماني… كان الحاكم يمنح ويمنع، يتصرف كما يريد ومثل ما يريد، يهب ويحرم، يحيي ويميت، يبني ويهدم… سلطات مطلقة وسيطرة غير محدودة في كلّ أنحاء العالم.
اليوم جاءت أميركا لتعيد تلك الأدوار وتلعب في العالم كما تشاء.
منذ أيام صرّح الرئيس الأميركي بأنّ لـ «إسرائيل الحق بالسيطرة على الجولان السوري وضمّه لحكمها».
هكذا أراد… الامبراطور الجديد… ضارباً عرض الحائط بالأنظمة الدولية وسيادة الدول وحقوقها وقرارات الهيئات والمنظمات العالمية التي حرّمت الاحتلال لأراضي وممتلكات دول من قبل دول أخرى ووضعت لذلك اتفاقات دولية صدرت عن عصبة الأمم وهيئة الأمم…
كلّ هذا تجاوزه ترامب إرضاء لرغبة «إسرائيل»! فيما الجولان ليس منطقة صحراوية خالية ولا ولاية يسكنها اليهود ولا منطقة سائبة لا أهل لها ولا سكان حتى يأتي من يسلبها ويضع يده عليها. الجولان جزء من الجغرافيا السورية ومحافظة من المحافظات المكوّنة للدولة ومثبتة في تكوينها الجغرافي، ومعترف بها رسمياً من الهيئات والحكومات في العالم.
احتلت «إسرائيل» الجولان بعد حرب بينها وبين الجيش السوري.. ثم بعد مفاوضات أجرتها الأمم المتحدة تمّ الاتفاق على سحب الجيش «الإسرائيلي» المحتلّ من مدينة القنيطرة وامتدادها وهي المركز الإداري للجولان، وأبقت بعضاً من الأراضي ومنها هضبة الجولان تحت سيطرتها على ان يتمّ الانسحاب منها لاحقاً بعد إجراء لبعض الترتيبات في سهل الحولة وبحيرة طبريا… فهضبة الجولان تشرف كلياً على هذه المستوطنات…
موضوع الجولان بين «إسرائيل» وسورية مثل موضوع الاسكندرون بين تركيا وسورية، والاصبع اليهودي هو الذي حرّك الأمرين…
اليهود الصهاينة يعرفون جيداً لأنهم يقرأون جيداً ما هي سورية الطبيعية… وقلبها وزندها الشام… ويعرفون انّ سورية الحالية هي الركيزة والأساس والروح في الجسد الذي يبقي هذا الوطن وهذه الأمة حية قوية.
لذلك عندما حدثت الحرب العالمية وتقاسمت فرنسا وبريطانيا سورية الطبيعية.. وضعت خرائط للمنطقة مستمدّة من الفكر والأهداف اليهودية.. ورغم انّ تركيا كانت خصماً في الحرب فقد عقدت معها اتفاقيات أدّت لمنحها لواء الاسكندرون وملحقاته والأقضية العراقية الاربع تلبية لطلب القائد التركي مصطفى كمال باشا…
مصطفى كمال يهودي تستر بالإسلام ويقول بيير هاييس مؤلف كتاب الصهيونية والشعوب الشهيدة :
ولد كمال في عام 1880 وهو يهودي من أصل اسباني وتعلم الاسبانية القديمة عن والده، هو وعائلته من أتباع مذهب السبتاليين اعتنقوا الإسلام ليتخلصوا من الموت، وبالنظر الى أصله السامي منع عنه الألمان خلال حرب 1914 شبه المارشالية التي كانت الجمعية الوطنية في أنقرة على أهبة منحه إياها عام 1929.
وكان يعيش حياة عابثة بدون أخلاق تكبح جماح عواطفه. لقد دمّر صحته على مائدة المسكرات مع النساء. كان يقضي ليالي بيضاء في البيوت العمومية الوضيعة في قلب العاصمة، كان مغامراً شرساً، أصيب بداء السلّ، فتعاطى اللواط…»
كما كان الكثيرون من قادة تركيا وجمعية الاتحاد والترقي من ذوي الأصول اليهودية أمثال حقي بك المستشار العام للسلطنة، جاويد، كاراسون، مدحت باشا، أنور باشا وفوزي باشا رئيس أركان الجيش التركي وهو مجري الأصل وكان اسمه كوهلمن.
وجاء اليوم الصهيوني نتنياهو يطالب بالاعتراف بضمّ الجولان للسيطرة «الاسرائيلية» فيكتمل الطوق من الشمال والجنوب..
خطران يمثلان تهديداً لبلادنا في مستقبلها ونموها..
نظرة سريعة لهذه العملية اليوم تبيّن لنا المخطط والفكري اليهودي..
من الشمال أهمّ النقاط والمواقع سلخ ومنح لسلطة غير سورية، كما يجري اليوم في الجنوب محاولة سلخ موقع الجولان.. سلطة معادية في الشمال وسلطة معادية في الجنوب تسيطران على أهمّ المواقع الاستراتيجية في سورية.. في الشام والعراق. مخطط يهودي من البداية.
في خطاب لأنطون سعاده في الأول من آذار 1938 قال:
«ما أقوله في صدد لبنان والشام أقوله في صدد فلسطين، فالسياسيون الكلاسيكيون هناك لم يتمكّنوا من إيجاد أيّ دفاع مجد يصدّ الخطر اليهودي، لأنّ أساليبهم لا تزال من النوع العتيق المسيطر فيه الصفة الاعتباطية والأنانية والمغرّرة للشعب. ولا بدّ لي من التصريح في هذا الموقف انّ الخطر اليهودي هو أحد خطرين أمرهما مستفحل وشرّهما مستطير. والثاني هو الخطر التركي. وهذان الخطران هما اللذان دعوت الأمة السورية جمعاء لمناهضتهما.
انّ الخطر اليهودي لا ينحصر في فلسطين، بل يتناول لبنان والشام والعراق أيضاً، لا لن يكتفي اليهود بالاستيلاء على فلسطين، فلسطين لا تكفي لإسكان ملايين اليهود. الذين أثاروا عليهم الأمم النازلين في أوطانها وهم منذ اليوم يقولون: «الحمد الله». اننا اصبحنا نقدر ان نمارس الرياضة الشتوية في أرض اسرائيل، ويعني التزحلق على الثلج في لبنان، فليدرك اللبنانيون ما هي الاخطار التي تهدّد الشعب اللبناني».
وكرّر الزعيم هذا التحذير عام 1947 إذ قال: «لعلكم ستسمعون من سيقول لكم انّ انقاذ فلسطين، امر لا دخل للبنان فيه. انّ إنقاذ فلسطين أمر لبناني في الصميم كما هو أمر فلسطيني في الصميم كما هو أمر شامي في الصميم… انّ الخطر اليهودي على فلسطين هو خطر على سورية كلها. كلمتي اليكم هي العودة الى ساحة الجهاد».
سيطرة «إسرائيل» على الجولان وضمّه إليها يعني سيطرتها التامة على الحدود السورية اللبنانية من جهة شبعا والقنيطرة ووضع دمشق تحت المرمى.. وتهديد كامل المنطقة الغربية والشرقية في الشام.. تحقيقاً للمخطط الصهيوني كما جاء في البروتوكول الثاني من بروتوكولات حكماء صهيون الذي يوضح المخطط الاداري الصهيوني للسيطرة على البلاد المجاورة ووضعها تحت هيمنتها حيث جاء فيه:
«إنّ غرضنا الذي نسعى إليه يحتم أن تنتهي الحرب بلا تغيير حدود ولا توسع إقليمي، وينبغي تطبيق هذا ما أمكن فإذا جرى الأمر على هذا قدر المستطاع تحوّلت الحرب الى صعيد اقتصادي وهنا لا مفرّ من أن تدرك الأمم من خلال ما نقدّم من مساعدات، ما لنا من قوة التغليب، تغليب فريق على آخر ومن التفوق وفوز اليد العليا الخفية.
وهذا الوضع من شأنه أن يجعل الفريقين تحت رحمة عملائنا الدوليين الذين يملكون ملايين العيون اليقظة التي لا تنام. ولهم مجال مطلق يعملون فيه بلا قيد. وحينئذ تقوى حقوقنا الدولية العامة على الحقوق القومية الخاصة في نطاق المعنى المألوف لكلمة حق. فيتسنّى لنا أن نحكم الشعوب بهذه الحقوق تماماً كما تحكم الدول رعاياها بالقانون المدني داخل حدودها».
انها المحاولات التي شهدناها في كثير من المحافل الدولية وآخرها ما حاولت أميركا تحقيقه مؤخراً إرضاء لليهود عبر مشروعها الفاشل. كلها صور حية لمحاولة تحقيق ما رسمته «إسرائيل» من توسع إقليمي عبر وسائل غير عسكرية.
كلّ الحسابات ضبطت بدقة حتى أنّ أدوار كلّ حكومة وكيلة من حكومات العمالة العربية أنيط بها دور، ولكن ما لم يضبط هو أنّ حساب الحقل لم يطابق حساب البيدر وكانت المقاومة اللبنانية هي الرقم الصعب الذي لم يتماشَ في عملية الطرح والضرب والقسمة ولكنه كان الرقم الأساس في عملية الجمع فأجهض كلّ المخططات والمخاضات.
فإعطاء الجولان لـ «إسرائيل» يؤدّي مستقبلاً إلى تمكينها من تحقيق مشروعها.. لهذا تصرّ على ضمّ الجولان استراتيجياً وسياسياً…
والآن نعود فنقول لأولئك الذين ينظرون إلى «إسرائيل» على أنها حليف ضدّ أبناء أمتهم.. مندفعين بنزعات مذهبية متناسين كامل الخطر اليهودي دينياً وقومياً.. ويطالبون بنزع سلاح المقاومة الرادع الوحيد الباقي سياج الأمان.. لذلك تحاربها أميركا وبريطانيا والغرب وتصفها بالإرهاب.
اننا الآن أمام الأفعى ذات المئة رأس لأنّ الأخطار التي تهدّد وجودنا من الشمال والجنوب والشرق والغرب كثيرة وعظيمة. ويترتب علينا الآن، وفي هذه الساعة، ان نقرّر الموقف الذي نريد ان نتخذه، واختيارنا لن يكون إلا قطع رأس هذه الأفعى.
ونكرّر ما قاله سعاده: كلنا مسلمون لرب العالمين منا من اسلم لله بالقرآن ومنا من اسلم لله بالانجيل ومنا من اسلم لله بالحكمة وليس لنا من عدو يقاتلنا في ديننا ووطننا الا اليهود.
عوا قضيتكم بكامل خطورتها ولا تخافوا الحرب بل خافوا الفشل…
|