المؤامرة نظمتها الماسونية ودول سايكس ــ بيكو ونفذت في 8 تموز
يوم أعلن سعاده ولادة الحركة السورية القومية الاجتماعية وحدّد هوية الأمة وقال فيها: سورية للسوريين والسوريون أمة تامة، والقضية السورية هي قضية قومية قائمة بنفسها مستقلة عن اية قضية أخرى، والقضية السورية هي قضية الأمة السورية والوطن السوري، ومصلحة سورية فوق كلّ مصلحة.. وحدّد حدود هذا الوطن. الوطن السوري هو البيئة الطبيعية التي نشأت فيها الأمة السورية وهي ذات حدود جغرافية تميّزها عن سواها تمتدّ من جبال طوروس في الشمال الغربي وجبال البختياري في الشمال الشرقي إلى السويس والبحر الأحمر في الجنوب شاملة شبه جزيرة سيناء وخليج العقبة ومن البحر السوري في الغرب شاملة شبه جزيرة قبرص إلى قوس الصحراء العربية وخليج العجم في الشرق ويعبّر عنها بلفظ عام الهلال السوري الخصيب ونجمته جزيرة قبرص.
تحرك أصحاب المصالح الخارجية والاستعمارية ونظروا بقلق وتوجّس الى هذا الرجل الذي أيقظ التاريخ لأمة أبت ان يكون قبر التاريخ مكاناً لها في الحياة.
وتخوّفوا من هذا التنظيم الذي يحدّد غايته ببعث نهضة سورية قومية اجتماعية تتكفل تحقيق مبادئه ويعيد للأمة السورية حيويتها وقوّتها وتنظيم حركة تؤدّي الى استقلال الأمة السورية استقلالاً تاماً وتثبيت سيادتها وإقامة نظام جديد يؤمّن مصالحها ويرفع مستوى حياتها والسعي لإنشاء جبهة عربية.
قوى الاستعمار العسكري والسياسي قلقت من صوت الوعي ويقظة روح الحياة وانكشاف هوية أمة حاولوا بعثرتها وتبديدها وتمويهها..
وتحرك رجال الدين وتجاره بعد ان هالهم ما تضمّنته المبادئ الإصلاحية.. فصل الدين عن الدولة ومنع رجال الدين من التدخل في شؤون السياسة والقضاء القوميين وإزالة الحواجز بين مختلف الطوائف والمذاهب فهذه المبادئ والدعوة ستقطع عليهم طريق استغلال الدين والاتجار به الأمر الذي كان ولا يزال مبعث الأذى والتدهور في أمتنا.
وتحرك الاستعماريون من صوت قوة تهدّد مصالحهم وأطماعهم في أرض طمعوا بها وحلموا بامتلاكها فوجدت تركيا في هذا الرجل عدواً يجب العمل على إزالته لا سيما بعد ان حدّد الخطر التركي كأحد أهمّ الأخطار التي تهدّد وحدة الأمة والأرض.. كاشفاً ما تشكله تركيا نحونا قبل عشرات الأعوام مما ظهر منها في سلبها لأجزاء من الأرض ومحاولة التمدّد لاحقاً وتشجيع الإرهاب لتفتيت البلاد وجعل هتافنا يدوّي اذكروا كيليكيا وانطاكية واسكندرون، وشعر الصهاينة ورعاتهم بهذه الدعوة وخطورتها وهم يسمعون سعاده يقول:
«كلنا مسلمون لرب العالمين من مَن أسلم لله بالقرآن ومنا من أسلم لله بالانجيل ومنا من أسلم لله بالحكمة وليس لنا من عدو يقاتلنا في ديننا وحقنا ووطننا الا اليهود.. وتنادى رجال الإقطاع والأطماع يوم وجدوا في مبادئه نصاً يقول:
إلغاء الإقطاع وتنظيم الاقتصاد القومي على أساس الإنتاج والعمل وصيانة مصلحة الأمة والدولة.
راقبوا هذه الدعوة وهذا الرجل الذي تميّز بصدق إيمانه وسخاء عطائه ونقاء أفكاره.. يرفض الطغيان ويكره الاستعمار ويعمل لتحرير البلاد أرضاً بحدودها الجغرافية الطبيعية وإنساناً بفكره وإيمانه.. راقبوه ووجدوا فيه خصماً لدوداً خططوا لمحاربته حيث شعروا بالخوف من هذه الدعوة وصدق صاحبها.
كانت إرادة القضاء على هذا الرجل وفكرته قراراً أجمع عليه جميع الذين تضرّروا من مبادئه ووجدوا فيها خطراً يقضي على مصالحهم فتحرّكوا رجال الدين من كلّ الطوائف، والاقطاعيون وزعماء العائلات والأرياف، السياسيون التقليديون المستعمرون من جميع الجنسيات درعهم الصهيونية وأموالها.. ودعاياتها.. وحذرت من الماسونية وتنظيمها وأهدافها وأخطارها على بلادنا وشعبنا.. سجنوه.. أبعدوه خارج البلاد والوطن.. فأزداد صلابة وازدادات مبادئه انتشاراً وكثر المؤمنون بهذه المبادئ واشتدّ توجّس الصهيونية ورعاتها منه ومن حزبه وامتداده على أرض فلسطين وسائر أجزاء الوطن خاصة عندما قال:
لم يتسلط اليهود على جنوبي بلادنا ويستولوا على مدن وقرى لنا إلا بفضل يهودنا الحقيرين في ماديتهم الحقيرين في عيشهم الذليلين في عظمة الباطل.
انّ الصراع بيننا وبين اليهود لا يمكن ان يكون فقط في فلسطين بل في كلّ مكان حيث يوجد يهود قد باعوا هذا الوطن وهذه الأمة بفضة من اليهود، انّ مصيبتنا بيهودنا الداخليين اعظم من بلائنا باليهود الأجانب.
«اننا نواجه الآن أعظم الحالات خطراً على وطننا ومجموعنا فنحن أمام الطامعين المعتدين في موقف يترتب عليه إحدى نتيجتين أساسيتين هما الحياة والموت واية نتيجة حصلت كنا نحن المسؤولين عن تبعتها».
وسيبقى السيف الاسرائيلي يلعب في رقابنا ما دامت هذه الرقاب محنية على النطع وسيبقى سيفهم أشدّ فتكاً من ألسنتنا التي تلعق يد الظلم والبطش.»والسيف أصدق انباء من الكتب».
«اننا لا نريد الاعتداء على أحد ولكننا نأبى أن نكون طعاماً لأمم أخرى، اننا نريد حقوقنا كاملة ونريد مساواتنا مع المتصارعين لنشترك في إقامة السلام الذي نرضى به وإنني أدعو اللبنانيين والشاميين والعراقيين والفلسطينيين والأردنيين إلى مؤتمر مستعجل تقرّر فيه الأمة إرادتها وخطتها العملية في صدد فلسطين وتجاه الأخطار الخارجية جميعها وكلّ أمة ودولة إذا لم يكن لها ضمان من نفسها من قوّتها هي فلا ضمان لها بالحياة على الإطلاق.
يجب أن نعارك يجب أن نصارع، يجب أن نحارب ليثبت حقنا. واذا تنازلنا عن حق العراك والصراع تنازلنا عن الحق وذهب حقنا باطلاً، عوا مهمتكم بكامل خطورتها ولا تخافوا الحرب بل خافوا الفشل».
لذلك وجد اليهود في سعاده ومبادئه خطراً عليهم فنظموا عملاءهم وأتباعهم أفراداً وأحزاباً وحكومات من أجل القضاء على سعاده وأفكاره والمؤمنين به تنظيماً وعقيدة.. وذلك تطبيقاً لما جاء في سفر اشعيا 30 :
وتتمثل الرب يأتي من بعيد، غضبه مشتعل، والحريق عظيم، شفتاه ممتلئتان سخطاً ولسانه كنار آكلة، ونفخه كنهر غامر يبلغ الى الرقبة.
يخطب في شعبه المختار فيقول: «انا يهوه، وليس من اله معي، اسكر سهامي بدم، ويأكل سيفي لحماً بدم القتلى والسبايا، ومن رؤوس قواد العدو… الرب ينتقم بدم عبده، ويرد نعمة على أعدائه ويصفح عن أرضه وعن شعبه سفر التثنية «وتتمثله وهو يملي على اتباعه شريعته المفعمة بمشاعر العدوان، ونزعة التعطش الى شرب دماء الأمم… فيقول بلسان النبي حزقيال: «لا تغفل أعينكم ولا تعفوا الشيخ والشاب والعذراء والطفل والنساء اقتلوا للهلاك» سفر حزقيال 9.
انّ الذين وضعوا مخططات السيطرة على بلادنا لن يتركوه أبداً. فقتل سعاده والتخلص منه ومن حزبه ومبادئه تقرّر يوم أعلن سعاده مبادئه ورفع راية الأمة بوقفة عز منادياً أبناء الأمة قائلاً لهم: ما أشدّ اعتزازي بكم وما أروع النصر الذي أسير بكم اليه..
الثامن من تموز يوم تنفيذ الفكر التآمري وتحقيقه في القضاء على سعاده جسداً.. وفيه أثبت وانتصر سعاده بإيمانه وفكره ونقاءه وهو الذي قال:
«انّ أبسط القوميين الاجتماعيين هو أمتن عقيدة وأعرف بنجاح القضية القومية الاجتماعية من أمهر السياسيين واخبثهم…»
المؤامرة التي نفذت في 8 تموز ولدت في أفكار أعدائه يوم ولدت العقيدة القومية الاجتماعية، وقد نفذتها زمرة عميلة
في الثامن من تموز حيث تحقق أمران سجلهما التاريخ الأول هو ما مثله سعاده وحزبه من خطر على أعداء الأمة يوم اعلن قضية الأمة ونادى أبناءها: «عوا قضيتكم بكامل خطورتها ولا تخافوا الحرب بل خافوا الفشل».
كان موقفه ونداؤه ناقوس الخطر على أعداء الأمة في الداخل والخارج..
اما الأمر الثاني فهو إيمان سعاده بأمته ووطنه وقضيته قضية أعلنها فأطلقت بعد إعلانها نفيراً بين كلّ الأعداء والطامعين والفاسدين ليردّوا عنهم القوة التي قال عنها سعاده لأبناء حزبه وامّته «انّ فيكم قوة لو فعلت لغيّرت مجرى التاريخ…» وظنّ المتآمرون انّ مقتل سعاده سيدمّر الحزب وينهيه وينهي العقيدة.. ولكن سعاده قال: «ان موتي شرط لانتصار قضيتي، اموت لأحيا وحزبي باقٍ، وبقي الحزب تحرسه عقيدته وبقي القوميون تقودهم وتصون وحدتهم المبادئ التي وضعها سعاده وقاعدتها الأساسية لا تخافوا الحرب بل خافوا الفشل وليس عاراً ان ننكب بل العار كلّ العار ان تحوّلنا النكبات من جماعة قوية إلى جماعة ضعيفة منهارة.»
آمن واستشهد من أجل ما أمن به وقدّم دمه وهو الذي قال» انّ ازكى الشهادات هي شهادة الدم، شهداؤنا هم طليعة انتصاراتنا ،قد تسقط أجسادنا أما نفوسنا فقد فرضت حقيقتها على هذا الوجود ولن تزول». وانّ الدماء التي تجري في عروقنا هي وديعة الأمة فينا متى طلبتها وجدتها.
وهو الذي قال قبيل استشهاده: «أنا أموت، أنا لا يهمّني كيف أموت، بل من أجل ماذا أموت، لا أعدّ السنين التي عشتها، بل الأعمال التي نفذتها. هذه الليلة سيعدمونني، أما أبناء عقيدتي فسينتصرون وسيجيء انتصارهم انتقاماً لموتي، كلّنا نموت، ولكن قليلين منا من يظفرون بشرف الموت من أجل عقيدة، يا خجل هذه الليلة من التاريخ، من أحفادنا، من مغتربينا، ومن الأجانب، يبدو أنّ الاستقلال الذي سقيناه بدمائنا يوم غرسناه، يستسقي مجدّدا ًعطاءنا». لقد اعطى سعاده باستشهاده الصورة الحقيقية لما آمن به ونادى رفقاءه للإيمان به، لذلك آمن به الناس وأحبّوه وأحبّوا كل ّمن أحبّه وانتمى إليه من أفراد عائلته إلى أعضاء حزبه وبرهن المواطنون والقوميون عن هذا الحبّ في الكثير من المواقف… مات سعاده ليحيا اما اولئك القتلة المتآمرون فعاشوا ليموتوا.
من أجل هذا ومن أجل ان لا يتحقق هذا تآمروا عليه وقتلوه. انتصر سعاده.. مات جسداً ليحيا فكراً وخلوداً ونظاماً.
|