ليست المعركة التي تخاض الآن على صعد المواجهة داخل فلسطين المحتلة أو تلك التي تطرق باب الحدود الوهمية لسايكس بيكو التي يتبعها محور المقاومة من العراق ومروراً بسورية ولبنان، لتوجيه رسائل عاجلة للإدارة الأميركية وللكيان الصهيوني والرجعية العربية، بأن ما كان سابقاً لم يعُد يصلح راهناً. هذه قد تشكل لحظةً للتوازن العقلي الدولي الذي تأخّر كثيراً تجاه فلسطين، أرضاً وشعباً. ولكن هل يشكل هذا التحول الذي يُصاغ الآن دولياً إحراجاً لمشيخات التطبيع مع الكيان الصهيوني؟
رغم الشكوك، التي تستبدّ في وطننا السوري وعالمنا العربي، من هذا التحول الدولي، تجاه المسألة الفلسطينية، نرصد تطوراً آخر بين الكيان الاغتصابي لفلسطين ودول خليجية، وقد جاءت زيارة الوفد البحريني إلى الكيان الصهيوني وشعبنا في فلسطين يخوض معركة وجوده، لتشير إلى هذا السقوط الأخلاقي والوطني لتلك المشيخات بحق فلسطين وأهل فلسطين.
دفع التطبيع العلني بين البحرين وكيان العدو المنطقة إلى مشهد إقليمي جديد، فهو إذ يستكمل التطبيع السعودي والإماراتي مع هذا الكيان السرطاني، فإنه يُنذر بتعقيدات وتطوّرات لها انعكاسات وأبعاد غير متوقعة، في مقدّمتها محاولة تصفية المسألة الفلسطينية وإغلاق الباب الذي تتنفس منه حركات المقاومة نهائياً، وقد سبق ذلك التنسيق بين تلك الكيانات الهجينة والكيان الصهيوني في احتضان الجماعات الإرهابية، وإطلاقها في العراق وسورية ولبنان ومصر. وما سيزيد الوضع تشابكاً وتعقيداً أكثر أن هذا التطبيع البحريني ـ الخليجي مع الكيان الصهيوني سيدخل المنطقة في «أتون» نيران جديدة، ستزيد المنطقة اشتعالاً مع قرار ترامب الجهنمي بنقل سفارة بلاده من «تل أبيب» إلى القدس المحتلة:
إن الكيان الصهيوني يستفيد من رعاية السعودية للتطبيع، وقد جاءت زيارة الوفد البحريني للقدس المحتلة، تأكيداً لهذه العلاقة العضوية بين الجهتين العدوانيتين.
إن الكيان الصهيوني سيستفيد من الإعلان عن التطبيع مع مشيخات الخليج من خلال الاستمرار في التنسيق الأمني، وصولاً إلى تعزيز أمن الاحتلال في فلسطين المحتلة. وهو ما تدركه المقاومة بكل فصائلها، الفلسطينية واللبنانية والسورية والعراقية، وقد جاءت تصريحات الأمين العام لـ «عصائب أهل الحق» العراقية «قيس الخزعلي» من الحدود اللبنانية لتؤكد أن المقاومة باقية ولن يزيلها تطبيع من هنا وتطبيع من هنالك.
تدرك كل من «تل أبيب» والرياض، أن التطوّرات التي ألقت بظلالها على منطقة الهلال السوري الخصيب خلال السنوات السبع المنقضية، حظي فيها الكيان الصهيوني بالمغانم الاستراتيجية بهدف إعادة هندسة المنطقة جيواستراتيجياً.
ولا شكّ في أن عديدة هي المعطيات، التي دفعت بالبحرين وقبلها السعودية والإمارات وقطر إلى تغيير قواعد النظر إلى الكيان الصهيوني، لعلّ من أبرزها:
أولاً: تنامي الدور الإيراني، إقليمياً ودولياً، بعد انتصارات الجيشين السوري والعراقي بدعم من فصائل المقاومة التي سبق ذكرها.
ثانياً: الخسائر التي لحقت بالسعودية في حربها ضد اليمنيين من جهة، ومحاولات تركيا الاستدارة ولو ببطء للتعويض عن انفكاك المحور الوهابي والتعويض عنه في الانفتاح على إيران وروسيا!
لا، لن يكون شعبنا في الجنوب السوري ـ فلسطين، يا حمد البحرين، مثل العرب، يئدون قضيتهم المقدّسة مثلما كان أهل الجاهلية يئدون بناتهم.
|