بين استعداد الرئيس الأميركي دونالد ترامب لسحب قواته من سورية ومن ثم العودة عن ذلك.. كما الاستعداد للعدوان على سورية وإشعال حرب ضد روسيا خيط بريطاني ـ فرنسي ـ سعودي رفيع. وقد جاء العدوان الصهيوني على مطار «تيفور» في سياق هذا التوجّه كمحاولة جس نبض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حليف دمشق القوي، كما جسّ نبض الجانب الإيراني، ولكن خيبة المحور المعادي ستكون صادمة بعد العدوان الثلاثي الغربي إذا حصل، عندما يتّضح له الانحدار الذي وصل إليه النفوذ الأميركي في المنطقة، والاستعداد الذي تبديه الولايات المتحدة للتوجّه نحو مناطق جيو سياسية أخرى مهمة كمنطقة الهند الصينية!
ليس صدفة أن يتزامن هذا الحشد العدواني الغربي، مع الذكرى الـ 15 لاحتلال شرق الهلال السوري الخصيب العراق ، حيث جاء الأميركيون وحلفاؤهم بكل أدوات الفتك، وجيّروا غزوهم بأكاذيب عن الجمرة الخبيثة، وما شابهها من أسلحة الدمار الشامل، وظلوا سنوات ينقبون العراق ويحفرون فيه بحثاً عن سراب. وحين لم يجدوا ما يحفظ ماء الوجه، لم يتأثروا كثيراً، واعتذروا بكل صفاقة عن أكاذيبهم، وأعلنوا أنهم يحملون «الديمقراطية والحرية» إلى بلاد ما بين النهرين، وبتلك «الديمقراطية والحرية» بدأ تاريخ جديد في العراق وفي منطقة الهلال الخصيب بكامله.. تاريخ دموي عنيف فتحت خلاله نوافير الدم وانهالت معاول الهدم تحطّم ما تبقى من معالم في هذه المنطقة التي شهدت ميلاد أبهى الحضارات.
بالتزامن مع هذه الذكرى الـ 15، جاء تحرير الغوطة الشرقية ليشكل فصلاً آخر من فصول طي صفحات المؤامرة على سورية، رغم الضجيج الدعائي الكبير، للأميركيين والصهاينة وآل سعود، و»جيشهم الإسلامي».. ضجيج عبر عن حجم الوجع من هذا الانتصار وعلى قدر الألم كان التهويل الاعلامي لعرقلة هذه العملية الكبيرة للجيش السوري.
لم يزرع الأميركيون في العراق إلا الأشواك والعواصف، ولم يحاولوا حتى التظاهر بأنهم يمهّدون الأرض ليغرسوا «بذور» ديمقراطيتهم. لم يفعلوا ذلك بل حرثوا الأرض بالملح، كما فعل الرومان مع قرطاجة، ولكنهم في سورية لن يحصدوا إلا الريح.
ومثلما اعترف وزير خارجية أميركا الأسبق كولن بأول بأنه كذب في مجلس الأمن بزجاجة الانثراكس التي ستدمّر العالم تواصل أميركا لعبة «الكيمياوي» التي بدأتها عبر مخابرات بندر آل سعود وتنفيذ مجرمي «جيش الإسلام»، في آب 2013 وراح ضحيتها المئات من الأطفال الذين اختطفتهم العصابات الإرهابية، والغريب أن أحداً من هؤلاء الارهابيين لم يصب، وأن تلك الفضيحة انكشفت وأجبرت السعودية نفسها على إقالة مدير مخابراتها بندر بن سلطان.
وها هم أدعياء الإنسانية يتنادون من جديد لنصرة أطفال دوما في الغوطة الشرقية، ولكنهم غداً سيصابون بالخرس بعد أن تنفضح القصة التي كشفها الخبراء الروس، وهي تنتظر بدء خبراء منظمة حظر الاسلحة الكيماوية التحقيق فيها.
والسؤال، لماذا يستخدم الجيش السوري هذا السلاح في وقت يحقق فيه الانتصارات، رغم أنه لم يستخدمه في أحلك الظروف ولن يستخدمه؟
وهكذا، كلما لاحت نذر تحرير منطقة من المناطق المحتلة من عصابات الإرهاب تداعى المهرّجون الى التباكي على المجاعة والحصار والإنسانية والناس التي تموت لنقص الغذاء، ثم حين يقترب الجيش السوري من إنجاز النصر ترتفع دعاية الكيماوي السخيفة!
الغوطة تحرّرت. وهذه الصفحة قد طُويت كما طُويت من قبلها صفحات مضايا والقلمون وريف دمشق وشرق حلب وحمص وحماة ودير الزور وتدمر لينتقل الجيش الأسطوري الى صفحة أخرى في تحرير بلاده من براثن عصابات الإرهاب ومَن يدعمها ويساندها، ولن ينفع كل هذا التباكي ولا التهديد بالعدوان في إعادة عقارب الساعة الى الوراء.
سيقف في المستقبل القريب قادة العدوان، على الصعيدين الدولي والإقليمي، ليؤكدوا بأن سورية ليست سبباً وحيداً لهذا الـ «صداع» الذي ينتابهم في أحلامهم منذ سبع سنوات، بل ليشيروا إلى أن «الصداع» الأكبر هو ما يسببه لهم الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والسوري بشار الأسد، فهل سيطلقون على الرئيسين اسم «صداع بوتين ـ الأسد»؟
للزعيم أنطون سعاده: «الظاهر أن لمعان الدولارات قد أعمى بصيرة الأميركيين حتى أنهم أصبحوا يوافقون على الاعتداء على حرية الأمم بدم بارد وعجرفة متناهية». المجلة، ساو باولو، السنة 10، الجزء 4، 1/5/1924 .
|