أدركت بفطرتها أنّ لا وطنَ يحلُّ مكان وطنها حرّاً، ولا حبيباً يحلُّ مكان حبيبتها ـ أمّتها. تقول عهد التميمي: أنا من مواطنيك يا وطني منذ ما قبل التكوين، عندما وضع حاكم مدينة لكش، أوروكاجينا أول مثال مبكر للإصلاحات 2350 قبل الميلاد . وعندما أعطت أوروب، شقيقة قدموس، اسمها لقارّة الظلمات فكانت أوروبا، وعندما وضع القائد هانيبعل أول خطة عسكرية لاجتياح العدو فاجتاز البحر وجبالاً وعرة بفيلته وحاصره عشرات السنوات حتى شاخ شبّانه الجنود، وأصبح «هانيبعل على الأبواب» مثلاً يُقال للخطر المداهم، وبقيت خططه العسكرية تدرّس في الأكاديميات العسكرية عالمياً، وعندما جاء يسوع المسيح معلّماً وهادياً للمحبة، وعندما ساوى النهضوي أنطون سعاده بين المواطنين حقوقاً وواجبات بلا انتقاص أو تفاوت.
نعرف أنّ الكثير من الوجوه قد تكون اندثرت وحلّ محلّها جيل جديد يحمل حجراً أو سكيناً أو قبضةً ويترقّب، وأشياء أخرى تشبه طفولته وأولّ حب وآخره.. ووجوه أخرى لم تعُد تشبه نفسها إلا بالاسم، وقد اضمحلّ فيها الفعل المضارع وبقي الماضي على حاله برغم شوائب الذكرى.
ولكن ما الذي حدث؟
لسنا من الذين يمشون وراء جنازة «غودو» ولا ننتظر أحداً، بعدما تحوّلت البطلة عهد التميمي أيقونة يضعها كلّ حر على جبينه الذي تُقبّله الشمس، فمَن يداوي مدننا المنائر من جراح وفتوق ودمامل الاحتلال؟ ومَن يستردّ بهاءها غيرُكِ يا عهد فلسطين؟
لا، ليست المسألة هي مسألة القدس إلا باعتبارها عنواناً روحياً فلسطينياً بامتياز، مثلها مثل بيت لحم، وكلّ أرض فلسطين المقدّسة. وإذا أردتم أن تعرفوا شكل القضية الفلسطينية، انظروا إلى عهد التميمي، وإذا أردتم أن تعرفوا شكل الفضيحة الفلسطينية، انظروا إلى محمود عباس، هذا الذي وضع القضية في الزجاجة الدبلوماسية وأقفل عليها.. فإنّ كلّ حَمَلة السكاكين هم في رأي عباس قَتَلة للقضية!
يدرك قادة التسوية، من جماعة رام الله والمشيخات الخليجية، الذين يملأون الفضائيات بالكلام المعسول، أنّ أحداً منهم لا يمكن أن يصل إلى البيت الأبيض قبل أن يصبح «إسرائيلياً». لطالما شكّلت التوراة روح أميركا.. حتى بات يتردّد أنّ أميركا هي «إسرائيل الكبرى»، و»إسرائيل» هي أميركا الصغرى!
وکي لا نخذل عهد التميمي، فإنّنا مطالبون بما يلي:
– سياسة جبهويّة توحّد کلّ قوى المقاومة وترفض الانقسام بين فصائلها جميعاً.
– سياسة ترفض كلّ مبادئ أوسلو وعزل رموزها الخيانية، وتكريس مفهوم أنّ المقاومة هي «القول الفصل في إثبات الحق القومي أو إنكاره»، وأنّ حربنا مع هذا العدو هي «حرب وجود لا حرب حدود».
– سياسة وطنية قومية ترفض كلّ أنواع التطبيع التي تجري على مستوى الداخل الفلسطيني، كما على المستوى القومي والعربي.
– سياسة رفض كلّ مبادرات التسوية، «فلسطينية أو عربية أو أوروبية أو أميركية»، والتي هدفها تصفية القضية الفلسطينية.
الآن، ماذا تفعل عهدكِ في زنازين الاحتلال، يا فلسطين، وفي عصر الانتفاضة الثالثة المؤمنة بصحة القضية؟
نعرف أنه لن يبقى من وجه هذه اللبوة الشرسة سوى خطوط الروح أمام عالمها المليء بصوتِ الرصاص؟
…….
خلجة
عن المقاومين قال الشاعر الراحل عصام العبدالله:
«ما بعرفن / ما شايفن / لفّوا وجوههم بالقهر/ خبّوا سلاحهم بالوعر/ خبّوا أساميهم/ ما في حدا بيشوفهم/ إلا إذا ماتوا/ وتعلّقوا متل التحف/ متل القمر».
|