لم يأتِ تصريح السفير الأميركي ديفيد فريدمان، في الكيان الصهيوني، غريبا أو خارجاً عن سياق ما يُحضر للجولان السوري المحتل. فقد أعلن من القدس في السادس من ايلول/ سبتمبر 2018، ان «إسرائيل» جاءت لتبقى ومن الممكن ان تدرس الولايات المتحدة، الاعتراف بسيادتها على هضبة الجولان فى المستقبل، ويضيف وبشكل شخصى لا أستطيع تخيل وضع لا تكون فيه هضبة الجولان جزءاً من أمن «اسرائيل».
تصريح كهذا، وعشية الانتخابات المحلية التي قررها الاحتلال اليوم، أكثر من مجرد بالون اختبار، وأعمق من مجرد إرهاص للنيات الخبيثة المعدة للهضبة المحتلة منذ حزيران 1967، حيث يعلم السفير الاميركى ان الحكومات الاجنبية بما فيها اميركا، ضد سيادة الكيان الصهيوني على ارض الجولان، لكن الوضع الإقليمي الحالي، حيث التطبيع قائم قد يوحي أنه مهيّأ تماماً لفرض منطق القوة وقانون الغاب، ومن الطبيعي أن ينشغل التحليل السياسي في الردّ السوري على سلوك العدو وقد جاء هذا الرد سريعاً من قبل أهالي الجولان الذين عبروا عن رفضهم للانتخابات المحلية، بل وأحرقوا البطاقات الانتخابية وذلك رفضاً لسياسة «الأمر الواقع».
اليوم في الجولان المحتلّ المشهد سيكرّر نفسه برفض الأهالي للانتخابات المحلية التي اعتبروها «أحد أشكال الاحتلال وممارساته القمعية التعسفية»، وهم أعلنوا منذ أيام تحركاً شعبياً رافضاً هذه الانتخابات. كما انسحب عدد كبير من المرشحين في قرية بقعاثا التي تعدّ من الأكبر بين القرى في الجولان السوري المحتل. وتكررت الانسحابات في قرية عين قنية وصولاً إلى مجدل شمس التي شهدت انسحاب قائمة «شباب التغيير»، فالجولانيون يعلمون أن القبول بعملية الاقتراع وتشريع مهزلة الانتخابات، قد يكون مقدّمة وتمريناً للقبول باستفتاء على مصير الجولان فيما بعد، ولذلك هم سيقفون اليوم وقفة عزهم رفضاً للاحتلال وتأكيداً على هويتهم السورية.
سيقف الجولانيون اليوم، جدار صدّ أمام مخطّطات الاحتلال، الذي يُحاول استغلال كل الفرص المُتاحة لتحقيق مآربه، وهو ما تُريدُه «تل أبيب» الآن من فرض الانتخابات في الجولان، في القرى السورية الأربع مجدل شمس، مسعدة، بقعاثا وعين قنيا.
لا شك في أنه منذ احتلال الكيان الصهيوني للجولان عام 1967 تقدَّر مساحته الإجمالية بـ 1860 كم2 ويشغل 68.6 من مساحة محافظة القنيطرة ، وحتى العام 1981 عندما أقرّ «الكنيست» الصهيوني ما يُسمّى بـ «قانون الجولان» وهو قرار ضمّ الجولان.. منذ ذلك الوقت يبذل العدو جهوداً مكثفة لربط تاريخ الجولان بكيانه، مدعوماً بمراكز بحثية علمية في مناطق مختلفة من العالم، لنشر آلاف الدراسات التي تهدف إلى تشويه تاريخ هذه الهضبة السورية المحتلة الذي يعود إلى الحقبات الآرامية والآشورية والكنعانية.
إن محاولات الكيان الصهيوني تدعيم شرعية احتلاله للجولان، لن يصنع ماضياً أو تاريخاً شرعياً لهذا الكيان الذي جمع شتاته في غفلة من وطننا الذي كان ينفض عنه غبار الانتدابين البريطاني والفرنسي، وقبلهما الاحتلال العثماني، وليس للانتدابين ولا للاحتلال مصداقية بتغيير الحقائق التاريخية، وإن اختلف الواقع واختلت الموازين، فإن هوية هذه الأرض ستبقى جزءاً من الوطن السوري، مهد الحضارات القديمة، وقبلة الإنسان الأول، ولن تُنْتَزع بصمات الحضارة لتُسلب وتختصر وتُنسب لقوم يفتش عن خرافات وأكاذيب وادعاءات ليثبت شرعيته وتفوقه وعنصريته.
إن تأمل مسلك الكيان الصهيوني الذي راهن على تجاوز مفردات كالنكبة، النكسة، ومن بعد ذلك محاولة ردم مفردة المقاومة عبر استبدالها بالعمل السياسي.. إن هذا التأمل يشير إلى أن الحرب النفسية في هذا الصراع لا يمكن أن تكون أكثر أهمية من هذا الوقت، خصوصاً أن هذه الحرب هي فعل تطويع وإحباط للمجتمع، وهي فعل تأثير، ولكن في المقابل هنالك ذاكرة ستكون مسؤولة عن مواجهة هذه الحرب الصهيونية النفسية.
لعل الجولانيين سيؤكدون من جديد اليوم أهم بنود الوثيقة الوطنية الشهيرة التي صيغت مع بداية الإضراب الكبير عام 1982:
رفض الجنسية «الإسرائيلية».
رفض التجنيد بكافة أشكاله مدنية وعسكرية .
الحفاظ على الأرض وعدم بيعها أو التنازل عنها للمحتل.
لا للاعتراف بشرعية المجالس المحلية والمذهبية، لكونها عُيّنت من قبل الحكم العسكري «الإسرائيلي» وتتلقى تعليماتها منه، ورؤساء وأعضاء هذه المجالس لا يمثلوننا بأي حال من الأحوال.
في فيلمها الذي أخرجته «رسائل الكرز»، والذي تدور أحداثه حول الجولان السوري المحتل من خلال قصة حب شاب وفتاة لم يُكتب لها النجاح بسبب حواجز العدو بين المناطق المحررة والأراضي المحتلة، تقول الفنانة السورية سلاف فواخرجي:
«الحب ليس برجل وامرأة فقط بل جغرافيا وذكريات وتاريخ».
|