يحتفل الجيشان السوري واللبناني في الأول من آب في كل عام، بعيد تأسيسهما، فبعدما كانا يشكلان توأماً منبثقاً من «كتيبة الشرق»، إبان الانتداب الفرنسي المباشر في أواسط القرن الماضي. انفصلا تبعاً للتقسيم الذي جزأ بلاد الشام بكيانات عدة سُمّيت دولاً: سورية، لبنان، فلسطين والأردن. وبما أنه كان من نصيب الاستعمار البريطاني الحكم في معظم البلدان العربية ومن ضمنها فلسطين والأردن، فكان من نصيب الفرنسيين الحكم في سورية ولبنان.
وإذا كان الانتداب نجح في وضع إسفين منع الجيش اللبناني من امتلاك قراره وإرادته بسبب التركيبة الطائفية والسياسية التي تمنع تحرّكه إلا بناء على إجماع كل أعضاء التركيبة اللبنانية، التي لا تزال تسير وفق نظرية «قوة لبنان بضعفه»، والتي تقوم على اعتماد الحماية من خلال الصداقة مع الغرب وما يسمّيه المجتمع الدولي.. ولذلك فإن تحرير الجيش اللبناني من قيود الخضوع لأمزجة الطوائف هو الشرط الأساس ليمتلك عناصر قوته.. ولعلنا هنا نتذكّر كيف انتصر في المعركة على إرهاب تنظيم «فتح الإسلام» بزعامة شاكر العبسي في شمال لبنان في ايلول من العام 2007، كما دحر داعش وانتصر عليه في جرود راس بعلبك والقاع، في آب 2017 بالتعاون مع المقاومة التي طردت فلول الإرهاب من جرود عرسال، وكيف افتدى لبنان ومنع عنه سيناريو خطيراً كان يُراد له أن يمتد إلى المناطق اللبنانية كافة.. وها هو اليوم يعلن استعداده الدائم لمواجهة الارهاب ذاته، ولو كان تحت مسميات أخرى جديدة.. تتغيّر الأسماء وتتعدّد، ولكن يبقى الإرهاب واحداً، والجيش اللبناني يعلم ان الانتصار في معركة لا يعني انتهاء الحرب على الإرهاب.
هل نعيد التذكير بالشروط التي أملتها الولايات المتحدة للموافقة على تسليح الجيش اللبناني وهي بأن يقوم هذا الجيش بأدوار تنسجم مع متطلبات السياسة الأميركية والتي تجعل منه أداة تنفذ ما تمليها التركيبة السياسية الطائفية المرتبطة بمصالحها وسياساتها مع الغرب عموماً وأميركا خصوصاً؟
الجيش اللبناني الذي بدأ جولاته منذ معركة المالكية البطولية الشهيرة التي خاضها بقيادة الشهيد النقيب محمد زغيب.. هو الجيش ذاته، ولكنه يحتاج إلى قرار سياسي، ولا تنقصه البطولة المؤمنة بهذه الأرض وبهذا الوطن.. وعلى عكس توأمه الجيش السوري الذي بدأ أيضاً بوقفة عزه في معركة ميسلون الذي خاضها الشهيد يوسف العظمة، رغم علمه أنّه سيخسرها، فإنه ردّد أمام الملك عبد الله بيت شعر المتنبي من قصيدته الشهيرة «لهوى النفوس سريرة لا تُعلَم»، لا يَسلَمُ الشّرَفُ الرّفيعُ منَ الأذى/ حتى يُرَاقَ عَلى جَوَانِبِهِ الدّمُ.
إذاً، على عكس الجيش اللبناني الذي تمّ رهنه للقرار الطوائفي، فإن جملة من العوامل جعلت من الجيش السوري جيشاً عقائدياً، ولولا ذلك لما كانت هذه المواجهة القاسية التي يخوضها ضد الإرهاب الذي جاء جراده من أكثر من ثمانين دولة، وأكثر من 1200 فصيل مسلح.. ما يعني أكثر من 20 دولة في الميدان، إن بالرجال أو بالمال أو بالأعتدة أو بالخدمات اللوجيستية والإعلامية، أو بالإعداد الايديولوجي، أو حتى بالصراخ على الشاشات أو على المقابر.. وها هو الجيش السوري يحسم معركة الجنوب ويسيطر على حوض اليرموك كاملاً في ريف محافظة درعا لينجز بالتالي عملية تحرير جنوب غرب البلاد من الإرهابيين.
ويبقى السؤال هو أي من الميثولوجيات القديمة أو الحديثة شهدت مثل هذه الحرب على الهلال السوري الخصيب؟
منذ ما بعد الانتداب الفرنسي في أربعينيات القرن العشرين بدت «الواو الكافرة» التي تتخذ موقعاً لها بين اسمي «سورية» ـ «لبنان»، وكأنها مستقرة ولم تعُد في الطريق إلى نهايتها.. خصوصاً بعد ما تم استيلاد مصطلح «الجيش» السوري و«الجيش» اللبناني.
شاء الأديب القومي الكبير سعيد تقي الدين ابن بعقلين ـ الشوف، مقاربة الإشكالية القائمة في العلاقة السورية اللبنانية، فلم يجد تعبيراً أشدّ عمقاً واختزالاً من تسمية تلك «الواو» بـ «الواو الكافرة».
|