تسللاً وصل «حصان طروادة»، الى القامشلي من جديد.. حين يتواطأ «مجهول ما» من داخل المدينة ويسهّل له هذا الإجرام بحق الآمنين من أهلنا ومواطنينا..
هل هي الحساسية المذهبية أو الحساسية العرقية، تجعل من المدينة التي تقع على تخوم المثلث السوري العراقي التركي، ويُراد لها أن تكون نقطة الاستقطاب المركزية للإرهاب؟
وكيف يمكن لأي حصان من «أحصنة طروادة الدموية» أن يصل إلى حي شعبي آمن أو فندق وكنيسة لولا الانقسام العمودي والأفقي الذي تعيشه مدينة القامشلي منذ بداية العدوان على سورية في آذار من العام 2011؟
كان محمد الماغوط ينصح الله بأن يقفل أبواب جهنم، لأن أجهزة الاستخبارات العربية والإقليمية والدولية و»أحصنة طروادة» تفوّقت عليه بصناعة جهنم..
في مدننا، ولعل القامشلي ستتفوّق على العديد من هذه المدن السورية بعدد التفجيرات الإرهابية التي ضربتها والتي تصل إليها معلبة ومزخرفة، كأي هدية ثقيلة الظل، ودموية المدى وقاتلة الجراح؟
.. هذا غيض من فيض.
دموي جداً، خطير جداً، هو مشهد أطفالنا ونسائنا ورجالنا في مدينة القامشلي، حيث وقعت الانفجارات الثلاثة بانتظار المجهول الآخر.. لا فرق هنا بين أن يكون التفجير بصناعة محلية أو بصناعة خارجية! ولكن هل هو حقاً مجرد.. «حصان طروادة»؟
يقول بابلونيرودا «دعوا الدم ينَم»! كما لو أن توماس هوبز قال «الإنسان ذئب الإنسان» لوصف حال مكونات مدينتنا التي هي أقرب إلى قطع الفسيفساء منها إلى وحدة حياة.
نقول لنسيجنا الشعبي، آن الأوان للتراجيديا السورية أن تقفل.. ليس من حقنا أن نسمح لأولئك الإرهابيين أن يُمسكوا بشاربَي صلاح الدين ولا أن يلامسوا عباءة الأب الشهيد هوسيب بيدويان.
حيال هذا التقاطع الدراماتيكي بين التصدّع الأفقي والتصدّع العمودي في القامشلي، لا بدّ أن نستغرب حين يُحكى عن «مرجعية الدولة»، رغم أن المدينة تعيش فوضوية القرار، وعبثية القرار، وتبعية القرار بغياب الدولة بكل مسؤولياتها.
لا بدّ من سؤال صريح: ماذا تفعل «قسد» مع الاحتلال الأميركي الحلال، لولا أنها تخون روحها وتتآمر مع المحتل الأميركي لمنع وصول الدولة.. وهي ستصل عاجلاً جداً وأكثر مما تتوقع قيادات «قسد»؟
هذا السؤال يستدعي تحركاً سريعاً من «قسد» باتجاه دمشق لاستيعاب المجهول الإخواني التركي المجرم، الذي يلعب دموياً في القامشلي وفي عموم سورية بطريقة أو بأخرى. ولعل المستغرب أن ثمة مَن يقرأ ويشيح بنظره إما مذهبياً أو إثنياً أو بسبب مورد رزقه الخارجي، عن تلك السيناريوات التي توضع في المعاهد، وفيها الكلام الكثير عن تفكيك نسيج سورية، وإسقاط الدولة، كما لو أن موت سورية لا يعني موت الشعب، بقضهم وقضيضهم، وإن وجد مَن سيقول إنهم موتى سريرياً منذ أكثر من ألف وخمسمئة عام.
عند التفجيرات الثلاثة صرخ «المؤمن الإرهابي» «الله أكبر».. ولكن هل كان الله حقاً هناك؟
بفظاظة أم بواقعية قال المؤرخ والكاتب الأميركي، روبرت كاغان «هذه هي معتقداتهم، وهذه هي طقوسهم. إنهم يفهمون الله هكذا، ولولانا لتحوّلوا إلى حطام».. إذاً، الأميركيون يغسلون أيديهم. لم يخترعوا أسامة بن لادن، ولا الملّا عمر، ولا البغدادي. ولم يوقظوا الفتنة في العراق، عود ثقاب بعود ثقاب. لكن بعضنا يكاد يصدقهم.. هل كان الأميركيون بيننا في تلك القرون الغابرة عندما ازدهر الفقه التكفيري عند عموم المسلمين المحمديين، وكانوا يطاردون بعضهم بالسيوف وبالخناجر، وأحياناً بالحجارة، ودائماً تحت عباءة الله؟
المشكلة، إذاً، في الذئب الذي فينا، في القبيلة التي فينا، في القبور التي فينا والتي تنام ساعة تشاء وتستيقظ ساعة تشاء!
أنظروا إلى أسماء الشهداء، تدركون أن صورة النسيج «القامشلاوي» واحدة حتى في الشهادة، مع اغتيال راعي كنيسة الأرمن الكاثوليك بالقامشلي، الأب هوسيب بيدويان ووالده خلال زيارة رعوية إلى دير الزور.
لا تحتمل القامشلي أحادية عرقية أو مذهبية، لأن في ذلك موت صورتها المتنوعة أمام المدن السورية الأخرى؟
ما حصل في القامشلي، يبعث على الحزن والألم مرتين: مرة لما صار إليه هذا المواطن في هذه المدينة من حال صحية على مشارف الموت وحيداً في غربته عن نفسه وأخيه وهويته. ومرة ثانية لحال المبدع ونزوعه نحو العنصرية عموماً في غربته الخارجية أو في داخل وطنه، من دون اهتمام ورعاية مستحقة له ومحاورته.
المعقول هو الذي يقبله العقل وينسجم مع المنطق، واللامعقول هو الذي قد يهضمه العقل مع أنه لا ينسجم مع المنطق، أما ما بعد اللامعقول فهو الذي لا يقبله العقل ولا المنطق..
وما حدث ويحدث في المشهد «القامشلاوي».. هو لامعقول اللامعقول نفسه! كفى.
قلبي معكم يا أهلنا في القامشلي.
|