ما أجمل هذا اليوم يا دمشق وأنت تعودين ببهائك وعنفوانك وجبين أهلك الناصع!.. وما أكرم هذا اليوم وقد رفرف العلم السوري في كل أريافكِ عزيزاً بعدما حاول الرعاع استبداله بعلم زمن الانتداب وبالعلم الأسود وإرهابه الوهابي.
العلم السوري الذي طالما رفرف في سماء الانتصارات، وزيّن ساحات المقاومة في كل أرضنا الممانعة.
وما أكثر شعورنا بالفخر اليوم بعدما وضع الجيش السوري وحلفائه حداً لسنين من العدوان على أهلنا في دمشق ومحيطها الريفي.
وما أنبلَ أهلكِ يا أرياف دمشق، هؤلاء الذين رفعوا العلم بنجمتيه الخضراوين كعيون سكانكِ فوق المباني وفي الطرقات والساحات العامة، في الأحياء المتنوّعة التي كانت مستباحة من العصابات الإرهابية.
سورية، الأرض الضاربة في الحضارة أكثر من عشرة آلاف عام، والتي علمت الدنيا كيف تُبنى الحضارة وأهدت العالم أبجديتها الأولى، حاولت عصابات الإرهاب استبدال علمها برايات الإجرام والقتل والعمالة والخيانة. وها هي عاصمتها الآرامية تعود إليها، كأقدم عاصمة في التاريخ ما زالت مأهولة حتى الآن. وذلك منذ نهاية الألف الثاني قبل الميلاد، حيث أسس الزعيم الآرامي ريزون مملكته في دمشق وكانت عاصمة له، ومركزاً للمنطقة في ذلك الوقت. وزاد من أهمية المدينة في عهد هذه المملكة من الناحية الدينية تشييد معبد الإله السوري القديم حدد رب الأمطار والصواعق والجبال العالية . وفي الألف الأولى قبل الميلاد ذاعت شهرة هذا المعبد وأصبح يُعدّ من أعظم المعابد السورية آنذاك. ويعتقد المؤرخون أن تاريخ هذه المدينة يرجع إلى الألف السادس قبل الميلاد وربما أقدم من ذلك.
اليوم نشمُّ رائحة العلم السوري من بيروت المقاومة، برمزيته إلى دماء آلاف الشهداء الزكية الذين ضحوا بأنفسهم وأرواحهم من أجل حماية وحدة دمشق..
الجندي الذي رفع اسم سورية وعلمها عالياً في ساحات الميدان، سيُجبر العالم كله، الأعداء قبل الأصدقاء، على الانحناء لهذا العلم احتراماً.
السوريون، وأهلنا في دمشق يدركون بأن رفع العلم السوري، ما هو إلا انتصار وطني، واعتراف ضمني بأننا نحن السوريين شعب واحد. وهذا مألوف منذ القدم عند الأمم والشعوب التي اتخذت وعبر التاريخ لنفسها رايات وأعلاماً ترمز لعزّتها وكرامة أمتها ووطنها، لذلك كان هذا الاهتمام برفع الرايات والأعلام السورية فوق المباني التي اندحر منها الإرهابيون، وتكريمها بالكثير من الاحترام.
ماذا بعد؟
في لحظة المخاض التي تمرّ بها الأحداث المتعلقة بالأزمة السورية، نجد القوى الغربية تفكر بطريقة مختلفة تماماً لا مجال فيها لمشاعر الإنسانية والأخلاق. ولذلك تجب قراءة ظاهرة العدوان الحالي على سورية من أجل مدّ النفود الجيوسياسي من وجهة نظر الحرب التقليدية بين القوى البحرية، المتمثلة في أميركا والناتو من جهة، وكيفية مواجهة هذا العدوان من القوى القارية الصاعدة، المتمثلة في روسيا الاتحادية والصين، وإيران من جهة ثانية.. وهذه ليست ظاهرة جديدة، إنها استمرار للصراع القديم الجيوسياسي والجيوستراتجي.. حيث مثلت التسعينيات فترة الهزيمة الكبرى للقوى القارية المتمثلة حينذاك بالاتحاد السوفياتي.. ميخائيل غورباتشوف رفض الاستمرار في الصراع.. كان ذلك بمثابة خيانة وهزيمة أمام العالم الأحادي القطب. ولكن مع فلاديمير بوتين، ثمة إعادة تفعيل الهوية الجيوسياسية لروسيا.. وها هو مشى على خطى كاترين الثانية التي كانت تقول بأن «دمشق تمسك مفتاح البيت الروسي»، وهي مفتاح العصر الجديد..
ولشاعر دمشق الكبير نزار قباني:
«فرشتُ فوقَ ثراكِ الطاهـرِ الهدبـا فيا دمشـق لماذا نبـدأ العتبـا؟
حبيبتي أنـتِ فاستلقي كأغنيـةٍ على ذراعي، ولا تستوضحي السببا
أنتِ النساء جميعاً.. ما من امـرأةٍ أحببتُ بعدك.. إلا خلتها كـذبا
يا شام، إن جراحي لا ضفاف لها فامسحي عن جبيني الحزن والتعبا»
|