دخلت ظاهرة الاستشهاد في الحزب السوري القومي الاجتماعي، مساراً استثنائياً عابراً للجدل منذ استشهاد الزعيم أنطون سعاده، وكان لافتاً وقتها السباق الذي أظهره الرّفقاء الذين استشهدوا معه باتجاه من سيكون الشهيد الأول، ومن سيتلقّى رصاصات الغدر الأولى.
ليس ثمّة أصدق من الدم إذا تحدّث، ففوق ثرى سوريانا الطاهر، من جبال كردستان الأبية وحتى شواطئ فلسطين الحبيبة، حيث تمتزج أرواح الشهداء، وهي إذ تختصر البطولة معلنة النفير وهي تعانق الأرض.
كان شهداؤنا يتسابقون نحو الشهادة وصدى صرخاتهم يعطّر المكان والزمان وهم يذودون عن الأرض، وينتشون بدعاء الآلهة السوريّة لهم، وهو يقطع المسافات بين الأرض الواحدة التي فتّتها «سايكس بيكو» بهدف تقطيع أواصر التواصل بين أبناء شعبنا.
اليوم نفتح دفتر الشهيد محمد عواد في ذكراه الرابعة، الخالد عند شعبه، ونتمعّن في تفاصيل بطولته المؤيّدة بصحة الإيمان بهذه الأرض وصدى صوته يملأ الوديان: العدو أمامنا وثأرنا مخبوء منذ احتلال فلسطين العام 1948 ودم شهدائنا أمانة في أعناقنا.
لقد جاءت افتتاحية حضرة عميد الإعلام الأمين معن حميّة أمس، عن الشهيد عواد، لتعيدني إلى سنوات معرفتي به، وكان لافتاً وقتها أنّني لم أستطع الكتابة عنه بعدما أخبرني الرفيق حسن خنسة عن استشهاده، ولكنّ التصميم على أن أكتب عنه بقيَ صاحياً في وجداني رغم مرور هذه السنوات الأربع على استشهاده.
ليس من الخطأ أن نعرف أنّ بعض الشعوب تبحث في سجلّاتها عن شهيد كي تجعل منه أسطورة تحتفي بذكراه كلّ عام، ونحن في كلّ يوم عندنا أعراس بطولة وشهداء أساطير.
الشهادة هي جمال التضحية وإنكار الذات إكراماً لقِيَم الحياة وفلسفتها متى كانت الحياة طريقاً إلى عزّ المجتمع وشرف الأمّة ومجد راياتها، ولذلك فالشهيد يختصر كلّ معاناة شعبه في وقفة عزّ قومي جليلة. كثيرون هم الذين يموتون، لكنّ القليلين منهم يظفرون بشرف الموت من أجل قِيم الحياة.
شهداؤنا هم براهين نيّرة على عقيدة عشق الموت متى كان الموت طريقاً إلى الحياة. فنداء الأرض هتاف مقدّس لا يتلقّاه إلّا أولئك الذين تخفق في صدورهم قِيم الحق والخير والجمال… حقّ الأمّة في عزّة أبنائها وخير مجتمعها، وجمال وجودها… تصنع التاريخ والحضارة، وتعطي للإنسانية فضاءها الجديد.
شهداؤنا.. نبتوا كالرياحين في أرض الوطن، أزاهير طاهرة في سهوله وجباله، وعندما ناداهم الواجب طاروا إلى الجهاد بأجنحة الوعي والعقيدة… أمطروا تراب الوطن بزكيّ دمائهم، وحلّقوا بعيداً.. هناك في السماء… نجوماً وأقماراً تنير للأجيال القادمة الطريق إلى الحرية.
شهداؤنا هم رموز قيمنا. شرف دمائهم يعلّمنا في كلّ لحظة أنّ الحياة وقفة عزّ لا يعرفها الأذلّاء والضعفاء، وأنّ الاستشهاد ثقافة مجيدة، وقيمة راقية من قِيم الشعوب الناهضة إلى قمم المجد والخلود.
تحدّثنا شهادتك يا عواد أنّه لا يزال ثمّة زمن جميل للقضايا الكبرى التي دونها الدماء الزكية، حكايات لا بدّ أن يكون لأسر الشهداء دور فيها ونصيب كبير، لتكتمل الصورة ببُعدها الاجتماعي بعد أن قدّمت «نسور الزوبعة» بُعدها العسكري. معنى هذا أنّنا سنستمر بتربية أجيالنا الجديدة على حب الوطن وتعظيم الانتماء إليه والدفاع عنه، وأمامهم قصص بطولات أجيال سبقتهم دافعت عنهم، وعن شرف بلادهم بالترفّع عن انتماءاتهم الدينيّة والعرقيّة، وليس غريباً هنا عندما يُصلّي على الشهيد «شيخ درزي وشيخ سنّي وكاهن»، وعندما يكون ذلك، فاعلم أنّ هذا الشهيد هو سوري قومي اجتماعي، كما حدث في جرمانا بريف دمشق في شباط 2016.
باستشهادك يا عواد، ها هي بقعة الضوء تتوسّع في بلادنا، لتحيا سورية كلّها حياة سعاده.
|