برغم ما تمر به بلادنا من محنٍ وتحديات، تتعرّض المقاومة الفلسطينية كما اللبنانية، لأعنف هجوم إعلامي مُغرض وخبيث كلّ يوم من آلة إعلامية كبيرة تتمثل بالغرب والخليج وتركيا، وغلمانهم من الإرهابيين، في وقت تقدِّم فيه هذه المقاومة، قوافل الشهداء من خيرة ضباطها وعناصرها فداءً للوطن، ولعل ارتقاء الشهيدان، بهاء أبو العطا في غزة ومعاذ العجوري في دمشق، وكان المستهدف والده القيادي أكرم العجوري ، كان كافيا لكي تجدد ألوان بوصلتنا الفلسطينية نفسها، كما يكشف العدوان الإجرامي على غزة هذا الكم من ألوان الشهادة والاصابات خلال اليومين الماضيين، وتلك المقاومة الأسطورية فب مواجهة العدوان.
إذا كانت «القوة هي القول الفصل في إثبات الحق » كما يقول النهضوي أنطون سعاده، فمن الطبيعي أن تكون المقاومة هي المعبّر الأول عن هذا الحقّ وهذه القوة، وهي الدرع الحامية في مواجهة كلّ الأخطار التي تواجه شعبنا ويسوقها علينا عدونا التاريخي اليهود مباشرةً أو بواسطة من ينفّذون خططه بعمالتهم أو خيانتهم أو غبائهم، فإن لا مناص أمامنا من استخدام هذه القوة في الدفاع عن وجودنا القومي.
نعرف أنّ الكثير من الوجوه قد تكون اندثرت وحلّ محلّها جيل جديد يحمل حجراً أو سكيناً أو قبضةً ويترقّب، وأشياء أخرى تشبه طفولته وأولّ حب وآخره.. ووجوه أخرى لم تعُد تشبه نفسها إلا بالاسم، وقد اضمحلّ فيها الفعل المضارع وبقي الماضي على حاله برغم شوائب الذكرى.
لن نحتاج إلى تصفّح مجلداتنا الحافلة بالنكبات والنكسات.. ولا إلى تحليل تقلبات دواليب التاريخ، وأعاصيرها التي تعصف بنا منذ بدء الحرب الكونية على الهلال السوري الخصيب، تلك التي بدأت مع احتلال فلسطين منذ أربعينيات القرن الماضي، ولا تزال تردُّداتها مستمرة حتى الآن؟
لطالما كانت للأرض الفلسطينية تركيبة غريبة، وهي ليست كباقي أصقاع العالم.. ولأنها كذلك تكالبت كل حثالات الكون عليها ودفعوا كل روائح الكراهية والقذارة إليها فجاءها اليهود يحملون العنصريات كلها في جيوب قلوبهم يوزّعونها «دويلات» و«فيدراليات» هنا وهناك وهنالك.. سريانية ـ آرامية وكردية ودرزية وآشورية ومارونية وسنية وشيعية وعلوية.
وحكاية فلسطين هي حكاية عشق أبدية، ولعل فلسفة وجودنا ترتبط بفلسطين الأسطورة الخالدة لذلك الصراع القائم بيننا وبين الصهاينة الذي هو صراع وجود.
أقول لك يا فلسطين، منذ انهمار الضوء على الكون كنتِ تتجوّلين في مقدمة الهواء عندما كنتِ تلوّحين يوماً بأكمام السماء كي تتلمّسي الظهيرة المشبعة بالأنفاس وهي تتمايلُ كلّ لحظة بظلال من الحب.
لا تزالين يا فلسطيننا قوساً روحياً أخضر يتعثر بلحية نبوخذ نصر وهو ينقشُ شعارات نصره على الشاطئ السوري، ويسبي اليهود وخرافاتهم ليعلّمهم الزراعة والكتابة في بابل، ومن هناك سطّروا كتابهم «التوراة» بالمزامير والأساطير السورية.
تمرّ صور شهدائك أمامنا الآن كشقائق النعمان تتدلّى حلماتها في فم النحل حين يسري الشهد بروح منحوتات تدمر ونمرود وفينيقيا وهي تخرجُ من خزانتها رسائل حياة وحضارة.
لا تزالين يا فلسطين تشاكسين تاريخك المألوف في سوق عكاظ كأنّ سرّتك قيثارة بابل تعزفُ سيمفونية للإله مردوخ بعدما مرّت سنون وقرابين المعبد ولا تزالين تنسجين خيوط حريرك بنوافذ أحلامنا.
* ضوء
قال محمود درويش «أن تكون فلسطينيًا يعني أن تُصاب بأمل لا شفاء منه».
|