يغلق العام 2018 أبوابه على حدث انسحاب القوات الأميركية كما أعلنه الرئيس دونالد ترامب، وقد أثار هذا الحدث ردود فعل متباينة، سورياً، وإقليمياً، دولياً.
ولكن لماذا نشطت الاتصالات الأميركية، قبل قرار الانسحاب، مع دمشق من خلال وساطة الروس وبمشاركة من الأكراد؟ وهل عرضت الولايات المتحدة خيارات عدة يمكن من خلالها الانسحاب وحتى حل الهياكل السياسية في الشمال الشرقي من سورية، لكن الشروط التي طرحت لم تكن مقبولة من العاصمة السورية وحليفتيها، موسكو وطهران؟
في البداية من الضروري القول إن الانسحاب الأميركي لم يأت بشكل ذاتي، لذلك ما يقوله ترامب شيء، وما هو على استعداد لاتخاذ خطوات حقيقية في هذا الاتجاه شيء آخر. ولذلك لم يكن غريباً تصريح ترامب الاستعراضي بأن القوات الأميركية دحرت داعش، فهو غالباً ما يكثر من تصريحات كهذه، في محاولة لتحسين صورة إدارته، في حين أن الواقع يشير إلى أن الحرب على التنظيمات الارهابية في سورية، لم ينتصر فيها إلا محور المقاومة وبمساعدة القوات الجوية الروسية. وقد نجحوا جميعاً في إفشال المشروع الأميركي ـ الصهيوني ـ السعودي الرامي لتقسيم سورية، فهل اعترفت واشنطن بانتصار المشروع الروسي في سورية؟ وقد جاءت المكالمة بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب، ونظيره التركي رجب طيب أردوغان التي بحثا فيها انسحاب القوات الأميركية من سورية تعزيزاً لهذا الانتصار الروسي في دعم الدولة السورية ووحدتها.
لا شك في أن دمشق تعيش حالة من الغبطة لا تحدّها حدود، فقد أنتهى العام على انتصارات للجيش، في كل من غوطة دمشق، إلى تحرير القنيطرة ودرعا وريف السويداء، وتحرير دير الزور، وصولاً الى الاستعداد لاسترجاع إدلب من براثن الاحتلال التركي والإرهاب التكفيري.
ولكن الانتصار السوري لم يكن ليكون بهذه القوة لولا حلفاء دمشق في محاربة الإرهاب، روسيا وإيران والمقاومة.. ولعل الدبلوماسية التي اتبعتها موسكو للوصول إلى هذه اللحظة التي دفعت ترامب لإعلان انسحاب قواته.. هذه الدبلوماسية يمكن تشبيهها بدبلوماسية «القفازات الحمر»، فهي من جهة تفاوض الأطراف المؤثرة في الأزمة السورية، كتركيا والسعودية وقطر، والولايات المتحدة وأوروبا، وفي الوقت ذاته فقد أكملت هذه الدبلوماسية في دفع قاذفاتها بملاحقة الجماعات الإرهابية وتدمير مراكزها.
ولذلك، قد تكون بداية العام المقبل وعلى أبعد تقدير في آذار المقبل، لحظة إعلان الرئيس السوري، بشار الأسد، النصر في سورية، وفي وقت تبدو فيه خيارات الميليشيات الكردية السيئة كثيرة، كما هي الخيارات القاتلة لداعش التي يضيق عليها الخناق من قبل الجيش السوري الذي أعلن أمس توجهه نحو الحدود العراقية لتنظيفها للقضاء على التنظيم الإرهابي ومحاصرة فلوله، ومن جهة أخرى فإن قوات «قسد» لا تزال تخوض معارك شرسة مع هذا التنظيم.
ولكن كيف تنظر كل من إيران وتركيا للحدث الترامبي؟
فمن وجهة نظر الرئيس حسن روحاني، فالنصر تحقق مع قرار الانسحاب الكامل للقوات الأميركية من سورية. أما الرئيس رجب طيب أردوغان، فإن تحقيق النصر يعني هزيمة «وحدات حماية الشعب» الكردية. ولكن كيف؟
ففي حين تحقّق الهدف الأول من قرار الانسحاب الأميركي، إلا أنّ الهدف الثاني بالنسبة لوضع الميليشيات الكردية، فدونه عقبات وهو بعيد المنال، وذلك لأن أجزاء كبيرة من الأرض السورية تخضع لسيطرة هذه الميليشيات وهناك وجود للدولة بمؤسساتها في محافظة الحسكة وقوات من الجيش، علاوةً على ذلك، فإن التصوّر من التدخل التركي للاعتداء على الأرض السورية بحجة وجود المسلحين الاكراد سينسحب فوراً إلى حالة من الصدام بين الجيشين السوري والتركي، ولذلك محاذير روسية وإيرانية وإقليمية كما دولية، وهو غير مسموح به.
وقد شكّلت قدرة بوتين واستعداده على التفاوض ميزةً مهمةً لسياسته الشخصية في المنطقة. وكان من الطبيعي أن تقوّي هذه القدرة في سورية تلك العلاقات، وأن يمنح موسكو مكانة إقليمية بارزة لتقديم مصالحها.. ولذلك سارعت أوساط سياسية كردية إلى دعوة موسكو إلى لعب دور الضامن في منطقة شرق الفرات، خوفاً من تنفيذ أردوغان لعدوان تركي ضد وحدات الحماية و«قسد».
كان يمكن، هنا، لحزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات الحماية الشعبية أن تشكلا داعماً للجيش السوري عدوّهما واحد ، إلا ان ما قامت به «قسد» شرق الفرات.. وما قام به «مجلس سورية الديمقراطية» في مدينة القامشلي .. والوهم الذي تلاعب بعقول وحدات الحماية..، بوهم إقامة فيدرالية أو حكم ذاتي، أفقدهما مبرراتهم الوطنية بالحوار مع دمشق.
الخوف أن يبقى بعض الكرد ضحايا السراب.. «أشقاؤكم» الأميركيون يقتلونكم جميعاً.. مفتونون أنتم بخدمتهم و.. يقتلونكم برصاص الاحتلال التركي!
|