سورية لك السلام:
سيتفاعل النقاش حول العدوان الثلاثي، الأميركي البريطاني الفرنسي بتمويل سعودي، على سورية لفترة طويلة حول دور الإرهاب المعولم، قبل أن تتعالى الأصوات الداخلية لثلاثي العدوان وتكشف أن حسابات الحقل العدواني لم تأت متطابقة مع حسابات البيدر، وأن هذه الضربة قد أكسبت الرئيس السوري بشار الأسد ومحور المقاومة مزيداً من الشعبية، في العالمين العربي والدولي.
ورغم هذا الحشد الثلاثي للإرهاب المعولم ووعظهم عن الإنسانية والضمير الإنساني، إلا أنه كان لافتاً أن موسكو أكدت عدم مشاركة الطيران الفرنسي في العدوان على سورية رغم الادعاءات الفرنسية. وأن هذا الاستعراض للثلاثي الاستعماري ما هو سوى نوع من الحنين للغطرسة البريطانية الفرنسية، التي انتهت تابعة وذليلة لواشنطن، ليس إلا.
الإرهابيون لم يخرجوا من كهوف العصور الغابرة، بل جاؤونا من الأمكنة المفتوحة المضاءة للعولمة، الأمكنة التي على الرغم من سعتها لا تحتضنهم، أو لا يستطيعون امتلاكها.. ولكن هنا في سورية تستحوذ عليهم نزعة أن ينالوا كل شيء لأجل قتله وتدميره.. إنها شيزوفرينيا الإرهاب، وشيزوفرينيا العولمة. وبذا فإن هوية الإرهابي هي في وجه منها ضيّقة مغلقة، وفي الوجه الآخر سائبة، مفتوحة، هلامية.
وبهذا المعنى فإن الإرهاب التكفيري بقدر ما هو نتاج عَرَضي لعصر العولمة هو صورته الشوهاء.. الإيديولوجيا الجهادية السلفية ليست سلفية بالكامل، إنها نتاج تكييف مع عناصر في عالمنا المعولم.. نزعة التدمير تنشأ من هنا.. يظن الإرهابي أنه يستعير كثيراً من أصل المعتقد القديم، لكنه في الحقيقة يصوغ معتقداً مغايراً متساوقاً مع مكانه المتخيل.. هذا الإرهاب هو نوع من العودة إلى مشاعية مبتذلة، خطرة، مشاعية فقدان المعنى والحدود والقيم، مشاعية الكراهية والانتقام.. ليس الانتقام من الآخر المختلف فقط وإنما الانتقام من العالم قبل ذلك، وهو ما حصل في العدوان على سورية.
ولكن الإرهاب التكفيري تحوّل إرهاب دول وجماعات، وباتت منهجية هذا الإرهاب منطلقاً للحديث عن فكرة الدولة الغائبة، وعن ظاهرية النص، وهو ما يستدعي شرعنة لتبرير «الإرهاب المقدس» أي إرهاب العدو والمختلِف، وإخضاعه، والتعاطي معه وفق أصول الفتاوى في ذهنية التحريم، والقائمة على المنع والقطع، وعلى الإقرار بفكرة البيعة والطاعة.
لكن أخطر ما يمكن أنْ يتمثّله هذا الإرهاب يكمن في ذاكرته الدامية، وفي تحوّله قوة راسخة مهللة للموت الجهادي، وللطقوس العبادية والميثولوجية التي ترافقه، والتي تتبدّى عبر علامات التعالي، والسيطرة والإخضاع، ولتوكيد علامات المكوث والنفير والشهادة.
إن أي قراءة سوسيوثقافية للإرهاب ستكشف عن تداعيات خطيرة على مستوى الفكر والدول الداعمة، كما على مستوى الدولة والمجتمع، وهو ما يمكن رؤيته في فيلم برتقالة آلية ـ 1971 .. لستانلي كوبريك – يعمل أليكس مالكولم ماكدويل – بعد أن حُكم عليه بالسجن 14 عاماً إثر تسببه بمقتل امرأة – مساعداً لقسيس السجن، وتُتاح له فرصة قراءة الكتاب المقدَّس ، الذي يتأثر به! لكن حين نعرف بماذا تأثَّر تحديداً، وما الذي أحبَّه هذا الشاب – التوَّاقُ إلى العنف والدم – في الكتاب المقدَّس، يُعرَفُ السبب ويَذهبُ العجب.
أثناء قراءته لـ الكتاب المقدَّس تجتاح أليكس موجة من الخيالات، يستلهمُهَا مما يقرأه من قصصه، لكن بدلاً من التأثر بـ «إنسانية» المسيح، ودعوته للخير والمحبة والتسامح، يتصوَّر نفسه جندياً في إحدى معارك «العهد القديم»، وبقصص اليهود وهم يجزّون الأعناق، ويشقون البطون، ويتلذذون بـ «جمالية» الدم، ومعاشرة وصيفات زوجاتهم.. فكم يتماهى هذا العدوان مع ما اجتاحت أليكس من خيالات وأوهام.
إن الإرهاب المعولم العدواني الأخير، الأميركي البريطاني الفرنسي، بدعم وتمويل من حلفائهم، الكيان الصهيوني وتركيا والسعودية، جاء عشية وصول خبراء المنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيماوية لبدء التحقيق بمزاعم استخدام هذا السلاح في مدينة دوما. فهل سيكشف الخبراء كذب التمثيلية السوريالية؟ ومَن سيحاسب رواد الإرهاب المعولم لثلاثي العدوان على سورية؟
لترامب وإرهابه المعولم، نقول ما قاله أبو تمام:
«إذا لم تخشَ عاقبةَ الليالي … ولم تستحِ فافعلْ ما تشاءُ».
|