ليس سهلاً أن نصف المشهد الإرهابي الدموي الذي ضرب الآمنين في السويداء وريفها وخلّف عشرات الشهداء والمصابين، بل كيف بإمكاننا أن نختزل هذه الدماء الزكيّة بالفعل وليس بالصوت.. بل إلى متى نبقى أمة الصوت لا أمّة الفعل، كأن تدفعنا هذه التفجيرات إلى احتضان الجيش السوري أكثر فأكثر؟
إذاً، إننا أمام معاقبة للمدنيين من أهالي السويداء في بيئة لطالما شكلت مركز احتضان للجيش، خصوصاً أن فعل الجبناء يقوم به المأزومون، بهدف الترويع، وبعد تلك الأعمال يفرّون كالفئران.
فقد اصطبغت السويداء وريفها بدماء الأبرياء فجر أمس، ففي لحظات قليلة انمحت ملامح الحياة والعافية والفرح في لعبة شطرنج الأميركية ـ الصهيونية وبيادقهما الوهابية في الداخل السوري، حيث جاءت هذه الدماء الزكية وكأنها الرد الطبيعي على الانتصارات التي يحققها الجيش السوري في درعا والقنيطرة. وليس غريباً هنا هذا التزامن بين إسقاط طائرة سوخوي السورية من قبل العدو الصهيوني، مع هجوم داعش انطلاقاً من قطاع قاعدة التنف، التي تسيطر عليها قوات الاحتلال الأميركية.
بعض الذين تابعوا التفجيرات الإرهابية أبدوا تساؤلات عن الهدف منها أو أن الإرهاب يلفظ أنفاسه الأخيرة على حدود الأردن والجولان المحتل، وهو يزحف إلى مناطق أخرى، تحت غطاء ما يُسمّى بـ «الخوذ البيضاء» وبحماية العدو الصهيوني ودعم من الأردن والسعودية والولايات المتحدة.
بالطبع مَن يسألون هذا التساؤلات لا ينظرون إلى الإرهاب كوحدة كاملة أو جزء من منظومة تهديد تبدو غير منتظمة، وهذا جزء من خطرها، لكنها تدخل في سياقات أخرى ترتبط بمصالح مموّلي ومحرّكي «داعش» الإرهابي، من السعودية والإمارات وبرعاية أميركية، ولهذا من المتوقع دائماً أن ينفّذ «داعش» عمليات وهجمات، وأن يرصد المناطق التي تعيش حالة سلام، ليعطوا تعليمات إلى من يسمّونهم «الذئاب المنفردة» أو «الخلايا النائمة» للتحرك وتنفيذ عمليات مخططة سابقاً، ويحرص التنظيم الإرهابي على أن تكون عملياته في مناطق يمكن أن تصنع فرقعة إعلامية تعيد له بعض هيبته التي خسرها ويخسرها في الاراضي السورية كافة، ويبرر استمرار تدفقات دعمه وتمويل تشغيله من الجهات والدول التي تتولى هذه المهمة.
ويمكن قراءة أهداف هذه التفجيرات بالتالي:
تأتي ضمن محاولة التكامل بين الإرهابيين، التكفيريين والصهاينة على حدٍ سواء، في العدوان على سورية، وهي لذلك تدخل ضمن النهج الذي تخطط له الولايات المتحدة.
تستهدفُ هذه التفجيرات بشكلٍ واضح إعادةَ التوتّرات المذهبية والطائفية بهدف واضح.
يحاول «داعش» إعادة بسط إرهابه في مناطق خسرها، في درعا وريفها كما في ريف السويداء، بالإضافة إلى مسعاه لاستعادة تأييد العشائر في تلك المناطق، بعدما دعمت وأيّدت عمليات الجيش السوري ضد الجماعات المسلّحة الإرهابية بكافة تصنيفاتها.
أخيراً، هي رسالة بأن الإرهاب يعيش مأزقه، بعد خسارته مناطقه كافة التي كان يسيطر عليها في سورية. لذلك تأتي هذه التفجيرات الدموية للتعويض عن خسارة جبهات أخرى. وهذا يتم عبر التنسيق الكبير مع القاعدة الأميركية في التنف في المثلث السوري العراقي الأردني ، متوهمة أن بعض سورية الشرقية هي جائزتها في المنطقة بعدما سلّمت بخسارتها في باقي المناطق السورية.
وراء الأضواء يُقال إن «الحرب المفتوحة» لها شروطها، وظروفها، وندرك أن سبيل تحرر الأمم وانتصارها على الارهاب وسحق الباطل ووضع حد للجرائم والمجازر، والقطع مع العمالة والعملاء من أصحاب اللحى التكفيريين، هو بالبطولة المؤمنة المؤيّدة بقوة الارتباط بالأرض.
لعل وصية الشهيدة، ابنة السويداء، «ماريانا السمان» إبنة الثمانية عشر ربيعاً، وهي تشارك في التصدي لهجوم إرهابي ذات يوم على قريتها الحقف في سويداء القلب.. هذه الوصية تعطينا درساً في معنى الوفاء للأرض، وهي إذ تكتب وصيتها قبل أن تطلق الرصاصة الأخيرة على نفسها كي لا تقع أسيرة في يد الإرهابيين: قائلة : «لا تسلّموهم البلد».. هذه الجملة تختصر معنى بطولة أهلنا في سويداء القلب.
|