ليس سهلاً أن يكتب المرء عنك، أيها الباقي – الراحل الكبير، يا مطران «سورية وسائر المشرق»، هيلاريون كبوجي.. بل ويحتار من أين يبدأ بالكتابة عنك، وهو يستعيد صور مواقفك وأقوالك، ثوابت نضالك وسجنك وغربتك، وجميعها تثبت نبل عقيدتك وانتماءك السوري الذي حمل شهادة حياة السوريين المؤمنين برسالتك الكهنوتية والقومية.
المقاوم كبوجي، في مثل هذا اليوم، قبل عامين، أغمضت عينيك مطمئناً بعدما عادت مدينتك حلب من رحلة اختطافها القسري من دروب الجاهلية التي أرادها لها أحفاد الوهابية التكفيرية.. هم هم أنفسهم الذين اعترضوا على خطابك الوطني يوماً، من أدعى أنه مقاوم، في مؤتمر عن القدس وفلسطين، من دمشق.
لا لا لا.. لنكن صادقين مرة واحدة ولنعترف أمامك أن الكثيرين من شعبنا لم يكونوا في مستوى نضالك.. لم يكن معظمنا في مستوى إيمانك ووطنيتك وسجنك ورحلتك القسرية إلى بلاد الغربة. إننا لم نحمِكَ من سنوات غربتك وندخل الدفء إلى قلبك وعقلك، يا مَن جعلتنا نحن المؤمنين برسالتك، أن نخجل حتى من حزنك، ولكن ها هو صليبك يأبى إلا أن نستنشق الإيمان من روحَك ونردّد على مسمع العالم هللويا لهذا الذي لم يكن إلا جديراً بأن يكون حفيداً ليسوع الإنسان.
لطالما امتزجت فلسطين بشخصيتك، حتى أصبحنا لا نفرق بينهما.. وقد كنت كغيرك من القادة السوريين الذي حملوا الفكر والسلاح والأرواح الى فلسطين، كالزعيم أنطون سعاده والقادة عزالدين القسام وسعيد العاص وفوزي القاوقجي وغسان جديد… وقوافل من القادة الشهداء، فهل نتذكّر صرختك المدوّية أثناء محاكمة العدو لك «إنّ الأرض لنا.. فلسطين هي أرضنا وأُمّنا»، وكانت ضريبة ذلك الصوت المدوي أربع سنوات في سجون الاحتلال «لصوص الأوطان»، واستبعادك بعد ذلك من فلسطين المحتلة إلى روما في العام 1978.
فاجعتنا برحيلك أيها المؤمن، أننا ولولا بقية أمل لوجود المطران عطالله حنا، رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس في القدس الوحيد الذي يقف في وجه البطريرك ثيوفيلوس اليوناني الأصل الذي يبيع أراضي فلسطين للمستوطنين اليهود ، لكنا الآن مجرد أيتام يسيرون في طريق الجلجلة تلك التي سار عليها المعلم السوري يسوع المسيح.
ها نحن نكبر بكَ ولن نترك أرضنا الممتدة من فلسطين وحتى العراق. وها نحن ننحني أمام ثوبك الطاهر علّك تقبل بأن نمرغ وجهنا بخيوطه ونشمّ رائحة ما احتفظ به من زعتر حلب وياسمين الشام وبرتقال يافا..
للمطران عطالله حنا: إنّ القدس بأقصاه وبكنيسة القيامة وبأبنائها لن تنسى المطران كبوجي الذي ضحّى من أجلها.. كان مدرسة المسيحية من أجل الحق.. لقد بقي ثابتاً في تأدية رسالته تجاه فلسطين رغم الضغوط عليه في روما وغيرها لإسكاته.
|