الامين سمير رفعت الذي عُرف حزبيا بسمير سعاده غني عن التعريف وقد كنا نشرنا له عن ظروف انتمائه الى الحزب واشرنا اليه في كثير من النبذات، وما زلنا ننتظر اغناءه المكتبة القومية الاجتماعية بمذكراته الغنية بالاحداث والمعلومات الكثيرة المفيدة لتاريخنا .
هذه الكلمة كانت نشرت في وقت سابق واطلعنا عليها مجددا على صفحة الفايسبوك للرفيق نظام اسد الاشقر نقلا عن صفحة الرفيق جهاد ابو انطون، نعيد نشرها مع تكرار دعوة حضرة الامين سمير رفعت الى ان يكتب، يكتب ، يكتب.
له الكثير من محبتنا ومن تقديرنا لسيرته الشخصيته ومسيرته الحزبية .
ل. ن.
*
" توقفت شاحنة صغيرة أمام مكاتب مجلة «البناء» الكائنة يومذاك على جل البحر. ونزل سائقها ومساعده الذي يمتطي مجموعة من علب الكرتون، استغربت للوهلة الأولى أنّ تكون الرفيقة دوسي الحلو مسؤولة الشؤون الإدارية والمحاسبة في المجلة قد أحضرت هذه الكمية من القرطاسية التي يمكن أنْ تكفينا سنوات، فنحن نمارس أقصى حالات التقشف في المجلة. لدرجة أننا نكتب على وجهيْ الورقة.
وزاد تعجبي حين أطل الأمين أسد الأشقر الذي كان يجلس بجانب السائق. حيّاني ودخل المكتب قائلاً لي: هذا مؤلف تاريخ سورية ونشوء العالم العربي أحضرته لـ«البناء» تصرّف به كما شئت، فأنا لا أريد أنّ أبيعه.. وكان يحمل في يده نسخة من المؤلف، جلس وبدأ يكتب عليها إهداء لي.. قال، هذه النسخة الأولى لـ«البناء».. لمن تريد أنّ أهدي النسخة الثانية؟. قلت بلا تردّد: للرئيس حافظ الأسد.
كنتُ أذهبُ إلى دمشق يومَيْ السبت والأحد لقراءة نشرات الأخبار في تلفزيون دمشق وأعود الإثنين إلى بيروت لممارسة عملي ناموساً لتحرير مجلة البناء.. بالمناسبة لماذا راح إعلام الحزب يستغني عن أدبياته الجميلة كلمة ناموس مثلاً أجمل بكثير من رئيس تحرير وسكرتير تحرير.
" ذهبتُ إلى دمشق وقمتُ بالاتصال بالمكتب الخاص في القصر الجمهوري والذي كان يديره الأستاذ محمد ديب دعبول ـ أبو سليم ـ قلتُ له: لقد أحضرت مؤلف تاريخ سورية للأمين أسد الأشقر. وقد قدّم النسخة للرئيس حافظ الأسد، وأرسلت النسخة للقصر السبت ظهراً، ولمّا جاء يوم الأحد أي اليوم التالي اتصل بي أبو سليم قائلاً: السيد الرئيس يشكرك على هذه الهدية القيّمة ويأمل أنّ تحضر لنا الأسبوع المقبل خمسين نسخة من المؤلف. وقال لي بالحرف الواحد إن الرئيس الأسد قال: أريد أنّ أثقّف قيادتنا على تاريخهم..
وبالفعل أحضرتُ السبت خمسين نسخة من مؤلف تاريخ سورية ونشوء العالم العربي، وأرسلتها إلى القصر الجمهوري، وبعد دقائق اتصل بي أبو سليم مدير المكتب الخاص في القصر شاكراً وصول الكمية المطلوبة، لكنه سألني أنه لم يجد فاتورة ثمن الكمية، أجبته دون تردّد: نحن لا نبيع تاريخ سورية لأحد، لكننا نقدّمه للرئيس حافظ الأسد، شكرني مرة ثانية. وقال لي إنّ الرئيس يريد أنّ يراني غداً أي الأحد..
ذهبتُ في الموعد المحدّد ليستقبلني الرئيس الأسد مباشرة بسؤال: ماذا يفعل الأستاذ أسد الأشقر اليوم؟ أجبته: إنه يؤلّف.
قال: أين؟ قلتُ له في منزله في رأس بيروت. المنزل المستأجَر بعد أنّ هُجّر من ديك المحدي. وقد أفردت له العائلة غرفة صغيرة جداً يسمّونها في نظام البناء بيروت غرفة الخادمة، صغيرة لدرجة تشبه الزنزانة.
تعجّب الرئيس الأسد معلقاً: لقد عينتُ فلاناً لمحاولة إعادة كتابة التاريخ.. وله حتى الآن سنة يفتّش عن غرفة فارعة تناسب مكانته، ويفتش عن مفروشات لها. ولم يُنجز شيئاً.
ثم قال الرئيس الأسد لي: أتمنى على قيادة حزبكم أنّ لا تشغل الأستاذ أسد بأية مسؤولية حزبية كي يتسنّى له إنجاز هذه السلسلة القيّمة وطالما أنه لا يفتش عن حجم الغرفة التي يكتب داخلها…
تذكّرت هذه الحادثة حين قرأت مكرمة الأمين غسان الأشقر بتوزيع المجموعة الكاملة للأمين الراحل أسد الأشقر، والتي فاتني آسفاً أنّ أكون في عداد الحاضرين. رغم أني أتمنى أنّ أحجز نسختي من هذا المؤلف القيّم.
وراحت بي الذاكرة إلى أواخر ستينيات القرن الماضي حين كنت مراقباً لبرامج التلفزيون الأردني في عمّان، وكان في عداد موظفي التلفزيون رجل مسنّ اسمه حسني فريز كان يشغل وظيفة مراقب لغوي، وكنتُ أحضر معي إلى المكتب كل أسبوع ملحق النهار، والذي كان يهرب إليه الأمين أسد الأشقر مقالته بتوقيع سبع بولس حميدان، وكان حسني فريز المُتخَم بالعروبة المسلمة ينتظر الملحق ليقرأ للكاتب حميدان، ودون أنّ يعرف أنه أسد الأشقر. إذ إنه كان يكره القوميين الاجتماعيين وكان يقول لي أنت استثناء..
وجاء اليوم الذي خرج فيه القوميون الاجتماعيون من السجن في الكيان اللبناني، وكتب يومها الأمين أسد مقالة من أسد الأشقر إلى سبع بولس حميدان. وأفشى في المقال أنه شخص واحد في اسمين.
وحين أحضرت ملحق النهار الذي يحوي المقال المذكور، ثارت ثائرة حسني فريز العروبى المتأسلم وراح يكيل لي التعنيف والشتائم، لأني غررت به وجعلته يقرأ لسوري قومي اجتماعي دون أنّ يعرف..
ومن يومها تأزّمت علاقتي بهذا الرجل المسنّ الذي كان معجباً بسبع بولس حميدان.
|