حتى الآن لم تتجاوز ردود فعل الأخبار والتسريبات المتداولة -المتعلقة بانفجار منطقة الكرنتينا الذي استهدف السفارة الأمريكية في لبنان- حدود التوصيفات والسرديات الإخبارية، فهل أصبح الساسة اللبنانيون الذين كانوا ومنذ الثواني الأولى لحدوث الانفجارات والاغتيالات يسارعون إلى إطلاق التصريحات التي تركز على التسويق بتجريم سوريا بشكل مباشر وحلفاءها اللبنانيين بشكل غير مباشر.
* تفجير الكرنتينا: أبرز المؤشرات:
لجهة التوقيت، فقد حدثت عملية التفجير في فترة تميزت بتزايد شعور اللبنانيين بالإحباط المتزايد إزاء عدم انتخاب الرئيس اللبناني الجديد على النحو الذي ينذر باحتمالات استمرار ظاهرة "الفراغ الرئاسي" إلى فترة طويلة قادمة.
استسلمت الأطراف اللبنانية إلى واقع خلافاتها المستمرة واستعد محور ديفيد وولش – السفير فيلتمان إلى مواجهة فترة مبشرة بالمزيد من العمل، وإلى تنفيذ جدول أعمال تمثل أجندته "المعلنة" رأس جبل الجليد الذي يخفي تحته قدراً هائلاً من الأجندة غير المعلنة. وعلى خلفية الإحباط والركود السياسي والتحفّز البارد والأزمة الزاحفة، جاء انفجار منطقة الكرنتينا الذي استهدف السفارة الأمريكية، وعلى خلفية معطيات خبرة الانفجارات والاغتيالات اللبنانية، تبرز جملة من الأسئلة:
• لماذا التفجير ضد السفارة الأمريكية؟
• لماذا التفجير في هذا الوقت؟
• ما هي أهداف الذين قاموا بالتفجير؟ ومن هم؟
• كيف تم التخطيط للعملية؟ وكيف نفذت؟
• ولماذا كانت عملية التفجير تستهدف السفارة الأمريكية فهل 20 كيلوغراماً من المتفجرات تكفي لتهديد مبنى ضخم محصن مثل مبنى السفارة الأمريكية في بيروت؟
• العناصر التي تقوم بالتخطيط لعمليات التفجير والاغتيال تركز على عاملي "السرية المطلقة" و"المفاجئة"، فلماذا –كما أوردت الصحف اللبنانية- قام منفذوا الهجوم بتهديد السفارة الأمريكية قبل وقوع الانفجار بيوم واحد؟
• ولما كانت السفارة الأمريكية قد تلقت تهديداً، فهذا معناه أن عملية استهداف السفارة الأمريكية يجب أن تكون قد أصبحت ليس فقط متوقعة، وإنما كبيرة الاحتمال أيضاً، فلماذا لم تقم السفارة بإخبار السلطات اللبنانية لكي تقوم بتكثيف الإجراءات الأمنية حول السفارة؟
• طالما أن السفارة الأمريكية قد تلقت تحذيراً قبل يومين من وقوع الانفجار، فلماذا لم تقم بإخبار العاملين فيها بضرورة أخذ الحيطة والحذر، ولماذا إذاً انتظرت السفارة حتى وقع الانفجار ثم قامت بعد ذلك بتحذير العاملين فيها؟ باختصار لماذا أهملت السفارة بهذا الشكل المريع الذي لا يوجد مثله في سفارات دول العالم الصغيرة الأكثر تخلفاً؟
* شبكة العنكبوت الخفية ومشهد الكرنتينا:
يقولون نسجت "الأيادي الخفية" مطوقة بيروت بنسيج "شبكة العنكبوت الخفية" منذ فترة طويلة، وكان مؤتمر باريس للمانحين الأول هو التمهيد للعملية الأولى الذي أعقبه قيام "الأيادي الخفية" باصطياد رفيق الحريري من أجل الإيقاع بسوريا واصطيادها، وبرغم القرارات الدولية وخروج القوات السورية فقد أفلتت سوريا بعد فضيحة المحقق الدولي اليهودي الألماني ديتليف ميليس. وبعد ذلك، وتحت غطاء قوى 14 آذار وحكومة السنيورة استمرت "الأيادي الخفية" تعبث بأرواح اللبنانيين واصطادوا الضحايا بانتقائهم واحداً تلو الآخر وهذه المرة لم تفلت سوريا فحسب بل تزايدت شكوك اللبنانيين حول طبيعة هذه الأيادي الخفية.
* تغيير الاتجاه:
لماذا غيرت الأيادي الخفية السيناريو هذه المرة بحيث لم نسمع زعماء 14 آذار ومسؤولي حكومة السنيورة وهم يطلقون تصريحات "الدقيقة الأولى" لجهة توجيه إدراك اللبنانيين؟
السيناريو كان هادئاً هذه المرة، برغم دوي انفجار 20 كيلوغراماً من المواد الشديدة الانفجار، وبرغم أن توقيت دخول وخروج موظفي السفارة الأمريكية معروف، فقد أخطأ الذين نفذوا عملية التفجير في قراءة الوقت، وربما قرروا في اللحظات الأخيرة عدم تنفيذه وفقاً للتوقيت المحلي اللبناني!!
تقول المعلومات بأن الضحايا كانوا ثلاثة من شمال لبنان، أما الثالث فكان سورياً، وعلى خلفية عدم قيام السفارة الأمريكية بإبلاغ السلطات اللبنانية بالتهديد الذي تلقته مسبقاً فما هو نوع السيناريو الذي سيتم الكشف عنه عاجلاً أم آجلاً خاصة وأن كاميرات السفارة الأمريكية، وربما الأقمار الصناعية الأمريكية ومحطات التنصت الإلكتروني الأمريكية، سوف نسمع قريباً بأنها التقطت بنجاح بعض المعلومات المفيدة للتحقيق.
* ردود الأفعال الأمريكية: أبرز اتجاهات الرأي:
• صحيفة نيويورك تايمز: أشارت الصحيفة في تقريرها الإخباري الصادر اليوم من بين ما أشارت إليه إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها المصالح الأمريكية والأمريكيين في لبنان للاعتداء، فهناك العديد من حوادث الاعتداء ضدهم.
• موقع ستراتفور الإلكتروني: نشر تقريراً تناول توصيف الأحداث ولكنه ركز على أن الانفجار حدث في وقت يشهد فيه لبنان أزمة حول الانتخابات الرئاسية بين حلفاء أمريكا والغرب، والمعارضة التي يقودها حزب الله اللبناني المدعوم سورياً وإيرانياً.
* "الكرنتينا" بين رياح "الشمال" و"الجنوب" اللبناني:
سبق أن أشارت المعلومات إلى أن بعض الجماعات المسلحة السنية قد تمركزت في "شمال" لبنان، لموازنة تمركز الجماعات المسلحة الشيعية في "جنوب" لبنان. وقد كان معروفاً، تفاصيل العملية السرية التي أشرف نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني على تنفيذها في لبنان والتي كشفها الصحفي الأمريكي سيمور هيرش، وتبين أيضاً أن الإدارة الأمريكية قد فقدت الأمل في إشعال نيران الحرب السرية السنية – الشيعية بين "شمال" لبنان و"جنوبه"، وتبين أيضاً أن الإدارة الأمريكية قد قررت التخلص من الجماعات والعناصر الأصولية التي أشرف سعد الحريري وعمته بهية في توفير التسهيلات اللازمة لها، فهل قررت الجماعات المسلحة السنية القيام باستهداف المنشآت الأمريكية في لبنان وبناء المزيد من السند الشعبي على غرار تجربة حزب الله اللبناني التي بدأت باستهداف المنشآت الأمريكية والأمريكيين في مطلع ثمانينات القرن الماضي. وإذا لم يكن ذلك كذلك، فهل أوعزت "الأيادي الخفية" عن طريق باكستان أو أفغانستان أو غيرها من الأماكن التي يوجد فيها حضور استخباري أمريكي كبير على الجماعات السنية المتطرفة التي بالأساس تم تجميعها من مناطق القبائل الباكستانية "تحت سمع وبصر" جهاز المخابرات الباكستانية من اجل القيام بهذه العملية.
تقول التسريبات الإسرائيلية بأن قيادة جماعة فتح الإسلام قد انتقلت إلى العمل داخل قطاع غزة وأنها قد أصدرت بياناً يتوعد الأمريكيين وحلفائهم بالمزيد من العمليات "احتفالاً بحلول غرّة العام الهجري المبارك"، فهل سوف يشهد لبنان المزيد من تحركات جماعة فتح الإسلام خاصة وأن زعيمها شاكر العبسي ما زال على قيد الحياة بعد أن أعلن الخبراء اللبنانيون بعد القيام بعمليات فحص الـ(D.N.A) بأن شاكر العبسي ليس من بين القتلى؟ وهل سوف تحاول إدارة بوش وقوى 14 آذار وحكومة السنيورة استغلال وتوظيف حادثة الكرنتينا من اجل المضي قدماً وبشكل علني فيما تم الاتفاق عليه بشكل غير معلن لجهة استضافة لبنان لقوات أمريكية؟ أم أن بعض الأطراف اللبنانية قد أدركت مدى "العمليات القذرة" التي تشرف على تنفيذها السفارة الأمريكية والسفير فيلتمان ومن ثم قررت إشعال المواجهة مع الأمريكيين؟ أم أن "الأيادي الخفية" تريد تصعيد ملف التحقيق الدولي لاحقاً بما يؤدي إلى استهداف حزب الله اللبناني وحركة أمل باعتبارهما المسؤولين عن الاعتداء على السفارة الأمريكية، وبالتالي سوف يكون من حق إدارة بوش أن تقوم بـ"الرد" من أجل الدفاع عن النفس وحماية المصالح الأمريكية والأمريكيين في لبنان.
|