بينما تدور وقائع قمة دمشق العربية، جاءت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس إلى نقطة الشرق الأوسط والتي ركزت على التحرك ضمن خط تل أبيب الإسرائيلية ورام الله الفلسطينية وعمان الأردنية.
* الشرق الأوسط في ظل التنزيل الإسرائيلي لمبدأ المعايير المزدوجة:
برعت دوائر صنع واتخذ القرار في تل أبيب وواشنطن في ممارسة هواية الانزلاق من المعلن إلى غير المعلن وفقاً لقاعدة أن المعنى الحقيقي لمصطلح السلام هو الحرب وتأسيساً على ذلك، تبدو لنا الكثير من الثنائيات المتفارقة:
• تأمين الحدود الإسرائيلية معناه الاعتداء على سوريا ولبنان والأردن ومصر.
• إقامة الدولة الفلسطينية معناها تدمير منازل الفلسطينيين وطردهم وضم أراضيهم.
• الاتفاقيات مع العرب معناها قبولهم بالتنازل عن كل ما تريده إسرائيل.
• التعامل مع العرب معناه تحويلهم إلى "متعاملين" في حالة الاستعداد الدائم والجاهزية القصوى لبذل ما في وسعهم لخدمة المشروع الإسرائيلي.
وعلى هذه الخلفية أصبح مطلوب من العرب:
• في سوريا: التنازل لإسرائيل عن الجولان وتوظيف القدرات العسكرية والأمنية السورية لكي تقضي على حزب الله والمقاومة الوطنية اللبنانية، وحركة حماس وغيرها من القوى والأطراف التي تهدد أمن إسرائيل، وبعد ذلك الجاهزية للقبول بمنح إسرائيل المزيد من الأراضي والمزايا الإضافية.
• في لبنان: أن يتحول لبنان إلى بلد أعزل وأن ينتخب الرئيس الذي توافق عليه وتريده إسرائيل والذي يقبل بالتوقيع مقدماً وعلى بياض على كل ورقة تقدمها له إسرائيل.
• في الأراضي الفلسطينية: أن تقوم السلطة الفلسطينية بالتنازل عن حقوق الفلسطينيين والاستعداد للقيام بمساعدة إسرائيل في إخراج الفلسطينيين من كل المناطق التي أشارت إليها خارطة مملكة هرمجدون باعتبارها "طابو" حصري لسيطرة الإسرائيليين تمهيداً لعودة المسيح اليهودي الذي سوف يقوم ببناء مملكة الرب اليهودي.
• في الأردن: أن تستمر السلطات الملكية الأردنية الهاشمية تعاونها مع الإسرائيليين مع مراعاة أن تكون أكثر استعداداً للقبول بالمهام الجديدة في المرحلة القادمة الفائقة الأهمية لأمن وسلامة إسرائيل. وقد يتطلب ذلك ليس مساعدة إسرائيل في ضم الأراضي الفلسطينية وإنما الاستعداد لمنح إسرائيل الأراضي الأردنية الواردة في مملكة هرمجدون.
• في مصر: أن تستمر السلطات المصرية في تعاونها مع الإسرائيليين وأن تعمل على تشديد الحصار ضد قطاع غزة، وأن تقوم بإلقاء القبض على المتسللين الفلسطينيين واعتقالهم وتعذيبهم –كما حدث مؤخراً- إن ثبتت علاقتهم بحركة حماس والمقاومة الفلسطينية.
النقاط التي أشرنا إليها ليست من قبيل المبالغة أو التمادي في نسج الخيال فهي نقاط أكد على صحتها الأداء السلوكي الإسرائيلي والتواطؤ الأمريكي الذي اتسع نطاقه ليصبح تواطؤاً أمريكياً – فرنسياً – ألمانياً – بريطانياً:
• تم عقد مؤتمر أنابوليس من أجل القضاء على المبادرة العربية.
• تم وضع قوات اليونيفيل في جنوب لبنان من أجل تدويل العدوان الإسرائيلي ضد حزب الله والمقاومة اللبنانية.
• تم اغتيال الحريري ورموز الصف الثاني من زعماء قوى 14 آذار من أجل دفع رموز الصف الأول فيها باتجاه:
* المزيد من العداء لسوريا.
* المزيد من العداء لحزب الله والمقاومة اللبنانية.
* المزيد من الفوضى السياسية في لبنان.
• تم إصدار القرارات الدولية المتعلقة بالتحقيق الدولي في اغتيال الحريري وحماية سيادة لبنان وغير ذلك، ولكنها هدفت جميعها إلى:
* استهداف سوريا.
* تصفية حزب الله والمقاومة الوطنية اللبنانية.
* الشرق الأوسط: خارطة الطريق الإسرائيلية – الأمريكية، إلى أين؟
يقول محور تل أبيب – واشنطن بأنها خارطة طريق تهدف إلى الوصول إلى السلام. ويقول المحللون السياسيون بأنها خارطة طريق تهدف إلى الوصول إلى لا شيء، ولكننا نقول بأنها خارطة طريق تهدف للوصول إلى الحرب، وذلك ببساطة لأن مصطلح السلام في قاموس محور تل أبيب – واشنطن معناه الحرب.
ليس تفسير مصطلح السلام بالحرب من قبيل المقاربة الشكلية لمفردات الخطاب السياسي الإسرائيلي – الأمريكي، وإنما هو تفسير يقوم على التحليل المادي والواقعي لخبره ومعطيات الأداء السلوكي الإسرائيلي – الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط وخارجها.
* دبلوماسية الإعاقة وإشعال الشرق الأوسط:
في مطلع كانون الثاني جاء الرئيس الأمريكي جورج بوش إلى المنطقة وأعقب زيارته قيام إسرائيل بالاعتداء على قطاع غزة، وخلال شهر آذار جاء ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي إلى المنطقة، وأعقب زيارته قيام زعماء المعتدلين العرب بعدم حضور قمة دمشق وخلال انعقاد القمة جاءت كوندوليزا رايس وزير الخارجية الأمريكية إلى المنطقة، في زيارة وصفتها تقارير هيئة الإذاعة البريطانية بأنه قد تكون المرة الأخيرة التي قد تضع رايس قدمها في المنطقة.
لم يحضر زعماء المعتدلين العرب قمة دمشق لأن نائب الرئيس الأمريكي والمتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض والمتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية تحدثوا جميعاً في معرض تصريحاتهم حول قمة دمشق، وبرغم اختلاف الأشخاص، فإن تصريحاتهم تضمنت جملة مشتركة موحدة وردت في عباراتهم وهي ".. أن على المعتدلين العرب أن يفكروا ويتأملوا جيداً قبل أن يقرروا الذهاب إلى قمة دمشق..".
تحدثت التقارير الصحفية نقلاً عن مصادر أمريكية وإسرائيلية بأن رايس تسعى من خلال جولتها إلى إعطاء عملية السلام دفعة جديدة من الطاقة الحيوية، وعندما وصلت رايس إلى المنطقة تحدثت التقارير الصحفية عن أنها تحاول السعي من أجل تحسين معيشة الفلسطينيين، وهكذا، تحولت أجندة رايس الهادفة إلى تعزيز عملية السلام إلى أجندة تتعلق بالتفاهم مع الإسرائيليين حول كيفية إرسال الطماطم والخبز والطحين وغيره إلى المتضررين الفلسطينيين. أما عن الأراضي الفلسطينية، فحدث ولا حرج، كما يقول المثل الشائع:
• الضفة الغربية: قسمها الإسرائيليون إلى ثلاثة مناطق:
* المنطقة (آ): وتقع تحت السيطرة والإدارة الفلسطينية والسيطرة السيادية الإسرائيلية.
* المنطقة (ب): وتقع تحت السيطرة والإدارة الفلسطينية والسيطرة العسكرية والأمنية السيادية الإسرائيلية.
* المنطقة (ج): وتقع تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة.
• قطاع غزة: كان يقع تحت السيطرة والإدارة الفلسطينية والسيادية الإسرائيلية، وكان الإسرائيليون يريدون أن يصبح القطاع ملاذاً آمناً لـ"جماعة المحافظين الجدد" إن جاز التعبير، التي يتزعمها محمد دحلان، ولكن انقضاض حماس حوّل القطاع إلى بؤرة مقاومة فلسطينية سببت الكثير من الفزع والهلع ليس للإسرائيليين وحسب، وإنما للمعتدلين العرب أيضاً.
تقول التسريبات الأخيرة، بأن إسرائيل وافقت لرئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض بالنظر في عملية إزالة 50 حاجزاً إسرائيلياً من جملة 500 حاجز من الضفة الغربية، ولكن ما لم يلتزم به الإسرائيليون لسلام فياض هو:
• عدم إقامة حواجز جديدة.
• الوعد بإزالة الحواجز في المنطقة (آ) والمنطقة (ج).
• إيقاف بناء وتوسيع المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية.
وهكذا، يمكن القول بأن الإنجاز الوحيد الذي ترتب على زيارة رايس الأخيرة هو قيام الإسرائيليين بتقديم وعد لفياض بالنظر في أمر إزالة 10% من الحواجز المنصوبة في المنطقة (ب) التي تمثل ثلث مساحة الضفة الغربية.
إذاً، الشرق الأوسط ينزلق باتجاه الحرب، وهذه المرة، بحسب ما هو واضح، فإن الإسرائيليين أصبحوا جاهلين وغير واعين تماماً بالإجابة على السؤال القائل: ما هي الحرب وكيف ستكون هذه المرة؟ وليس الحرب كما كانت في المرات السابقة.
لقد نجح الإسرائيليون في توظيف الأمريكيين في القيام بإصدار التعليمات للقاهرة – الرياض – عمان – الدار البيضاء، بعدم حضور قمة دمشق، وما لم ينتبه إليه المعتدلون العرب هو أن عدم حضورهم للقمة، معناه الظاهري هو التحالف مع واشنطن - تل أبيب في عزل دمشق، ولكن المعنى غير المعلن الحقيقي يقول غير ذلك. فقد نجحت واشنطن – تل أبيب في عزل القاهرة – الرياض – عمان – الدار البيضاء عن القيام بأي دور في اجتمع القمة على النحو الذي ترتب عليه:
• إظهار الضعف والانكشاف الدبلوماسي وانسلاب إرادة المعتدلين العرب.
• عزل المعتدلين العرب عن التضامن العربي الحقيقي بما يهدد لاستهدافهم عن طريق:
* الإملاء على مصر بالدور المطلوب إسرائيلياً في قطاع غزة.
* الإملاء على القاهرة بالقيام بالدور المطلوب إسرائيلياً في الضفة الغربية.
الإملاء على السعودية مساعدة الاقتصاد الأمريكي نفطياً ومالياً وتمويل المخططات الأمريكية – الإسرائيلية في المنطقة.
أما بالنسبة للبنان، فقد نجحت إسرائيل وأمريكا في دفع حكومة السنيورة باتجاه القيام بعزل لبنان عن الجامعة العربية وبالتالي غيب لبنان نفسه وعن طاولة حل أزمته. ولم يتبق لحكومة السنيورة سوى البحث عن الحل على طاولات المعتدلين العرب والتي يقوم اليهودي الأمريكي إيليوت إبراهام بوضع أجندتها من مكتبه في القسم المخصص في البيت الأبيض لمجلس الأمن القومي الأمريكي والذي من أولوياته: حماية أمن إسرائيل، وهي أولوية تفرض على إبراهام استخدام حماية أمن إسرائيل من أجل تصعيد الفوضى الخلاقة في الساحة اللبنانية باعتبارها السبيل الأمريكي الوحيد لحماية أمن إسرائيل.
نشر الموقع الإلكتروني لمجلة العرض الاستخباري التنفيذي تقريراً حول جولة ديك تشيني الأخيرة في الشرق الأوسط، أشار فيه باختصار إلى النقاط الآتية:
• طلب تشيني من الإسرائيليين:
* الاستمرار في المفاوضات مع السلطة الفلسطينية (حركة فتح) طوال ما كانت تقوم بعزل حركة حماس.
* عدم الدخول في أي مفاوضات مع سوريا.
• طلب من حكومة السنيورة الاستمرار في عزل المعارضة اللبنانية وبالذات حزب الله.
ويقول التقرير بأن مطالب تشيني لإسرائيل وحكومة السنيورة إضافة إلى قيامه بمطالبة المعتدلين العرب بمقاطعة قمة دمشق، إضافة إلى تهديداته لإيران، هي مؤشرات تفيد جميعها لجهة نوايا الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية الهادفة لإشعال المنطقة التي ظلت لفترة طويلة وما زالت تقف على حافة الحرب.
|