دخل الصراع العراقي – الأمريكي والصراع العراقي – العراقي مراحل أكثر تعقيداً ولم يعد من السهولة بمكان التنبؤ بالاتجاه الرئيس للصراع وإن كانت مكونات الصراع ما تزال موجودة وماثلة أمام العيان.
* مفاجآت بغداد أبرز التساؤلات الحائرة:
تزايدت التساؤلات في الساحة السياسية العراقية وجاءت المفاجآت واحدة تلو الأخرى بما يتعاكس تماماً مع احتمالات الإجابة، الأمر الذي أدى بالمقابل إلى طرح المزيد من التساؤلات الأكثر حيرة، ولم يعد أحد يفكر بالإجابة المحتملة لأن الأكثر احتمالاً هو أن تظهر المزيد من المفاجآت الجديدة.
• على خلفية الصراع بين جيش المهدي وقوات أمن حكومة بغداد المنصبة أمريكياً، والمدعومة ميدانياً بواسطة القوات الأمريكية تساءل الجميع حول مدى احتمالات اتساع نطاق الصراع ومدى احتمالات أن يصبح الزعيم الشيعي مقتدى الصدر "هوشي منه العراقي" الذي سيقود حرب العصابات ويطرد القوات الأمريكية من العراق، ولكن جاءت المفاجأة الصاعقة على لسان مقتدى الصدر نفسه عندما أعلن قرار ليس تعليق وإيقاف عمليات جيش المهدي وحسب وإنما حله أيضاً!!
• على خلفية خلاف الجمهوريين والديمقراطيين في واشنطن حول بقاء أو عدم بقاء القوات الأمريكية في العراق وخلاف بغداد العراقي – العراقي حول استمرار وجود القوات الأمريكية وخلاف بوش – نوري المالكي حول نفس الموضوع، جاءت التسريبات وهي تحمل البشرى للجمهوريين والإسرائيليين بأن الاتفاقية الأمنية التي تتيح لقوات الاحتلال الأمريكي البقاء في العراق قد أوشكت على الانتهاء وسوف يتم التوقيع عليها وإعلانها رسمياً خلال الفترة المقبلة!!
• على خلفية الخلافات العراقية – العراقية حول ملفات القضايا العراقية المصيرية: قانون توزيع عائدات النفط، النظام الفيدرالي، النظام السياسي العراقي وإشكالية المشاركة وتقسيم السلطة والثروة، مازلنا نسمع كل يوم خلاف يعقبه تفاهم وتوافق يعقبه خلاف ثم لا يلبث الأمر أن يولد الكثير من الخلافات الجديدة.
لم يعد العراق هو العراق وقد يأتي يوم يتساءل فيه الناس عن العراق الذي كان على خارطة العالم، وحتى الآن برغم وضوح السؤال فإن الإجابة تبدو أكثر غموضاً حول من يدير العراق، هل هو حكومة بغداد التي نصبتها الإدارة الأمريكية؟ ومن يدير حكومة بغداد هل هي تحالفات المتعاملين العراقيين؟ أم هي الإدارة الأمريكية؟ أم إيران؟ أم جماعات المصالح المتعلقة في كل كبيرة وصغيرة داخل العراق؟ أم جماعة المحافظين الجدد التي تدير الإدارة الأمريكية؟ أم اللوبي الإسرائيلي الذي يدير جماعة المحافظين الجدد؟ أم اليهود الأمريكيون أنصار الليكود الإسرائيلي الذين يهيمنون على جماعة المحافظين الجدد ومنظمات اللوبي الإسرائيلي. وحتى الآن لا شيء ظاهر سوى مقولة أنصار إحدى المدارس الفلسفية اليونانية القديمة التي تسوق «اللاأدرية» التي سوقت للأغاليط الفلسفية حول لا أدري ولا يدري ولا أدري أنني لا أدري، ولا يدري أنه لا يدري... الخ.
* المنطقة الخضراء وإدارة اللعبة من الخارج:
يقولون أن العراق تتم إدارته من المنطقة الخضراء الحصينة التي توجد داخل بغداد ولكن ما لا يتوقعه أو ربما لا يدركه الكثيرون أن المنطقة الخضراء توجد داخل العراق ولكنها في حقيقة الأمر لا توجد داخله، وبكلمات أخرى، فإن المنطقة الخضراء هي مثل المناطق الحرة الموجودة في بلدان العالم الثالث ولكنها مستثناة من القرار السيادي، والمنشآت السياسية والعسكرية الموجودة داخل المنطقة الخضراء العراقية مثلها مثل شركات "الأوف شور" الموجودة في المناطق الحرة، لجهة عدم الالتزام بقوانين ونظم البلد الذي توجد ضمنه أما العراقيون الذين يتحركون ضمن المنطقة الخضراء فهم ليسوا سوى مجرد وكلاء متعاملين لا يستطيعون القيام بشيء دون أخذ الضوء الأخضر من المنطقة الخضراء.
* مقتدى الصدر: هل نحروه أم انتحر؟
تقول آخر التسريبات بأن مقتدى الصدر قد أصدر قرار حل جيش المهدي وتحويله إلى منظمة طوعية شيعية تقوم بالأعمال الخيرية والإنسانية على النحو الذي أصبح يتوجب فيه على عناصر جيش المهدي إلقاء السلاح والانخراط في الأنشطة الإنسانية الطوعية على غرار ما تقوم به منظمة أطباء بلا حدود، وما شابه ذلك. أعلن الصدر عن خططه المتعلقة بإعادة تنظيم جيش المهدي ليتحول إلى قوة اجتماعية ثقافية تتولى مسؤولية القيام بأعمال الجهاد الفكري وعلى حد تعبير الصدر، فإن القيام بمثل هذا التغيير يستلزم تمركز هيكل القيادة ضمن مجموعة صغيرة من الموالين الذين يتوجب عليهم أن يتفرغوا لجهة الانهماك في عبء تقديم التدريب الديني لعناصر المليشيا المسلحة.
وتقول التسريبات بأن التنظيم الجديد قرر مقتدى الصدر أن يطلق عليه اسم "الممهدون" التي تعني أولئك الذين يمهدون السبيل وهو مفهوم يرتبط بمذهبية عودة الإمام الغائب الذي بدوره يمهد السبيل لعودة المهدي المنتظر.
تقول تسريبات السردية الجديدة بأن خطة تحويل جيش المهدي إلى منظمة طوعية دينية تعود جذورها إلى العام 2007م عندما حدثت الاشتباكات المسلحة بين جيش المهدي وقوات فيلق بدر التابعة للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق الذي يقوده عبد العزيز الحكيم، وقد أدت الاشتباكات في حينها إلى مقتل عشرات الحجاج الشيعة القادمين من كربلاء.
وتقول المعلومات بأن النجف وطهران تدخلتا بما أدى إلى قول الصدر بالهدنة مع الحكيم وتقول التسريبات أيضاً بأن الصدر قد دخل في العيد من الصفقات غير المعلنة والتي من أبرزها:
• صفقة سرية مع القوات البريطانية.
• صفقة سرية مع المالكي.
• صفقة سرية مع عبد العزيز الحكيم.
• صفقة سرية مع إيران.
• صفقة سرية مع القوات الأمريكية.
• صفقة سرية مع السعودية.
• صفقة سرية مع الكويت.
• صفقة سرية مع محور الطالباني – البرزاني.
وجميع هذه الصفقات ضمن مسار موحد التوجهات لجهة التزام الصدر بحل جيش المهدي إضافةً إلى إعادة إنتاج دور جديد يتحول بمقتضاه الصدر من نموذج الكاريزمية الجهادية الشيعية المسلحة إلى نموذج الكاريزمية الإرشادية – الخيرية الدينية. أما الأبعاد غير المعلنة لتوجهات الصدر الجديدة فتتمثل أبرز تداعياتها المؤجلة بما يلي:
• تقليل القوة العسكرية الشيعية ما يقلل احتمالات تصاعد المقاومة الشيعية المسلحة للقوات الأمريكية.
• إفساح المجال لنخبة حزب الدعوة وحزب الفضيلة كنوري المالكي وغيره للتقدم وملء الفراغ الذي سيحدثه في الساحة السياسية الشيعية حل جيش المهدي.
• تقليل وإنهاء المواجهات السنية – الشيعية في العراق بما يتيح لمحور الرياض – واشنطن إقناع القيادات الشيعية بضرورة التعامل والتعاون مع سلطات الاحتلال الأمريكي والتحالف الشيعي الذي يقوده المالكي.
وكما هو واضح، فإنه في حالة حدوث مصالحة أمريكية – سنية داخل العراق، فإن واشنطن سو ف تباشر تنفيذ مخطط إعادة انتشار القوات الأمريكية بتركيز أكبر لجهة التواجد والتمركز الدائم في مناطق المحافظات السنية، وعلى وجه الخصوص محافظة الأنبار وديالا وغيرهما، إضافةً إلى إعادة الانتشار والتمركز في المحافظات الشيعية الجنوبية وعلى وجه الخصوص محافظة البصرة والمناطق الحدودية المتاخمة لإيران.
|