وصل الرئيس الفرنسي ساركوزي إلى العاصمة السورية دمشق، وذلك في زيارة هامة لجهة كونها تمثل مؤشراً لمزيد من التطورات الإيجابية في العلاقات السورية – الفرنسية، وتشير المعلومات والتقارير إلى أن لقاء الرئيس الأسد - ساركوزي قد أخذ مكانة مركزية على صدر التقارير التي أبرزتها وكالات الأنباء والصحافة الوطنية والإقليمية والدولية.
* دبلوماسية خط دمشق – باريس: جدول الأعمال المرتقب:
أصبح الرئيس الفرنسي ساركوزي أكثر قناعة إزاء الحقيقة القائلة بأن التعامل مع دمشق هو الملف القابل للرهان بعد أن حصدت واشنطن الخيبة من جراء إصرارها وتماديها في الرهان على عزل دمشق. وتقول التقارير الصحفية بأن أبرز تصريحات ساركوزي الأخيرة قد أكدت على الآتي:
• إن فرنسا مستعدة لرعاية المفاوضات السورية – الإسرائيلية المباشرة عندما يحين الوقت لذلك.
• من المهم أن يأتي سريعاً موعد المحادثات السورية – الإسرائيلية المباشرة.
• إن سوريا قادرة على أن تلعب دوراً في حث حليفتها إيران على التعاون من أجل حل أزمة البرنامج النووي الإيراني.
هذا، ومن المتوقع أن يستمر التفاهم السوري – الفرنسي بما يمكن أن يؤدي إلى تقارب وتوحيد وجهات النظر بين الطرفين على النحو الذي يفسح المجال لجهة بناء أرضية مشتركة تؤسس لدبلوماسية خط دمشق – باريس المشتركة التي على الأغلب أن يتضمن جدول أعمالها المتوقع المزيد من التنسيق المشترك إزاء قضايا الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط إضافةً إلى التعاون بين ضفتي المتوسط.
* الإدراك الإسرائيلي لقمة دمشق السورية – الفرنسية:
تناولت الصحافة الإسرائيلية زيارة الرئيس ساركوزي إلى سوريا ولقاءه مع الرئيس الأسد بالكثير من محاولات التقليل من أهمية الدور الفرنسي في المنطقة إضافةً إلى محاولة التشكيك في نوايا الرئيس ساركوزي وعلى سبيل المثال لا الحصر يمكن الإشارة إلى الآتي:
• نشر موقع دبكة الاستخباري الإسرائيلي تقريراً مختصراً اتهم فيه ساركوزي بالتخلي عن الموقف الأمريكي الذي يتبنى إدانة البرنامج النووي الإيراني وأضاف التقرير قائلاً بأن ساركوزي قد قام بـ:
- التخلي عن موقف واشنطن إزاء إيران.
- التخلي عن وعوده التي قطعها للإسرائيليين بعدم القبول أو الموافقة على البرنامج النووي الإيراني.
وأشار التقرير إلى أن ساركوزي قد تجنب أي إشارة لأي عقوبات ضد إيران وبحسب رأي التقرير فإن موقف ساركوزي يمثل تجنبه وتفاديه الواضح القيام بتجريم أو إدانة إيران.
اتهم موقع دبكة الإسرائيلي الرئيس ساكوزي بأنه يقوم حالياً بدور الرئيس المتجول للاتحاد الأوروبي ولكنه يتبنى توجهات لم تتم الموافقة عليها بواسطة الاتحاد الأوربي. وأشار التقرير أيضاً إلى أن أمير قطر يمثل بدوره رئيس مجلس التعاون الخليجي وبالتالي فإن حديثه في القمة الرباعية يمثل بالضرورة رأي دول مجلس التعاون، وأكد الموقع بأن هدف قمة دمشق الحالية هو العمل من أجل وضع العراقيل بما يجعل قيام إسرائيل بشن أي هجوم عسكري ضد إيران مستحيلاً وهو أمر سيؤدي إلى إضعاف الموقف الأمريكي – الإسرائيلي.
• نشرت صحيفة أورشليم بوست الإسرائيلية تقريراً ركزت فيه على المزاعم بأن الرئيس ساركوزي يحمل رسالة من والد الجندي الإسرائيلي جيلعاد شاليت المعتقل بواسطة حركة حماس الفلسطينية، وزعمت الصحيفة أن ساركوزي سيسلم الرسالة إلى الرئيس الأسد ثم عادت الصحيفة وأكدت بأن الرسالة سيتم تسليمها لأمير قطر الذي سيسلمها بدوره لزعيم حركة حماس الأستاذ خالد مشعل، هذا، واللافت للنظر في تقرير الصحيفة هو تركيزها على ملف الصفقة حول شاليت وكأنما زيارة ساركوزي هدفت حصراً إلى حل هذه الأزمة، وللمزيد من الإيحاء أشارت الصحيفة إلى أن القاهرة قد فشلت في إنجاز الصفقة وبأن حماس أعلنت من جانبها تجميد هذا الملف وهو إيحاء يحاول بوضوح التقليل من الوزن الإقليمي والدولي لدبلوماسية خط دمشق – واشنطن وتحويلها لمجرد محاولة وساطة بواسطة ساركوزي بهدف الضغط على دمشق من أجل الضغط على حماس!!
برغم الشكوك التي سعى الإعلام الإسرائيلي لإثارتها حول مدى جدية ومصداقية زيارة الرئيس ساركوزي إلى دمشق فإن الأوساط الرسمية الإسرائيلية ستظل تتابع عن كثب ما الذي سيترتب على قمة الأسد – ساركوزي وقمة دمشق الرباعية التي ستضم الزعماء الأربعة: الرئيس الأسد، الرئيس ساركوزي، رئيس الوزراء التركي أردوغان، وأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني.
* ردود فعل واشنطن إزاء قمة دمشق الثنائية وقمة دمشق الرباعية:
تقول التسريبات الإسرائيلية بأن واشنطن حذرت تل أبيب من مغبة التمادي والخروج بالمحادثات مع سوريا خارج إطار المحادثات غير المباشرة وبكلمات أخرى فإن الموقف الأمريكي يشير إلى نوايا الإدارة الأمريكية الآتية:
• إفشال جهود أنقرة بما يترتب عليه إضعاف دور تركيا الإقليمي.
• محاصرة أولمرت بحيث لا يحقق أي نجاح في المحادثات وذلك بحيث تفشل المحادثات في النهاية وتصبح الفرصة سانحة لصعود الليكود بزعامة نتينياهو.
• قطع الطريق أمام أي محادثات سورية – إسرائيلية مباشرة في هذا الوقت وهو أمر سيؤدي بدوره إلى قطع الطريق أمام محاولات تل أبيب الدخول إلى محادثات أنقرة ورعاية محادثات السلام السورية – الإسرائيلية والمباشرة المتوقعة، وهدف واشنطن من ذلك واضح وهو معاقبة ساركوزي بسبب تحركاته في إدارة أزمة روسيا – جورجيا وهي التحركات التي ترتب عليها فشل مشروع أمريكي – إسرائيلي يهدف إلى دفع الاتحاد الأوروبي باتجاه فرض العقوبات ضد روسيا.
إن عدم السماح بأي صعود للدبلوماسية الفرنسية لا في الساحة الإقليمية ولا الدولية وذلك لأن المنافس التقليدي للدبلوماسية الأمريكية في المعسكر الغربي هو الدبلوماسية الفرنسية، والتي من المؤكد أن يؤدي صعودها إلى:
• إضعاف نفوذ واشنطن على دول المعسكر الغربي.
• إضعاف نفوذ واشنطن على دول العالم الثالث وعلى وجه الخصوص حلفاء فرنسا.
• إضعاف مركز واشنطن في علاقات عبر الأطلنطي.
• إعادة إنتاج ملف الاستقلالية الأوروبية عن واشنطن.
وتجدر الإشارة إلى أن الأسلوب الأمريكي غير المعلن الذي أصبح الآن معلناً، ضد الدبلوماسية الفرنسية قد سبق أن أشار إليه زعيم المحافظين الجدد ريتشارد بيرل عندما كتب مقالاً في صحيفة واشنطن بوست طالب فيه الإدارة الأمريكية بأن تستمر في التعاون مع فرنسا والسعودية وفي الوقت نفسه عليها أن تنتبه إلى الحقيقة القائلة بأن كلا الدولتين هما من أعداء أمريكا الرئيسيين في العالم.
عموماً، نقول إذا بدأت باريس في إدراك نوايا واشنطن واتجهت نحو التخلي عنها فمتى ستدرك الرياض حقيقة نوايا واشنطن خاصة أن رحلة الشتاء والصيف لن تكتمل إلا بوجود الشام ولابد منها وإن طال السفر إلى واشنطن!!
|