تقول المعلومات الواردة من بيروت بأن سمير جعجع قائد ميليشيا القوات اللبنانية سوف يغادر لبنان متوجهاً إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وبرغم تكرار ظاهرة سفر زعماء قوى 14 آذار وكبار مسؤولي حكومة السنيورة إلى واشنطن وباريس وبعض العواصم الغربية الأخرى فإن ثمة ما يدعو للانتباه أكثر فأكثر عند ما يكون الزعيم المسافر هذه المرة ليس جنبلاط ولا سعد الحريري، إنما هو سمير جعحع أو "القاتل المدان" (the indicted killer) كما يسميه بعض الخبراء والمحللين الأمريكيين المهتمين بشؤون الشرق الأوسط ولبنان.
* زيارة جعجع إلى أمريكا: الطابع الاستثنائي والخصوصية
يشير الأداء السلوكي لثلاثي زعماء قوى 14 آذار بأنهم يتوزعون الأدوار بحيث يركز أداء سعد الحريري على الجوانب المالية والشؤون السياسية، بينما يركز وليد جنبلاط على الجوانب السياسية وشؤون الموحدين الدروز، أما بالنسبة لسمير جعجع وأمين الجميل فالملاحظ أن الأخير أكثر تركيزاً على الشؤون المارونية والسياسية بينما ينصب تركيز جعجع حصراً على "الجوانب غير المعلنة" التي تتمثل في الجوانب العسكرية والاستخبارية. بالنسبة للتفاهمات مع واشنطن وباريس كان يقوم بها دائماً جنبلاط وأمين الجميل وبقدر أقل سعد الحريري بسبب عدم "فهمه" في السياسة والآن عندما يتم الإعلان عن زيارة سمير جعجع إلى العاصمة الأمريكية واشنطن فإن الأمر لا بد أن يلفت ويثير الانتباه.
* زيارة واشنطن: لماذا سمير جعجع هذه المرة؟
بثت قناة العربية الفضائية لقاءً تلفزيونياً يوم أمس الجمعة استضافت فيه المذيعة اللبنانية جزيل خوري –زوجة الصحفي اللبناني المغدور سمير قصير- سمير جعجع، وكان موضوع اللقاء زيارته إلى واشنطن، ومن خلال الحوار أشار جعجع إلى النقاط الآتية حول أهداف وبرنامج زيارته:
• تهدف الزيارة إلى قيام جعجع بزيارة وتفقد مكاتب حزب القوات اللبنانية المنتشرة –على حد تعبيره- في كل المدن والولايات الأمريكية.
• تفادى سمير جعجع الإجابة على أسماء ومناصب المسؤولين الأمريكيين الذين سيقوم بمقابلتهم في أمريكا.
• أكد جعجع بأن حزب القوات اللبنانية يقوم حالياً بدراسة لتحديد المسؤولين الأمريكيين الذين ستتم مقابلتهم.
• ألمح جعجع إلى احتمالات حدوث مواجهة بين إسرائيل وحزب الله ولكنه نفى أي احتمالات لحدوث مواجهة سورية – إسرائيلية.
• وعلى خلفية التوضيحات الغامضة التي تميزت بها عبارات سمير جعجع يمكن القول بأن هدف اللقاء الذي أجرته جزيل خوري مع قائد القوات اللبنانية كان لـ"لفلفة" الأبعاد غير المعلنة لزيارة واشنطن وبث الإشارات الخاطئة للرأي العام اللبناني والعربي لكي يدرك بأن مهمة سمير جعجع لمجرد تفقد مكاتب القوات اللبنانية وأنصار حركته من المهاجرين اللبنانيين إلى أمريكا، وحتى الآن لم يقرر جعجع من سيقابل من المسؤولين الأمريكيين.
* القرار فيما وراء السطور والكلمات:
أهداف وأبعاد زيارة سمير جعجع إلى واشنطن تجد مقدماتها الأساسية في الأداء السلوكي والأدوار الخفية التي كان يقوم بها جعجع في فترة الحرب الأهلية اللبنانية، وما هو أهم هو أدواره خلال الفترة الممتدة من لحظة العفو عنه وإطلاق سراحه حتى الآن.
تحدث إيف بونييه المدير السابق لجهاز مكافحة التجسس الفرنسي مشيراً إلى النقاط التالية:
• إن هناك ثلاثة أطراف خارجية تسعى لتوطيد وجودها ونفوذها في لبنان وهي الولايات المتحدة ومن ورائها السعودية وإسرائيل.
• إن سوريا بعيدة كل البعد عن الاغتيالات التي حدثت في لبنان.
• الرباعي جعجع – جنبلاط – الحريري – السنيورة يخضعون كلياً لما يمليه عليهم اليهودي الأمريكي ديفيد وولش.
• سمير جعجع لا يخشى الاغتيال لقربه من الجهة التي تنفذ الاغتيالات.
كذلك نشير إلى ما أورده موقع أراب رينيوال في أحد تقاريره من معلومات تشير إلى أن خمسة أسرى لبنانيين في السجون الإسرائيلية هم أحمد طالب، حسين طليس، أحمد جلول، حسين رميتي، حسين أحمد، قد تقدموا إلى قاضي التحقيق الأول في بيروت بعريضة اتهام تشير إلى أن سمير جعجع هو الذي قام باختطافهم وتسليمهم لإسرائيل، كما تجدر الإشارة إلى أن إدانة سمير جعجع بهذه التهمة قد تصل عقوبتها إلى الإعدام. وتشير المعلومات إلى أن قوات سمير جعجع قد قامت بخطف ثلاثة من هؤلاء اللبنانيين خلال توجههم إلى مرفأ بيروت أما الاثنان الآخران فقد اختطفتهم قوات سمير جعجع خلال تواجدهم في منطقة مونتيفيردي. وبعد أن تم احتجازهم ثم أصدر جعجع أوامره بتسليمهم إلى إسرائيل وبالفعل تم تسليمهم للإسرائيليين الذين قاموا بنقلهم على ظهر بارجة حربية إسرائيلية إلى السجن في إسرائيل.
الوقائع المشار إليها إضافة إلى تصريحات مدير جهاز مكافحة التجسس الفرنسي التي يتوجب الاستناد إليها في فهم خصوصية وطبيعة زيارة سمير جعجع إلى واشنطن ونوعية المسؤولين الأمريكيين الذين سوف يقابلهم سمير جعجع في العاصمة الأمريكية ويمكن في هذا الصدد الإشارة إلى الآتي:
• من الممكن أن يقابل الأمريكيون سمير جعجع في لبنان ولكن لـ"حساسية" المسؤولين الذي ستتم مقابلتهم فإنه من غير الممكن أن تتم المقابلة في لبنان بسبب عدم الرغبة في الكشف عن هؤلاء المسؤولين لأن معرفة الرأي العام اللبناني لهم ستثير الكثير من الشكوك إضافة إلى الجو العام في لبنان بعد اغتيال القائد العسكري اللبناني عماد مغنية، هي أجواء لا تسمح للمسؤولين لا الأمريكيين ولا الإسرائيليين بالدخول في مغامرة لبنان.
• سلسلة الاغتيالات التي تم تنفيذها بشكل دقيق ومحكم في الساحة اللبنانية هي اغتيالات أصبح تصعيدها يحتاج المزيد من التنسيق المحكم خاصة وأن الرأي العام اللبناني أصبح أكثر انتباهاً وشكوكاً حول طبيعة وهوية الأيادي الخفية التي قامت بتنفيذ الاغتيالات المتشابهة والمتطابقة السيناريوهات. ومن المحتمل أن يكون هناك لقاء استخباري رفيع المستوى يضم سمير جعجع والموساد الإسرائيلي ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية.
• برغم عدم الكشف عن الوقائع التي اكتنفت عملية اغتيال عماد مغنية فإن ثمة تساؤلاً حول إمكانية أن يكون لسمير جعجع دور ما فيها، إن لم يكن في التنفيذ فهو دور يتعلق بجانب تقديم المعلومات الاستخبارية التي قادت إلى عملية الاغتيال. فهل زيارته إلى واشنطن هي الزيارة التي سيقوم فيها جعجع باستلام "الجائزة الكبرى" باعتباره صاحب المعلومات التي قادت إلى اكتشاف عماد مغنية.
• الاغتيالات والعمليات الاستخبارية السرية التي حدثت خلال فترة ما بعد خروج جعجع من السجن وتحدث الآن، بالتأكيد قد أدت إلى صعود نجم سمير جعجع في دوائر واشنطن ودوائر تل أبيب ودوائر فرنسا. فهل ستتضمن زيارة جعجع لواشنطن التفاهم حول تنفيذ بعض العمليات السرية في المرحلة القادمة التي قد تستهدف هذه المرة كبار زعماء قوى 14 آذار بما يعطي المحفزات الأكثر فعالية لديناميكيات صعود النزاع والصراع اللبناني – اللبناني.
• هل ستنحصر خدمات شبكة سمير جعجع ضمن البيئة الداخلية اللبنانية أم ستقوم في المراحل القادمة بتقديم خدماتها "العابرة للحدود" بما يشمل بقية أجزاء منطقة الشرق الأوسط.
• هل سوف تتضمن قائمة استهدافات القوات اللبنانية وشبكة سمير جعجع بعض القوى والرموز الأكثر خطورة في المنطقة مثل زعماء حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية والقيام بتنفيذ سيناريو اغتيال الزعماء الفلسطينيين الموجودين في البلدان العربية وفقاً لنفس نموذج اغتيال عماد مغنية. بكلمات أخرى، هل النجاح في اغتيال مغنية أعطى المزيد من المصداقية لـ"مكانة" سمير جعجع في محور واشنطن – تل أبيب، والآن قد آن الأوان لإعطاء سمير جعجع "دوراً" أكبر يتوازن مع الـ"مكانة" الجديدة التي حصل عليها بعد نجاح عملية اغتيال مغنية واغتيال ضابط قوى الأمن اللبناني وسام عبدو الذي تقول التسريبات بأن عملية اغتياله قد أدت إلى "دفن" الأسرار التي تكشف هوية من قاموا باغتيال الحريري وبقية الضحايا والمغدورين اللبنانيين. وقد صرح مدير جهاز مكافحة التجسس الفرنسي قائلاً بأن الاغتيالات التي حدثت في لبنان كان القصد منها ليس استهداف الأشخاص وإنما تصعيد التوتر، فبيار الجميل لضمان استمرارية اشتعال فتيل الأزمة، وسمير جعجع يشعر بالقوة والطمأنينة لأنه يقف في الجهة التي تنفذ الاغتيالات، كما أن هذه الاغتيالات من الممكن اكتشافها ولكن ليس في لبنان لأنهم في لبنان لا يريدون البحث جيداً.
وتأسيساً على ذلك، نقول بأن اكتشاف أجندة زيارة سمير جعجع إلى واشنطن هو أمر يتطلب البحث جيداً، ومن المعروف أن قوى 8 آذار قادرة على هذا البحث الجيد طالما أنها تدرك مدى خطر سمير جعجع وشبكته وقواته، فهل فكر زعماء حركة 14 آذار في مدى خطر التهديد الكامن في وجود سمير جعجع وقواته وشبكته أم أنهم سوف ينتظرون مرة أخرى قدوم سمير جعجع إلى واشنطن وحدوث المزيد من الاغتيالات في صفوف زعماء قوى 14 آذار ؟
|