الجمل: يعتبر حزب الله اللبناني من أكثر الأطراف اللبنانية رفضاً ومقاومة لأجندة التدخل الأجنبي بواسطة إسرائيل وأمريكا وفرنسا وغيرها من بلدان أوروبا الغربية في الشأن الوطني اللبناني. وقد سبق أن أكد حزب الله على ذلك عملياً عندما تصدى لمهاجمة العناصر والمنشآت الأمريكية عندما كانت الحكومة الأمريكية تتدخل في الشأن اللبناني، الأمر الذي أدى إلى تخلي الإدارات الأمريكية عن التدخل بالوسائل العسكرية في لبنان والاكتفاء بالوسائل السياسية.
* خطوط حزب الله الحمراء: ماذا تقول الفرضية؟
تقول الفرضية الجديدة أن فرنسا أصبحت أكثر تدخلاً في الشأن اللبناني، إضافة إلى أن حكومة ساركوزي الجديدة لم تعد تتدخل بأجندة فرنسية وإنما تقوم بالتسويق والترويج بالوكالة عن البيت الأبيض لأجندة أمريكية هي بالأساس إسرائيلية المنشأ والأصل، أو بالأحرى هي إسرائيلية ولكن بـ"شهادات منشأ" أمريكية مثلها تماماً مثل السلع الإسرائيلية التي تدخل الأسواق العربية بشهادات منشأ مصرية أو أردنية، فهل سيقبل حزب الله بالتحركات الفرنسية الجارية في الساحة اللبنانية؟ وما هي حدود صبر حزب الله؟ وهل هناك خطوط حمراء إذا تعدتها فرنسا فإنها ستصبح هدفاً لحزب الله، الذي لم يتردد في مواجهة جبروت أمريكا وبالتالي فإن مواجهة فرنسا لن تكون أمراً صعباً بالنسبة إليه؟
أشار تقرير ستراتفورد الاستخباري الاستراتيجي الأمريكي إلى أن يكون حزب الله قد خطط لاستهداف المصالح الفرنسية في لبنان إما عن طريق شن الهجمات عليها أو على الأقل التهديد والتلويح بذلك على النحو الذي يردع قصر الإليزيه من المضي قدماً في تسويق الأجندة الأمريكية – الإسرائيلية الأصل في الساحة اللبنانية. وتشير التحليلات إلى أن فرنسا إن استمرت في خطها الحالي فإن مسألة مواجهة حزب الله اللبناني ستكون مسألة وقت لا أكثر.
* حزب الله وسيناريو المواجهة مع فرنسا:
أشار تقرير ستراتفورد إلى أن المصالح الفرنسية الأكثر عرضة للاستهداف ستكون:
• المنشآت الدبلوماسية الفرنسية.
• الفصيلة العسكرية الفرنسية التابعة لقوات اليونيفيل.
وأشار التقرير إلى أن حزب الله سوف ينتظر انتهاء زيارة الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى إلى بيروت، خاصة وأنها زيارة لم يتوقع حزب الله وغيره بأنها سوف تؤدي إلى تحقيق أي اختراق باتجاه حل الأزمة وسوف يكون مصيرها الفشل، وهذا الفشل في حد ذاته هو الذي سيوفر لحزب الله بناء الذرائع التي تبرر له استهداف المصالح الفرنسية في لبنان. كما استنتج التقرير بأن سيناريو مواجهة حزب الله – فرنسا، هو سيناريو يعتمد فيه حزب الله على فرضية أن حكومة ساركوزي سوف تجد نفسها تحت تأثير الضغوط أمام خيارين:
• الضغط على حلفائها اللبنانيين من أجل القبول بصفقة مقبولة من جانب حزب الله.
• الانسحاب من الملف اللبناني وهو أمر سيترتب عليه خسائر كارثية بالنسبة لفرنسا في الشرق الأوسط من أبرزها:
* خروج فرنسا نهائياً من لبنان لأن أمريكا وغيرها سوف تعمل على ملء الفراغ الفرنسي ولن تتخلى عنه مرة أخرى لفرنسا مهما كان الثمن.
* تراجع النفوذ والتأثير الفرنسي عن كامل منطقة شرق المتوسط.
* خسارة أحد الأوراق الهامة لأن الملف اللبناني هو ورقة بيد فرنسا تستخدمه في المساومات عبر الأطلنطي بينها وبين واشنطن.
* إضعاف علاقات تل أبيب – باريس لأن إسرائيل تستفيد كثيراً من الدور الفرنسي في لبنان وفي حالة خروج فرنسا منه لن يكون لباريس أي قيمة عملية في شرق المتوسط بالنسبة لتل أبيب.
أما خيار التصعيد والتورط في لبنان فهو غير متاح بالنسبة لباريس لأن السياسة الخارجية الفرنسية ظلت ترتكز دائماً على عدم التورط في المواجهات والاعتماد على الدبلوماسية الوقائية كوسيلة للتدخل السياسي في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى.
* توازنات قصر الإليزيه بين "السراي الكبير" و"الضاحية الجنوبية":
خط "قصر الإليزيه" – "السراي الكبير" هو خط يتضمن الكثير من الملفات والأجندة المعلنة وغير المعلنة، ومهمة "قصر الإليزيه" ذات الأولوية القصوى في الوقت الحالي هي الحفاظ على استمرارية حكومة السنيورة في "السراي الكبير" خاصة وأن هذه الاستمرارية تمثل المطلب الرئيسي لمحور واشنطن – تل أبيب المرتبط به "قصر الإليزيه". أما الأهداف الأخرى لقصر الإليزيه فهي توظيف "السراي الكبير" بعد الحصول على "قصر بعبدا" إلى جانبه، لإنجاز العديد من الملفات الأخرى المحددة سلفاً بواسطة محور واشنطن – تل أبيب وأبرزها:
• نزع سلاح حزب الله والمقاومة الوطنية اللبنانية.
• نشر القوات الأمريكية وقوات حلف الناتو في لبنان على خلفية الذرائع والمبررات التالية:
* محاربة الإرهاب.
* دعم قدرات الجيش اللبناني.
• توظيف القرارات الدولية لاستهداف سوريا.
• توقيع معاهدة سلام إسرائيلية – لبنانية تتيح لإسرائيل استخدام الساحة اللبنانية للأغراض الأمنية.
أما بالنسبة لخط "قصر الإليزيه" – "الضاحية الجنوبية" فهو خط غير مباشر يقوم توازنه على حساب الردع غير المباشر أيضاً لأن:
• قصر الإليزيه يدرك وزن "الضاحية الجنوبية" السياسي داخل وخارج لبنان.
• قصر الإليزيه يدرك أن محاولة استئصال حزب الله هي محاولة غير ممكنة إن لم تكن مستحيلة بسبب ارتباط أكثر من ثلث اللبنانيين ببرنامج حزب الله.
• قصر الإليزيه يدرك أن فرض العقوبات الفرنسية ضد حزب الله معناه فرض العقوبات على مجلس الوزراء والنواب اللبناني، الأمر الذي يقضي على قنوات تواصل باريس مع السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية اللبنانية.
• قصر الإليزيه يدرك أن الضغط المتزايد على حزب الله سيؤدي إلى تهديد المصالح الفرنسية في لبنان.
• قصر الإليزيه يدرك أن المواجهة اللبنانية – اللبنانية داخل الساحة اللبنانية ستؤدي إلى إضعاف إن لم يكن سيطرة حلفاء محور واشنطن – تل أبيب على مجلس الوزراء ومجلس النواب اللبناني.
* خط "قصر الإليزيه" – "الضاحية الجنوبية" بين الحسابات اللبنانية الداخلية والإقليمية والدولية:
الخلافات اللبنانية – اللبنانية ترتبط بقدر كبير بالحسابات الإقليمية المرتبطة بدورها بالحسابات الدولية. بكلمات أخرى، فإن العداء الدولي بواسطة أمريكا وفرنسا وبقية الدول الغربية سببه أن حزب الله أصبح تأثيره يتجاوز الساحة اللبنانية ويدخل ضمن حسابات معادلة الصراع العربي – الإسرائيلي الإقليمية ومعادلة الصراع الإسرائيلي الإيراني الإقليمية أيضاً. الإدراك الغربي –وبالتالي الفرنسي- الموالي لإسرائيل ينظر بوضوح إلى حزب الله باعتباره يشكل خطراً على الأمن الإسرائيلي، وبالتالي فإن صيغة الصراع هي التي تفرض نفسها على خط قصر الإليزيه – الضاحية الجنوبية، ولن تتحول إلى صيغة تعاون مهما يكن الأمر إلا إذا تخلت إسرائيل عن مطامعها التوسعية وقبلت بالسلام العادل القائم على رد الحقوق المشروعة.
عموماً، محاولة قصر الإليزيه في الحفاظ على توازن المصالح الفرنسية ضمن البيئة السياسية اللبنانية المضطربة سياسياً وأمنياً هي محاولة مصيرها الفشل، ليس لأن حزب الله يتربص بفرنسا وبالمصالح الفرنسية، فقد لاحت فرص كثيرة لحزب الله لكي يستهدف المصالح الفرنسية ولكنه استمر في التأكيد والرهان على الوسائل السياسية بدلاً من العسكرية، ومصدر الخطر الرئيسي على المصالح الفرنسية في لبنان هو العمليات السرية الإسرائيلية – الأمريكية لأن مخططات الموساد الإسرائيلي ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية سوف تركز في لحظة ما على ضرورة توريط فرنسا في الرمال المتحركة اللبنانية والشرق أوسطية، عن طريق سيناريو تنفيذ الاعتداءات ضد المنشآت والمصالح الفرنسية ومحاولة تحميل حزب الله مسؤوليتها. ومخطط هذا السيناريو لن يكون صعباً أو بعيداً عن متناول "الأيادي الخفية" التي نفذت الكثير من العمليات الإجرامية الجريئة داخل لبنان.
تقرير موقع ستراتفورد الاستراتيجي الاستخباري الأمريكي لا يمكن أن نؤكد على مصداقيته، ومن الممكن أن يكون ظهور هذا التقرير مجرد مقدمة لتمهيد المسرح استعداداً لسيناريو العمليات السرية المتوقع تنفيذها ضد المصالح الفرنسية في لبنان بما يؤدي بالنتيجة لاستهداف حزب الله ودفع الحكومة الفرنسية لتبني مشروع وضع اسم حزب الله ضمن لائحة الإرهاب الأوروبية، وتبني مشروع دولي جديد يهدف لتوسيع ولاية وصلاحيات ومهام قوات اليونيفيل الموجودة حالياً في جنوب لبنان بما يؤدي إلى إكمال عملية التدويل العسكري والأمني للأزمة اللبنانية يعد أن تم تدويلها سياسياً.
|