تشير المعطيات الجارية إلى أن السياسة الخارجية الأمريكية إزاء الشرق الأوسط ستشهد المزيد من التغييرات القادمة، وذلك على خلفية مغادرة إدارة بوش للبيت الأبيض ودخول إدارة أوباما بدلاً عنها وعلى هذا الأساس تحاول مراكز الدراسات الاستراتيجية القيام بالمزيد من التغييرات المتوقعة في السياسة الخارجية الأمريكية الشرق أوسطية وتحديداً إزاء سوريا التي ستظل لفترة طويلة قادمة تمارس حضورها القوي على معادلة التوازنات الجو-سياسية والاستراتيجية الإقليمية والدولية المتعلقة بمنطقة الشرقين الأوسط والأدنى.
* آخر إصدارات مراكز الدراسات حول سوريا:
نشر مركز أورشليم للسياسة العامة الإسرائيلي ورقة بحثية ركزت على توجهات السياسة الخارجية الأمريكية الشرق أوسطية الجديدة إزاء سوريا وتداعيات ذلك على إسرائيل. هذا، ويمكن الإشارة إلى المعلومات الشكلية المتعلقة بالورقة البحثية على النحو الآتي:
• عنوان الورقة: توجهات إدارة أوباما إزاء سوريا: التداعيات على إسرائيل.
• كاتب الورقة: أعد الورقة اليهودي الأمريكي ديفيد شينكر الذي يعمل حالياً خبيراً للسياسات العربية بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى وبقية مراكز دراسات اللوبي الإسرائيلي إضافة إلى أنه كان خلال الفترة من عام 2002 حتى عام 2006 يعمل في مكتب وزير الدفاع الأمريكي السابق دونالد رامسفيلد مدير شعبة شؤون سوريا – لبنا – الأردن – والأراضي الفلسطينية. وتجدر الإشارة إلى أن ديفيد شينكر يعمل أيضاً في إسرائيل عضواً في الهيئة الاستشارية لمعهد الشؤون المعاصرة التابع لمركز أورشليم للشؤون العامة الإسرائيلي.
• حجم الورقة: تقع الورقة البحثية في خمس صفحات من القطع المتوسط.
• نشر الورقة: تم نشرها في الموقع الإلكتروني الخاص بمركز أورشليم للشؤون العامة الإسرائيلي.
تجدر الإشارة إلى أن معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى التابع للوبي الإسرائيلي قد اهتم بنشر الورقة على موقعه الإلكتروني بشكل متزامن مع نشرها في إسرائيل.
* ماذا حملت ورقة ديفيد شينكر؟
تطرقت الورقة البحثية لتوجهات إدارة أوباما إزاء سوريا ومدى تأثيرات وتداعيات هذه التوجهات على إسرائيل هذا، وقد تناولت الورقة الموضوع على النحو الآتي:
• التمهيد: تطرقت الورقة إلى خمسة نقاط باعتبارها تمثل محور البحث:
النقطة الأولى: شهدت دمشق خلال مطلع شهر آذار 2009 الحالي زيارة اثنين من كبار المسؤولين الأمريكيين في زيارة لعقد لقاءات ثنائية مع القيادة السورية اعتبرتها الأوساط الدبلوماسية الأولى من نوعها لجهة حدوثها بعد طول انقطاع. إضافة إلى أهمية هذه الزيارة لجهة أنها تمثل جزءاً من سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة الساعية إلى التعامل مع سوريا. وتسعى واشنطن لاختبار نوايا دمشق إزاء مدى قابليتها للابتعاد عن إيران وفي الوقت الذي يبدو فيه أن إعادة الارتباط والتحالف الاستراتيجي مع دمشق غير محتمل الحدوث في المدى القريب فإن الخطوة الدبلوماسية الأولى بالتأكيد ستكون من أجل تصعيد الضغط الدولي على دمشق.
النقطة الثانية: أعلنت دمشق صراحة تفضيلها لصعود باراك أوباما في شهر تشرين الثاني الماضي، وفي الوقت نفسه ظهر الناطق الرسمي السوري وهو يحدد الشروط المسبقة للحوار البناء مطالباً واشنطن بإسقاط عقوبات قانون محاسبة سوريا وإزالة اسم سوريا من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
النقطة الثالثة: التعامل الدبلوماسي الأمريكي مع سوريا جاء في وقت حرج وشديد الحساسية لجهة أنه قبل الانتخابات البرلمانية اللبنانية ببضعة أشهر وهي الانتخابات التي تواجه فيها قوى 14 آذار التحدي من قوى 8 آذار التي يقودها حزب الله وقد اتخذت واشنطن خطوات لدعم وتعزيز قوة حلفائها اللبنانيين المتمثلين في قوى 14 آذار.
النقطة الرابعة: إذا أحرز حوار الولايات المتحدة مع دمشق التقدم فإن واشنطن يمكن أن توافق وتقبل القيام بدور أكبر إزاء استئناف المفاوضات السورية – الإسرائيلية، إضافة لذلك، فإن مشاركة الولايات المتحدة في مسار المفاوضات السورية – الإسرائيلية يمكن أن تسفر عن ضغوط إضافية من أجل قيام إسرائيل بتقديم بعض التنازلات مقدماً لقيام سوريا بإجراء أي تعديلات لموقفها إزاء حزب الله وحركة حماس.
النقطة الخامسة: تأسيساً على خبرة المسار السوري السابقة فإن هناك تفاؤلاً قليلاً بأن إدارة أوباما ستحقق النجاح فيما فشل في تحقيقه الآخرون.
هذا، وعلى خلفية هذه النقاط تناول تحليل ورقة ديفيد شينكر المعطيات الآتية:
أولاً: التمهيدات الأمريكية باتجاه سوريا:
في مطلع شباط 2009 الماضي وافقت الإدارة الأمريكية على بيع سوريا قطع غيار طائرات البوينغ 747 السورية، التي ظلت متوقفة عن العمل لفترة طويلة بسبب قرار إدارة بوش الذي حرم دمشق من الحصول على قطع الغيار، وبرغم أن هذه الطائرات تستخدم للأغراض المدنية، فقد بررت إدارة بوش موقفها بأنها تعتقد أن دمشق تستخدم هذه الطائرات للأغراض العسكرية، ونقل العتاد من إيران وكوريا الشمالية إلى سوريا وحزب الله. وبعد ذلك بأسابيع وافقت وزارة الخزانة الأمريكية على تحويل مبلغ نصف مليون دولار لجمعية دعم الأطفال المصابين بالسرطان وعلى هذه الخلفية، فإن قرار السماح بقطع الغيار وقرار السماح بتمويل المبلغ، نظر إليهما المراقبون باعتبارهما قرارين يطلقان الإشارة إلى أن الإدارة الأمريكية الجديدة بدأت في تخفيف العقوبات ضد سوريا.
هذا، وفي 26 شباط 2009 تم عقد لقاء في وزارة الخارجية الأمريكية بين السفير السوري في واشنطن عماد مصطفى، وجيفري فيلتمان المساعد المكلف لوزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط. وبعد ذلك ببضعة أيام صافحت وزيرة الخارجية كلينتون نظيرها السوري المعلّم، وتبادلت معه بضعة كلمات خلال مؤتمر شرم الشيخ الخاص بالمانحين لإعمار غزة، بعد ذلك أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية أن السفير فيلتمان ودانيال شابيرو مدير شؤون الشرق الأوسط بمجلس الأمن القومي سيقومان بزيارة إلى سوريا.
ثانياً: تقليل التوقعات: اتخذ البيت الأبيض الأمريكي ووزارة الخارجية الترتيبات والخطوات اللازمة لتخفيض سقف التوقعات في دمشق، ثم كان تعيين فيلتمان مخيباً للآمال في دمشق بسبب دور فيلتمان المناوئ والمعادي لسوريا خلال فترة عمله في لبنان. إضافة لذلك، أطلق المسؤولون الأمريكيون تصريحات حاولت التأكيد على أن واشنطن ما زالت أكثر اهتماماً بالاعتراض على علاقات دمشق بطهران وحزب الله وحركة حماس والمنظمات الفلسطينية.
ثالثاً: تحسب سوريا للتعامل مع واشنطن: أظهرت دمشق بوضوح تفضيلها لصعود إدارة أوباما منذ شهر تشرين الثاني 2008 وحددت دمشق مشروطيات تعاملها مع واشنطن على أساس اعتبارات ضرورة قيام واشنطن بإسقاط العقوبات وقانون محاسبة سوريا وإزالة اسمها من قائمة الدول الراعية للإرهاب. إضافة لذلك، فقد كان الأداء السلوكي الدبلوماسي السوري سيتميز بالعديد من العوامل التي هدفت إلى تحفيز واشنطن كان من أبرزها اهتمام دمشق بتطوير روابطها مع فرنسا والاتحاد الأوروبي إضافة إلى إطلاق دمشق العديد من التصريحات التي تزامنت مع زيارات أعضاء الكونغرس لسوريا، والتي حملت الإشارات التي تفيد لجهة أن دمشق تتبنى مذهبية دبلوماسية الانفتاح للحوار والتفاهم.
رابعاً: اهتمامات السياسية الأمريكية: ركز التعامل الأمريكي الأخير مع دمشق بقدر كبير على استطلاع واستكشاف مدى إمكانية إبعاد دمشق عن طهران، طالما
أن واشنطن ترى أن حدوث ذلك سيتيح لها القيام بإعادة التوجيه الاستراتيجي لدمشق طالما أن الذي سيترتب على إعادة التوجيه الاستراتيجي لدمشق سيتمثل في إنهاء دعم دمشق لحزب الله وحركة حماس وحركات التمرد العراقي، إضافة إلى تحسين موقف حلفاء واشنطن في تل أبيب وبغداد وبيروت ورام الله، هذا وتحاول إدارة أوباما هندسة إعادة علاقات واشنطن – دمشق دون إلحاق الأضرار بموقف حلفائها في بيروت.
خامساً: مدى صلاحية إسرائيل للتلاؤم: تسعى واشنطن إلى إبعاد دمشق عن طهران ثم إعادة التوجيه الاستراتيجي لدمشق ثم تطوير السلام السوري – الإسرائيلي وحالياً على خلفية انقسام حماس – فتح، فإن هناك البعض في تل أبيب وواشنطن أصبحوا يرون المسار السوري باعتباره الأكثر واقعية وقابلية للتفعيل.
سادساً: الاستنتاجات: توصلت الورقة إلى الاستنتاجات الآتية:
• اتخذت إدارة أوباما الخطوات الأولى إزاء التعامل مع سوريا وتميزت هذه الخطوات بالحذر الشديد لجهة تفادي أن يلحق ذلك ضرراً بالمصالح الأمريكية في لبنان.
• خلال الأشهر القادمة ستواصل واشنطن حوارها مع دمشق سعياً وراء اختبار نوايا دمشق.
• بالنسبة لواشنطن وتل أبيب سيكون الموقف هو الإبقاء على سقف التوقعات في دمشق منخفضاً.
• تتمتع دمشق حالياً بالقوة لجهة النفوذ ولجهة الروابط مع حلفائها ومن الصعب في الوقت الحالي أن تحقق واشنطن نجاحاً في عملية التحويل الاستراتيجي لتوجهات دمشق.
عموماً، يمكن الإشارة إلى أن ورقة شينكر قد سعت إلى التأكيد على وجهة نظر اللوبي الإسرائيلي التي تراهن على أن دبلوماسية خط واشنطن – دمشق لن تعود بالفائدة إلى الإدارة الأمريكية وبأن مواقف واشنطن الجديدة إزاء دمشق يجب أن لا تتضمن تغييراً عن توجهات واشنطن السابقة، وبالتالي فإن الهدف الحقيقي غير المعلن لجماعات اللوبي الإسرائيلي هو القيام بالمزيد من المحاولات الاستباقية لإبطال مفعول مساعي الإدارة الأمريكية الجديدة لاستئناف علاقات خط واشنطن – دمشق ومن أبرز ما قام به شينكر هو تأكيده لضرورة الإبقاء على سقف توقعات دمشق منخفضاً، وبكلمات أخرى فإن مصطلح تخفيض سقف التوقعات دفع الإدارة الأمريكية باتجاه تسليم ملف دبلوماسية دمشق إلى خصومها من بقايا إدارة بوش الذين ما زالوا موجودين يمارسون حضورهم القوي في وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي الأمريكي.
|