هل استخدمت واشنطن النظم العربية للترويج لفرضية تورط سوريا في اغتيال الحريري؟
لماذا لم تعلن لجنة التحقيق كامل الحقائق عن أجهزة التشويش الإسرائيلية التي استخدمها موكب الحريري؟
وما هي الدوافع وراء تصوير سوريا أمام العالم وبشكل دائم على أنها راعية للإرهاب؟
وما هي العلاقة بين اللبنانيين المهاجرين ومقتل الحريري؟
ولماذا تورط أبناء الحريري في اتهام سوريا، برغم المعلومات التي وضعها أمامهم جهاز مخابرات أوروبي غربي ' والتي تنفي تورط سوريا ؟.
تلك الأسئلة وغيرها أجاب عليها خبير ألماني في علوم الجرائم السياسية، في كتابه الذي صدر في برلين هذا الأسبوع ، واعتبره النقاد أحد أجرأ الكتب التي تناولت وعالجت قضية مقتل رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري . المتخصص الألماني أسمه يورجن كاين كولبه Jürgen Cain Külbel ، وعنوان كتابه :
Mordakte Hariri
Unterdrückte Spuren im Libanon
' ملف مقتل الحريري – إخفاء الأدلة في لبنان '
وصدر عن دار نشر Kai Homilius Verlag
Jürgen Cain Külbel
يقول الألماني المتخصص في علم الجريمة، أن تفجير موكب الحريري في الرابع عشر من فبراير 2005 في بيروت، تحول إلى سبب استندت عليه الولايات المتحدة الأمريكية لخلخلة الأوضاع بشكل كامل في لبنان، وحصد المزايا السياسية عن ذلك في كل المنطقة، هذا إلي جانب تسخير الأمم المتحدة لتبني الرؤية الأمريكية بكامل تفاصيلها عن الحادث، وتحريك الشارع اللبناني على نحو عجل بإعادة خلط الأوراق هناك ، لصالح إسرائيل بالدرجة الأولى، هذا علاوة على التهديدات التي وجهتها واشنطن والدول الغربية لسوريا، استناداً على فرضية تورطها في مقتل الحريري – وهي فرضية انتشرت فور حدوث العملية في بيروت، وحتى قبل أن تُجمع أشلاء القتلى، مع تسخير آلة الإعلام الجهنمي في شتى أرجاء العالم للترويج لتلك الفرضية، استناداً على معطيات سياسية مختلف عليها، دون برهان جنائي أو علمي حول ذلك ..
لكن المتخصص الألماني بعد طول بحث وسفريات ولقاءات وتحليلات، وخلافه توصل لنتائج معاكسة لتلك الفرضية تماماً .
ما لفت انتباه المتخصص الألماني في علوم الجريمة – فور مقتل الحريري أن الأمم المتحدة لم تحتاج لكثير من الوقت لتتبنى فرضية حكومة الرئيس جورج بوش، ومثلما يقول في كتابه – لم تكن الجثة قد بردت بعد، حتى تبنت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة فرضية واشنطن ، الأمر الذي دفع كثيرا من علماء الجريمة في العالم – ومنهم الألماني موضوع المقال – لاشتمام رائحة المصلحة السياسية وراء تلك الفرضية، ف بالرغم من انعدام الأدلة التي تؤكد تورط سوريا في الأمر ، اعتبر كوفي آنان أن فرصته الوحيدة لإنقاذ سمعته ومنصبه من الضياع - بعد الاتهامات المبرهن عليها الخاصة بتورط ابنه في فضيحة رشاوي ' النفط مقابل الغذاء ' - تكمن في تبنى الفرضية الأمريكية لمقتل الحريري، وبمعنى أن كوفي آنان ووفقاً لما توصل إليه الباحث الألماني جرى ابتزازه في لحظة كان من السهل ابتزازه فيها ، ولم يجد أمامه مخرجاً آخر سوى الموافقة الكاملة على ما تطلبه واشنطن بهذا الخصوص، ويدلل على ذلك الاتجاه الذي تطورت نحوه الأمور ، حيث طلب الأمريكيون صراحة من آنان تفويض القاضية العامة في لاهاي كارلا ديل بونتي، المسؤولة عن ملف الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش، في تحديد رئيس لجنة التحكيم، فيما لم تجد الأخيرة – برغم فرق لجان التحقيق الجنائية المتخصصة التي تملكها المحكمة الدولية سوى صديقها المدعي العام الألماني ديتليف ميليس ، لتنفيذ المرحلة الأولى من ' الأعمال القذرة ' حسبما وصفها الباحث الألماني ، وتماماً مثلما طُلب منه، استكمل ميليس تقريرين مؤلفين عائمين لا يصلحان حتى كسيناريو متواضع لأحد الأفلام البوليسية للهواة – لم يتضمنا أية براهين حقيقية برغم التحقيقات الشكلية والاستجوابات التي قام بها هنا وهناك، مع تضمنهما ' اعترافات ' من أشخاص ليسوا فوق مستوى الشبهات وثبت قطعاً بعد ذلك بأدلة راسخة تعرضهما للتعذيب، أو للابتزاز، ما دفعهما لاحقاً لسحب اعترافاتهما والإقرار بكذبها ، وهو ما أجبر ميليس الألماني على التراجع والانسحاب بعد ثبوت مشاركته في أسخف كذبة عرفتها لجان التحقيق في المحكمة الدولية. – في تكرار لسيناريو رئيس لجان التفتيش في العراق - و في التاسع والعشرين من مارس حصل ميليس – للتخفيف من وقع الفضيحة – على وسام الصليب الألماني من الدرجة الأولى لمساهمته في مكافحة الإرهاب الدولي!!؟
أكدت عمليات البحث التي قام بها الخبير الألماني في علم الجريمة، أن أجهزة التشويش التي استخدمها موكب الحريري بشكل دائم ، تعطلت قبل ساعة واحدة من حدوث عملية الاغتيال في هذا اليوم تحديداً ، وتوقف عمل الجهاز الالكتروني الخاص بتعطيل استقبال وإرسال أية ذبذبات، ليس فقط لأجهزة التليفون المحمول، بل وأية أجهزة تحكم عن بعض يعرفها العالم وتستخدم للتفجير عن بعد، وان تلك الخاصية ، حسبما بينت الاختبارات التقنية بعد ذلك لا يمكن تعطيلها إلا من الشبكة المركزية للتحكم في النظام الاليكتروني لتلك الأجهزة، والتي لا تملكها إلا الشركة الموردة لها ، الأغرب من ذلك أن الشركة التي ورّدت تلك الأجهزة شركة إسرائيلية ، وهو الأمر الذي تعمد تقرير ميليس إخفائه، واستمر بحث الخبير الألماني في تلك النقطة إلي حد تحدثه مع أحد أصحاب الشركة الإسرائيلية، ليكتشف لاحقاً انه عمل حتى سنوات مضت في جهاز المخابرات الحربية الإسرائيلية .
يشير كتاب الخبير الألماني من جهة اخرى إلى العلاقات الخفية التي جمعت بين بعض اعضاء تيارالمحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية، واليمين المتطرف في اسرائيل، وبعض المهاجرين اللبنانيين للولايات المتحدة من المتورطين منذ زمن في عدة محاولات – نجح بعضها وفشل البعض الآخر – لاغتيال سياسيين لبنانين، وتلبيس الأمر لسوريا .، وتحدث الخبير الألماني مع أحد هؤلاء وأجرى معه حواراً مطولاً ضمنه كتابه. . اللبناني هو رئيس اللجنة الأمريكية لتحرير لبنان المعروفة باسم ( USCFL ) ،وهو نفسه رجل البنوك اللبناني زياد عبد النور، والذي تضمنت قائمة السياسيين لديه، الواجب التخلص منهم رفيق الحريري، واكتشف الألماني ما يعرفه اللبنانيون والعرب منذ أمد وهو ان لعبد النور اتصالات مع الادارة الأمريكية واجهزتها المختلفة ، إلى حد أنه معروف في الأوساط السياسية والمالية اللبنانية، بأنه احمد الجلبي اللبناني ، بل هو الصديق الصدوق للأمريكي المحافظ كاره العرب ' Daniel Pipes' .
هذه هي القضية ببساطة من منظور احد خبراء الغرب ممن أمضوا اعمارهم في هذا المجال، والغريب في الأمر وكما يقول الألماني ان الكثير من أجهزة المخابرات في العالم – ومنها أجهزة عربية – كانت تعلم منذ البداية حقيقة اتجاه سير التحقيقات ، ودوافعها واهدافها ..ما يعني أن بعض أنظمة المنطقة العربية كانت تعلم الحقيقة منذ البداية أيضا، لكن تلك الأنظمة فهمت على الفور الرسالة التي اراد الأمريكيون والاسرائيليون ارسالها، وخاصة وانهم يستخدمون في مواكبهم نفس أجهزة التشويش التي استخدمها الحريري، والتي يمكن تعطيل عملها في أية لحظة .
أخيراً – لم يرغب ابناء الحريري – لأسباب عاطفية وغيرها – في تصديق عدم تورط سوريا في الأمر، برغم المعلومات التي وفرها لهم جهاز مخابرات غربي، لدولة كان رجلها الأول صديق وفي لابيهم وفضلوا تصديق الرواية الفرنسية والأمريكية – الاسرائيلية ، والعوم مع التيار وتجاهل القاتل الحقيقي، على التورط في خوض طريق كشف الحقيقة، لعلمهم بأنه لن يمكّنهم من الأخذ بثار ابيهم، وسيجر عليهم عداوات دولية قد يخسرون فيها أكثر من المال.
الكتاب لا يمكن اختصاره في هذا المقال ، لكنه في حقيقته صفعة لنظم عربية ، فضلت فقدان الشرف والعفة ومجاراة الوهم والكذب والخداع الأمريكية، مع البقاء في اماكنها، على الشرف والمقاومة وكشف الزيف والكذب، ولو أدى ذلك الى الرحيل .
|