ليست تأريخاً لمرحلة بقدر ما هي عرض وإضاءات ومعلومات مستقاة من كتب - مذكرات، تلقي أضواء على نضال ممتاز قام به القوميون الإجتماعيون، مسؤولين وأعضاء، في مواجهة سلطات الإنتداب الفرنسي بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية، وما تعرّضوا له من ملاحقات وسجون، وبقوا أعزاء.
نأمل من كل رفيق يملك ما يضيفه من معلومات ان يزوّدنا بها، مع الشكر.
* * *
ما إن اندلعت الحرب العالمية الثانية في أول أيلول 1939 بالهجوم الذي شنته القوات الألمانية على بولونيا، حتى بدأت قوات الاحتلال الفرنسي في لبنان بتعقب المسؤولين والقوميين الاجتماعيين، وقد كان جورج عبد المسيح أول من اعتقل في منزله في بيت مري صباح الأول من أيلول، وهو يقول في يومياته " أتيت إلى البيت وغيرت ثيابي، بعد حوالي ساعتين من إعلان الاجتياح الألماني فتحت باب غرفتي الجانبي لأخرج من البيت. الوقت أول تباشير الصباح. علينا أن نجتمع بالمركزيين لرسم خطة عملية. فتحت الباب لأخرج فإذا بالبيت مطوق من جميع جهاته، شرّف معنا! " فتم نقله إلى سجن الكرنتينا، ثم إلى سجن القلعة العسكري .
بعده اعتقل الأمين بشير فاخوري (1) ثم الرفيق الياس سمعان (2) الذي تعرّض لشتى أنواع التعذيب والقساوة بغرض الحصول على معلومات منه. " وكرّت المسبحة " فاعتقل في بيروت الرفيق أديب قدوره بتاريخ 26 أيلول وكان يتولى مسؤولية منفذ عام بيروت وخازن عام للحزب، وثلاثة من الطلبة القوميين الاجتماعيين من الذين كانوا يتلقون دروسهم في المانيا وهم: طالب الهندسة وليم سابا، وطالبا الطب محمد القاضي من الشويفات واسبيريدون ديب من أميون (3).
رئيس المجلس الأعلى نعمة ثابت اعتقل عن طريق الغدر والمكر إذ كان تسلّم عرضاً نقله رئيس الشرطة العدلية المفوض أسعد البستاني إلى شقيقته كلودا: " لا مسؤولية على نعمة، يمكنه أن يفاوض ويناقش فإن إيجاباً فخيراً وإلا فإنه يعود من حيث أتى " ولإزالة أي شك فقد أقسم الإيمان المغلظة بالشرف والإخلاص بصدق التفويض الذي يحمله ".
مجلس العمد الذي التقى في منزل الرفيق رافع جريديني في الاشرفية ناقش العرض وانقسم العمد بين مؤيد ومعارض، إلى أن اختار نعمة ثابت أن يسلّم نفسه عن طريق هذا العرض علّه يستطيع بهذه الوسيلة اتقاء الضربة الموجهة للحزب.
وهكذا قرر نعمة ثابت الذهاب إلى " جلسة النقاش والبحث " على أساس الوعد الذي قطع لـه، فوجد الاعتقال والتحق بالعميد جورج عبد المسيح وباقي الرفقاء في سجن القلعة العسكري (4) عميدا المالية والدفاع، جبران جريج ومأمون أياس، أمكنهما الاختفاء عدة أيام في مبنى مرصد الجامعة الأميركية الذي كان يتولاه صيفاً طالب الطب الرفيق عبد الله سعاده، ثم انتقلا إلى القويطع (الكورة) بواسطة الرفيق ابرهيم بشارة (كفرحاتا) (5) وفي سيارة يملكها الرفيق عبد الرحمن جبّاضو، من طرابلس. الرفيق أديب قدوره يروي في كتابه " حقائق ومواقف " عن تلك الفترة من اعتقاله فيقول:
" في أوائل تموز 1938، أتاني جبران جريج وأبلغني أن الإجازة الحزبية قد انتهت ما دمت تخرجت في الصيدلة، وأن أمر الزعيم قبل سفره، وأمر المسؤول الآن هو أن أتولى منفذاً عاماً على بيروت. وكان جبران جريج ناموس المنفذية، واما هيئة المنفذية فغير مكتملة نظراً للعمل السري ومطاردة الانتداب لنا، والعمل بدون أوراق تقريباً كي لا تكون ممسكاً علينا. فاتبعت دورة تدريب إداري مستعجلة وتسلمت مهمتي.
"مهماتي الحزبية السابقة كانت أقرب إلى التدريب وإلى الممارسة الواهية والقليلة الاتساع. أما الآن فالأعضاء كثر وبيروت واسعة والعسكر ضدنا نشيطون، والمسؤولية منهكة حقاً.
" هذا، وقد جاءني تعيين جديد وأصبحت مع المنفذ العام خازناً عاماً لأموال الحزب. وأول مهمة نفذتها كخازن عام أنني اقترضت عشرين ليرة لكي أمول صندوق الحزب الفارغ. فكانت صيفية مقسمة بين الصيدلية التي لا بد لي من إدارتها ومن الظهور فيها أمام أعين الناس وإلا كان تغيبي سبباً لشكوك الجواسيس واكتشاف أمر مسؤولياتي الحزبية. ومقسّمة في العمل الحزبي السري كخازن عام ومنفذ عام على بيروت.
" في أيلول 1939، اندلعت الحرب العالمية الثانية فاعتقلت مع قوميين آخرين في سجن القلعة. زجونا في قواويش مختلطة مع سجناء الحق العام الموقوفين بشتى التهم.
" من مآسي السجن المقرفة، ما كانت عليه حالته الفظيعة من بؤس وشقاء، حيث الأوساخ المتراكمة في كل مكان، والروائح الكريهة تزكم الأنوف، و"الحرام" الكريه الذي أغطي به جسدي، والمرحاض النقال، الذي يفرغ خارج القاووش، وتتساقط منه الأوساخ، مما تعافه النفوس، والخبز الذي يرمى إلينا كالكلاب على الأرض الموبوءة، الطعام الذي كان يتألف من شوربة الخضار والدهن والقليل من اللحم أو البقول القاسية كالنعال، والتي يتعذر على الإنسان مضغها!، وقد استلمت "طاسة" للطعام من معدن، يملؤها الصدأ، وطاسة أخرى لشرب الماء، يصعب تنظيفها، وبقيت أسبوعاً أتناول الخبز وأشرب الماء من الحنفية مباشرة، وذلك في أوقات فرصة التنفس – وهي نصف ساعة قبل الظهر، ومثلها بعد الظهر. لم يعلم أهلي بمكاني لمدة ستة أيام.
" مع كل هذه المآسي القاتلة، والمعاملة اللاإنسانية، كيف لا تنهار الأعصاب، ولا يدب الخوف في القلب، ولا يسود اليأس في النفس ؟!… ولكن الإيمان العقائدي ونبل الهدف يقوي من معنوية القومي الموقوف ويشدد أعصابه ويقوي صبره.
"وما لبثنا أن نقلنا فجأة إلى "زنزانات" وهي بمثابة غرف صغيرة جداً؛ بطول مترين، وعرض متر ونصف، عالية السقف، ذات نافذة صغيرة جداً مشبكة بالحديد لدخول النور، وباب حديدي، وباب آخر خشبي سميك، وقد وضع كل اثنين من المعتقلين في زنزانة. رفيقي كان الصيدلي غير الممارس خالد موره لي وهو يكبرني سناً، ويدرس الكيمياء في مدارس دمشق. خفف من وحدتي، وعلمني لعبة الشطرنج، حتى حذقتها، وقضينا معاً ما ينوف على شهرين ونصف، أفاض كل منا للآخر بما يحز في نفسه من نوازع وآلام وأفكار، حتى أصبحنا صديقين حميمين.
"بعد أسبوع واحد من دخولي السجن، سمح لي باستلام الطعام الذي كان أهلي يرسلونه إلي أسبوعياً، وذلك ضمن سلال أضعها في زاوية الزنزانة، وفي الليل أرفعها وأربطها بباب الغرفة الحديدي بواسطة قش الحصيرة الذي عملت منه شبه حبل، لأن الحبال ممنوعة في السجن. وكان في زاوية الغرفة سطل بغطاء خشبي يستعمل كمرحاض، يسمح لنا كل يوم صباحاً بإفراغه خارجاً في مكان معين. وكانت أرتال البرغش والبق تملأ الغرف والجدران، ورائحة السطل الكريهة تنغص علي حياتي!."
* * *
من الرفقاء الذين اعتقلوا وزج بهم في سجن القلعة، نذكر: فكتور أسعد، يوسف اليازجي، جورج عبد المسيح الذي كان أفرج عنه وفرض عليه أن يثبت وجوده يومياً لدى دائرة الأمن العام الفرنسي، اعتقل ثانية في 16 أيلول، وفي 22 أيلول اعتقل عضو المجلس الأعلى الأمين عبدالله قبرصي، واقتيد أولاً إلى دائرة الأمن العام حيث التقى الرفيق الياس قدسيه من حلب (6).
يقول الأمين قبرصي في مذكراته: "انتهت معاملاتنا بسرعة. خرجنا نبحث مع مرافقينا (الدرك) عن سيارة تاكسي. كان حظنا كبيراً. رفيق اسمه لويس نصار (7) من أخلص وأطيب رفقائنا كان يمر من هنالك أو أرسل خصيصاً لنقلنا، لست أدري. إلى الآن لم أسأله. نقلنا إلى سجن القلعة، ولم يقبل أن يستلم أجرته.
من هذه الفترة كان العميدان جريج وأياس إنتقلا إلى القويطع واستقرا في بلدة بتعبورة، تلك التي سجلت في تاريخ الحزب صفحات ناصعة مضيئة، وحضنت قياديي الحزب في تلك السنوات الصعبة: جبران جريج، مأمون أياس ثم في فترة لاحقة، عبدالله قبرصي وجورج عبد المسيح بعد خروجهما من الأسر وتمكنهما من الانتقال إليها، والتي التفّت حول الحزب بشيبها وشبابها ونسائها وأطفالها .
عنها يقول الأمين جبران جريج وهو الذي اختار لاحقاً إحدى بناتها، الرفيقة ماري بربر لتكون رفيقة حياته (أم وسيم):
"وصلنا إلى منطقة القويطع والجو يخيم عليه هذا التوتر النفسي والملاحقة حتى الإعدام "كأيام زمن الأتراك". جو تهلع له النفوس الجبانة وتطير شعاعاً، وصلنا إلى منطقة القويطع واتخذناها مركزاً للحزب. دام فيها هذا المركز أكثر من سبعة أشهر، مارس فيها الحزب حياته النظامية كأن لا حرب هناك ولا طوارئ ولا من يحزنون…
"إن فترة مركزية الحزب في "القويطع" هي فترة تاريخية مشرفة في حياته، لها مغزاها العميق. تصميم على متابعة الصراع تحت كل الظروف، ممارسة حقوق العضوية الحزبية كاملة، الكتمان التام فلا واش ولا ثرثار يفضح وجودنا المركزي أو الشخصي ونحن مطلوبان من السلطة، وأية سلطة!! الاعتراف بسلطة الدولة السورية القومية الاجتماعية على رقعة وإن صغيرة من الوطن، رمزاً للاستقلال والحرية والسيادة فلا وصاية ولا انتداب ولا استعمار.
"أثار اختفاؤنا حفيظة دوائر الأمن الفرنسي فلا تهويلها علينا بواسطة الصحف والإذاعات والمكافآت المالية لمن يدل علينا، أجدتها فتيلاً، ولا تهديدها باعتقال من يأوينا أفادها. ولا عيونها المبثوثة هنا وهناك في المدن والقرى والدساكر أبصرتنا أو عرفت عنا شيئاً. ولا عملاؤها المأجورون الموزعون في كل حدب وصوب استطاعوا أن يشتموا أي خبر عنا. ولا الإشاعات والأقاويل المدسوسة سرى مفعولها ضدنا. الحق يقال أن وجودنا في منطقة القويطع هذه الأشهر العديدة على مثل هذه الحال التي وصفت كان عجيبة من عجائب هذا الشعب الأصيل الذي به نؤمن ومن أجل رفعته نجاهد ونعمل" .
* * *
أول عمل قام به العميدان جريج وأياس أن نظما جهازاً إخبارياً يمدهما بالمعلومات اللازمة. حصل ذلك بواسطة الرفيقين حافظ المنذر (8) وادمون فارس الموظفين في شركة الريجي في البترون واللذين كانا على صداقة متينة مع صديق للحزب: جورج توما، الموظف في قائمقامية البترون، بحيث بات بإمكان العميدين معرفة التعليمات الرسمية التي ترد إلى الدوائر الحكومية بشأنهما. إضافة إلى ذلك، لعب الرفيق ملحم غصن، من كفرحاتا والموظف في سلك التحري دوراً جيداً في هذا المجال.
المنزل الذي اتخذه العميدان مسكناً، ومكتباً لأعمالهما الحزبية المركزية "كان بيت "رشيد" العتيق، المغمور بين جلالي التين والزيتون في طرف بتعبورة الغربي المطل على الوادي والمشرف على البلدة بكاملها" .
من بتعبورة أمكن للعميدين أن يقودا العمل الحزبي في أصعب الظروف وأحلكها. ومع ذلك طبقت منفذية الكورة مضامين الأنظمة والقوانين بدقة وانتظام مدهشين كأضبط ما يكون في أيام السلم العادية، من عقد الاجتماعات الدورية، إلى دفع الاشتراكات المركزية والمحلية، ثم الموجبات الأخرى التي فرضت بالتطوع كالحراسة الدورية الدائمة التي قامت بتعبورة بالقسط الأوفر منها، إلى المساهمة بالإعاشة اليومية التي لم يقبل إلا أن يؤدي كل من فيها بنصيب منها، قلّ أو كثر. كل هذا في جو مفعم بالغبطة والانشراح والمرح والمسؤولية. هل يمكن أن ننسى القيّمة على شؤوننا المنزلية في "البيت العتيق" المسؤولة عن عائلة مكونة من سبعة أفراد فأضافتنا إليها لتصبح تسعة، وأحاطتنا بعناية الأخت وعاطفتها. تلك هي ديبة موسى شاهين ولا يمكن أن تذكر ديبة إلا أن يذكر معها أبناؤها أنطون، نسيم ورئيف وجنفياف" (9) .
ويضيف الأمين جبران: "ما إن استقرّ بنا المقام قليلاً وبعد أن تعرفنا على المنطقة ببعض التفصيل حتى نظمنا سلسلة ركائز فردية، كل لها مهمتها: مختار كفرحاتا الرفيق نقولا الشويري، ومختار أجد عبرين الرفيق حسين شلق كذلك مختار بتعبورة المواطن الصالح النبيل سليم لطف الله الخوري ومحمد الشيخ في كفريا، هذا في الحقل الحكومي المحلي، ومن الرفقاء: زاهي السودا في كفتون ومصطفى درويش في أجد عبرين وسركيس سعد في كلباتا ونسيم الحاج في دار بعشتار هؤلاء جميعهم كانوا عيوناً لنا في قراهم، ثم أصبح لنا محطتان رئيسيتان: واحدة في كفريا هي منزل الرفيق علي شلق (10) والثانية في عفصديق، منزل الرفيق حبيب ملكي (11) وهكذا أخذنا نمتد في القويطع ومنه إلى الكورة الخضراء".
تباعاً أمكن للعميدين أن ينظما الفروع وأن يقوما بجولات تفقدية على مستوى الكورة. "ركزنا مديريتي كفرحاتا وكفريا وأعدنا تنظيم مديرية راسنحاش. وقمناً بزيارة منطقة "القلع" في الكورة بدءاً من عفصديق، فيع حيث التقينا الرفيق فؤاد سليمان، وبترومين" .
ولم يكتف الأمين جبران بزيارة الكورة إنما توجه إلى طرابلس مع الرفيق علي الأيوبي، من بلدة النخلة، ليصلا إليها سيراً على الأقدام مع منتصف الليل وقد بدأت فترة منع التجول، إلا أن الرفيق علي قاده إلى منزل السيد رامز الأحدب الذي استقبلهما أحسن استقبال ومد لهما الفرش وباتا ليلتهما (12).
* * *
هذا هو الوضع الذي قام في القويطع، وامتد إلى الكورة وطرابلس. أما في سجن القلعة العسكري (13) فقد اختير رئيس المجلس الأعلى نعمة ثابت لعمل مكتبي في إدارة السجن فأمكنه بفضل وجوده في المكتب وصلاته بآمر السجن، كما لطفه ودماثة أخلاقه، من أن يسعى لدى الإدارة للقبول بجمع القوميين الاجتماعيين المعتقلين في غرفة واحدة بعد أن كانوا توزعوا في غرف السجن كافة، كذلك أن يسمح للعميد جورج عبد المسيح بالبقاء خارج الغرفة خلال أوقات النهار.
للأمين عبدالله قبرصي تفسير إضافي يعرضه في مذكراته إذ يفيد أنه سعى وهو طليق إلى كسب ود آمر السجن والحراس، فقام وعقيلته بزيارة منزل الأدجيدان مارتز حاملاً إليه باقة من الزهر، "فتعرفنا إلى عقيلته وكريمتها وسهرنا برهة ثم وجهنا إليهم الدعوة إلى حفلة نقيمها على شرفهم في أواخر شباط 1940. وبالفعل دعوت نقيب المحامين وعدداً من رجال الفكر والسياسة وبعض الضباط من أصدقائي والمطران بولس الخوري (كان لا يزال أرشمندريتا) والرفيق فؤاد سليمان.
في الحفلة تبادل الأمين قبرصي والأدجيدان مارتز الكلمات، وشكلت هذه المبادرة فاتحة عهد جديد، "منها أن الحراس راحوا يدعون الأسرى، بمعرفة وتشجيع من الآمر - إلى مطعمهم في السجن فنأكل ونشرب ونتبادل الآراء. وبعد فهذا نعمة ثابت – بناء على هذا السلوك وهذا التصرف يدعى إلى مكتب السجن ويوظف فيه فيبقى خارج القبر طوال النهار. الامتيازات الممكنة منحت له. كل من بقي في السجن - بمن فيهم جورج عبد المسيح، حصد نتائج الخطة التي أعطت ثمارها يانعات".
السلطات الفرنسية لم تكن تكتفي باعتقال المسؤولين والرفقاء وملاحقة من أمكن منهم الإفلات (14)، بل كانت تلجأ إلى أساليب الدعاية الملفقة. ففي 24 تشرين أول 1939 وزع قلم المطبوعات في المفوضية الفرنسية العليا على الصحف بياناً كي تنشره كما لو أنه صادر عنها، وهذا نصه: عرفنا أن المحكمة العسكرية تلاحق قضية الحزب السوري القومي وقد اتضح من المعلومات الأولى التي استقاها قاضي التحقيق أن هذه المؤسسة التي يرئسها أنطون سعاده المقيم حالياً في برلين، كانت تعمل لحساب المانيا وكانت تتلقى من السلطات النازية مبالغ مالية هامة".
جواباً على البيان الملفق أذاع العميد مأمون أياس بصفته أيضاً ناموساً للمجلس الأعلى بياناً إلى الصحف في 8 تشرين الثاني 1939، وقد نشره بعضها، وأرسلت نسخة عنه إلى جريدة "سورية الجديدة" التي كانت بدأت تصدر في سان باولو، وهذا أهم ما ورد فيه.
" أولاً: "إن الزعيم مقيم حالياً في بوانس آيرس – الأرجنتين – كما تثبت صحف المهجر الواردة مؤخراً من أميركا. ويمكن للحكومة الافرنسية أن تتأكد، لو شاءت، صحة ذلك بواسطة قنصلها في العاصمة المذكورة الذي ولا شك سيخبرها عن رقم المنزل الذي يقيم فيه زعيم النهضة. كما يمكن أي صحفي من صحفيي الوطن أن يسأل قنصل الأرجنتين في بيروت عن مقر الزعيم.
ثانياً: إن السوريين القوميين عموماً يثقون بزعيم نهضتهم ثقة تامة لا تتزعزع، وانني أصرح باسمهم بأننا جميعاً نشارك زعيمنا الحر كل مسؤولية يتعرض لها. إن سعادة والحزب السوري القومي وجميع القوميين المنتشرين في الوطن والمهاجر يشكلون وحدة تامة لا تتجزأ.
ثالثاً: إنني أتحدى الصحافة أن تنشر صور الوثائق التي تدعي وجودها لتثبت أن مؤسسة الحزب السوري القومي تعمل لسوى المبادئ الصريحة التي تحملها أو لها أية علاقة بدولة أجنبية، وأطلب من القائمين بالتحقيق حالياً في المحكمة العسكرية أن يطلبوا آراء الشخصيات الآتي ذكرها بالحزب – وهي شخصيات افرنسية ووطنية قامت بالتحقيق مع زعيم الحزب وأركانه بالتوالي منذ انكشافه حتى الآن:
(أ) السيد كيفر رئيس الغرفة السياسية السابق الذي يوجد منه في سجلات الغرفة تقارير عن سير الحزب وعن مقابلاته هو مع زعيم الحزب وأركانه أكثر من مرة.
(ب) الأستاذ تمبال المستنطق لدى المحكمة المختلطة الذي تولى التحقيق عند انكشاف أمر الحزب في عام1935.
(ج) الأستاذ روسيه رئيس المحكمة المختلطة الذي حكم على زعيم الحزب وأركانه في عام 1936.
(د) الأستاذ حسن قبلان المستنطق الذي تولى التحقيق في الاعتقالات الثانية في عام 1936.
(ه) الأستاذ وجيه خوري المدعي العام ورئيس مكتب التحريات الذي أشرف على التحقيق المذكور وكذلك على التحقيق الثالث في سنة 1937.
(و) الأستاذ جورج مراد المستنطق الذي تولى التحقيق في الاعتقالات الثالثة عام 1937.
(ز) الأستاذ صبحي المحمصاني المستنطق الذي تولى التحقيق في الاعتقالات الرابعة عام 1938.
(ح) الأستاذ فرنان أرسانيوس المدعي العام ورئيس مكتب التحريات الذي أشرف على التحقيق الرابع .
(ط) الأستاذ وفيق القصار رئيس محكمة بداية الجزاء الذي حاكم زعيم الحزب وأركانه أكثر من مرة .
(ي) الأستاذ كمال عيتاني رئيس محكمة بداية الجزاء الذي تولى محاكمة الحزب أيضاً "
* * *
لعل ما نورده عن ملاحقة، فاعتقال الرفيق منير الملاذي(15) – وكيل عميد الدفاع – ثم تعرضه للتعذيب الوحشي، يوجز ملحمة النضال العنيد الذي خاضه القوميون الاجتماعيون في ظل حراب القوات الفرنسية وخاصة منذ اندلاع الحرب العالمية الثانية في أول أيلول 1939 وحتى العام 1944 .
"إستطاع الوكيل الملاذي التواري عن الأنظار حتى وصل إلى طرابلس حيث أمّن له شقيق الأمين أنيس فاخوري، الرفيق جوزيف، بطاقة سفر بالقطار إلى "حلب" حيث وجد الاستخبارات الفرنسية تبحث عنه فغادرها إلى مدينة "الباب" ليلاً، سيراً على الأقدام (مسافة 27 كيلومتراً) ومنها استقل سيارة أوصلته إلى إحدى القرى القريبة من "منبج" حيث حل ضيفاً عند صديق حميم له مدة ثلاثة أيام ذهب بعدها إلى بلدته "جرابلس" وزار والديه، ومن جرابلس، عبر الفرات إلى الجزيرة ونزل ضيفاً على أحد شيوخ العشائر الكردية الذي اغتنم فرصة وجوده للابتزاز، فوشى به طمعاً بالمكافأة التي وضعت ثمناً لإلقاء القبض عليه، ولكن الوشاية لم تنجح، فقد استطاع الرفيق منير الإفلات ولكن ليعود ويقع في قبضة السلطة في "جرابلس" حيث ذهب ليتزود ببعض المال يساعده على اجتياز الحدود إلى تركيا.
إقتاده الجند إلى "عين عرب" فوقع بين برائن أحد المستشارين الفرنسيين الطغاة الذي بدأ بتعذيبه دون شفقة ولا رحمة مدة أربعة أيام صباحاً ومساءً حتى فقد الذاكرة". بعد هذه الوحشية نقل بالقطار إلى بيروت ليلتحق بقافلة رفقائه المعتقلين في سجن القلعة العسكري.
رغم كل هذا، فإن قيادة الحزب، لم تقف مكتوفة الأيدي أمام الاتهامات التي كانت السلطات الفرنسية تحاول أن تلصقها بالحزب، فقد أذاع مركز الحزب في 8 كانون أول 1939 بياناً إلى الصحف باسم عمدة الإذاعة هذا بعض ما جاء فيه:
"في 31 آب 1939 وضعت السلطات الانتدابية الحزب السوري القومي في صفوف الأعداء على الرغم منه واعتقلت خمسة وثلاثين من الأركان وغير الأركان في سجن القلعة العسكري. وهؤلاء المعتقلون من مختلف البلاد السورية، فبينهم من يمثل بيروت وكسروان وطرابلس والكورة والمتن والبقاع في لبنان كما بينهم من اعتقل من دمشق وحلب وطرطوس وحمص وسواها من الساحل والداخل. ولم تلبث السلطات أن خففت من قيودها وأخلت سبيل البعض منهم والفضل في الوصول إلى هذا الموقف يعود إلى عدة عوامل منها:
أولاً : عدم وجود ما يدين القوميين أو يعرضهم للمحاكمة.
ثانياً: صمود أركان الحزب وصراحتهم في التحقيق وإصرار الأركان على تحمل المسؤولية إذا كان هناك من مسؤولية على الحزب.
ثالثاً: بيان حضرة عميد المالية الذي أذيع بتاريخ 4 تشرين الثاني الماضي وبيان حضرة ناموس المجلس الأعلى الذي أذيع في الثامن من الشهر نفسه وفيهما القضاء المبرم على تخرصات الصحف المغرضة وتكهنات بعض الصحفيين الخونة.
رابعاً: وصول وثيقة من بوانس أيرس – الأرجنتين – موقعة من حضرة قنصل فرنسا فيها، تثبت وجود حضرة الزعيم في العاصمة المذكورة منذ ستة أشهر وعدم خروجه منها طوال المدة المذكورة.
إن في هذه الوقائع دليلاً لاخراس ألسن الثرثارين من الصحفيين المارقين "
وفي 30 كانون أول 1939 أصدر مركز الحزب (بتعبورة - القويطع) نشرة إذاعية تضمنت البيان الذي كان أذاعه عميد المالية الرفيق جبران جريج في 4/11/1939 (أنظر باب الوثائق) وبيان ناموس المجلس الأعلى العميد مأمون أياس، والبيان الإذاعي الصادر باسم عمدة الإذاعة بتاريخ 8/12/1939. تلك النشرة أرفق بها صادرة خاصة موجهة إلى المسؤولين الإداريين في الوطن وعبر الحدود، وقد وزعت بنجاح بالرغم من الصعوبات الأمنية من جهة، ولصعوبة الاتصال من جهة أخرى، كما تم إرسال نسخ منها إلى جريدة "سورية الجديدة" فنشرتها تباعاً.
* * *
على صعيد منفذيتي الكورة والقويطع وقد كان يتولى الرفيق جورج إبرهيم العبدالله المسؤولية الأولى في الكورة، والرفيق ميشال خوري في القويطع فقد جرى حل المنفذيتين في 16/1/1940 وإنشاء منفذية واحدة تعيّن الرفيق ميشال خوري منفذاً عاماً، أديب بربر ناموساً، جرجي الشويري ناظراً للمالية – بعده تعين الرفيق نقولا فرح – وجرجي نقولا أبي اسبر ناظراً للإذاعة.
كما تمّ إنشاء فرع نسائي للرفيقات كان يعقد اجتماعاته تباعاً في كل من كفرحاتا وبتعبورة، وتألف من الرفيقات هولندا بربر صعب، عقيلة مدير بتعبورة الرفيق جورج الياس صعب، ماري بشارة جبور عقيلة الرفيق جورج جبور، عفيفة خوري وشقيقتها جلنار، فكتوريا جبور ولولو صعب نصار.
في هذه الأثناء، بعد أن تركز الوضع في القويطع، وكان الرفيق أسد الأشقر الذي وصل الوطن في الأسبوع الأخير من شهر أيلول 1939(16)، قد تعذر الاتصال به، فقد تقرر وجوب تحقيق ذلك، فتوجه العميد جريج إلى ديك المحدي والتقى الرفيق الأشقر الذي لم يكن على سابق معرفة به. بعد حديث مطول، ونزوله ضيفاً ليلياً على الرفيق أسد، "حزت ثقته الغالية وأخذت المياه تتدفق من مجاريها الطبيعية. أطلعته على وضعنا السياسي والحزبي وعلى مراحل التحقيق، وعلى كيفية عملنا السري. ومنذ تلك الزيارة تحولت "ديك المحدي" وعرزال الرفيق أسد إلى محطة راحة واستجمام في حال ذهابنا إلى بيروت من مقرنا في القويطع أو في حل ايابنا منها. أما العرزال فنقضي فيه فترات تأمل وبحث ومناقشة للأوضاع ونخطط للمستقبل القريب. لم يكن مسموحاً الاتصال بنا في هذا المنتجع المنعزل إلا لابن شقيقته، الفتى اليافع منصور عازار".
* * *
على صعيد سير التحقيق مع الرفقاء المعتقلين في سجن القلعة، فقد نقل الرفيق فارس معلولي(17) واسمه التنكري "محفوظ"، وهو كان مكلفاً بمهمة ضابط الارتباط، ملخصاً عن سير التحقيق وبعض التعليمات الواجب اتباعها في حال الوقوع في الأسر. وخلاصة التحقيق أن قاضي التحقيق القومندان (المقدم) Vitu رفع تقريراً سرياً مطولاً إلى القيادة العسكرية يتضمن بياناً مشفوعاً بالوثائق ومدعوماً بوقائع دقيقة بأن الزعيم ليس في المانيا وأنه ليس للحزب علاقة بأية دولة أجنبية خصوصاً بدولتي المحور، وهو لذا يقترح تبرئة القوميين الاجتماعيين من هذه التهمة. كما يرى أن "المصلحة المشتركة تقضي بالتعاون من أجل استقلال البلاد وحريتها لا بالتطاحن والاعتقالات والنزاعات لأن الحزب السوري القومي يمثل حضارة القرن العشرين".
كان متفائلاً بالنتيجة لأن القسم المدني في المفوضية مع فريق من العسكريين بات مقتنعاً بوجهة نظره، وقد رفعت هذه المسألة إلى السلطة المركزية في فرنسا.
أما التعليمات التي وصلت من المعتقل إلى العميدين جريج وأياس فكانت التالية :
"يجب أن نختفي تماماً وأن لا يظهر لنا أي أثر لأنه في اعتقالنا يتجدد التحقيق فيتأخر خروج المسجونين. لذا فمصلحة الحزب تفرض عدم الوقوع في الأسر. أما إذا اعتقل أحدنا فعلينا أن نتقيد بالإفادات الآتية:
(أ) ليس هناك مجلس أعلى.
(ب) يوجد مجلس عمد يتلقى الأوامر رأساً من الزعيم، كل عميد بمفرده.
(ج) مسؤولية جبران جريج منفذ بيروت العام وعميد مالية.
(د) مسؤولية مأمون أياس عميد دفاع.
(ه) إن اقتراح وكيل عميد الدفاع بإنشاء فرق عسكرية قد رفض لأنه قدم إلى المجلس الأعلى، ومجلس أعلى لا يوجد، فالدستور ينص أنه لا يوجد مجلس أعلى إلا في حالة مرض الزعيم أو سجنه أو موته.
(و) بصدد نداء الزعيم الذي صادرته السلطة في الشقة السكنية الذي كان مهيئاً للتوزيع وعلى كل رزمة اسم المسؤول في منطقته فقد اتخذ مجلس العمد قراراً بعدم العمل بموجبه في الظروف الحاضرة وقد هدد رئيس مجلس العمد بالاستقالة إذا نفذ النداء وبرهاناً على عدم العمل به وجود النداء المطبوع مرزوماً في الشقة وعدم توزيعه".
* * *
في 15 شباط 1940 أخلي سبيل الرفيق عبدالله قبرصي، إلا أنه أعيد إلى السجن في 25 أيار 1940، وهو يقول في هذا الصدد :
"إن آثار السجن الأول قد بدت على كامل جهازي العصبي والهضمي، والصحي إجمـالاً. ضغط وزيغان وفقدان الشهية. كنت أعالج وقد انهارت قواي. فإذا بالأمن العام من جديد يسوقني إلى سجن القلعة ويزجني في "قاووش" لا يصلح لأقل الحيوانات شأناً، وأعصابي لا تصلح بالحرية فكيف بالسجن. ساءت صحتي إلى حد لا يطاق حتى أني لم أعد أستطيع الوقوف على رجلي. كنت أوصي جورج عبد المسيح بعائلتي في حال موتي فيقول لي بلهجته الجبلية الجافة "موت وما عليكش" .
"نقلت إلى مستشفى سجن الرمل الذي كان بعهدة الملازم كمال الزاهد. وفي الرابع من تموز يهرول كمال الزاهد صوبي ويسألني إذا كنت أريد أن أتغدى في منزلي فظننته مازحاً وإذا به يضع بين يدي قرار إخلاء السبيل موقعاً من الكولونيل كربونيه، رئيس المحكمة العسكرية.
"خرجت من السجن وانطلقت على جناح السرعة إلى "بتعبورة" وحملت بندقية الصيد وفررت من وجه المظالم ورحت أفترش التراب والتحف السماء". رحلات الصيد هذه أوحت إلى الأمين قبرصي تأليف كتابه "مصرع السُمنة".
* * *
بعد أن إنتقل الرفيق فارس معلولي (محفوظ) من الغرفة التي كان يسكنها وحيداً إلى منزل بالاشتراك مع الرفيق أمين شكور (من عين زحلتا) أبلغ العميدين جريج وأياس أنه بات يستطيع أن يستقبلهما عند مجيئهما إلى بيروت. بعد زيارة قام بها العميد مأمون أياس يرافقه الرفيق ابرهيم بشارة (كفرحاتا) إلى المنزل المقترح، تقرر مغادرة القويطع والانتقال إلى بيروت لأن الأعمال الحزبية توسعت بحيث باتت تتطلب منهما وجوداً أكثر فعالية في بيروت.
المنزل المذكور كان يقع في شارع الحمراء بين شارع جان دارك وشارع عبد العزيز، وهو كما يفيد الرفيق ابرهيم يموت "شقة منفردة بين بساتين التوت والبطاطا والبندورة جنوبي شارع الحمراء اليوم، بملك شاتيلا".
في10 حزيران 1940 غادر العميدان جريج وأياس القويطع "مزودين بأدعية النساء والرجال، الكبار والصغار، ودموعهم وتحياتهم وبركات الجميع".
بعد إقامة قصيرة في المنزل الذي استأجره الرفيقان فارس معلولي وأمين شكور، بدأ البحث عن منزل آخر إلى أن أمكن للرفيق معلولي العثور على منزل أوسع تنطبق عليه الأوصاف السرية المناسبة. عنه يقول الأمين كامل أبو كامل:
"استمر مأمون أياس على إدارة الأعمال الحزبية وقتاً طويلاً، متخذاً له من بناية فيها بيت الرفيق نجيب حلاوي، مركزاً لأعماله حيث كان لا يتصل به في هذا البيت المنعزل، إلا القلائل من المسؤولين الذين كانوا يأتون البيت بسرية وحذر كبيرين، والبناية كانت تقع في نقطة قريبة من أوتيل الكومودور اليوم حيث كان الوصول إليه صعباً جداً فهذه المنطقة التي أصبحت اليوم مقصداً لكل الناس والغرباء، أي منطقة رأس بيروت والحمراء بصورة خاصة، كانت في ذلك الوقت ملجأً للفارين من وجه الملاحقات الحكومية. وكما يقولون في العامية "ملجأ للفرارية" وللوصول إلى هذا البيت كان يتطلب المرور بزواريب تتفرع من شارع الحمراء حالياً وكان شارع الحمراء بساتين أيضاً والزواريب يحجبها الصبير الذي كان يستعمل كسياج للبساتين بدل الشريط الشائك، وأحياناً كنا نضيع الطريق لصعوبة المسالك ولولبتها".
أما الأمين جبران جريج وإذ يشير إلى أن المنزل الذي تم استئجاره يقع في الطابق الرابع تواجهه شقة ثانية، يقول :
"إن البيت الذي تم استئجاره يقع في الطابق الرابع تواجهه شقة ثانية لم نعرف اسم العائلة التي تقيم فيها. لم يكن قد مضى وقت طويل على انتقالنا إليه حتى أتى فارس (معلولي) ذات يوم ملهوفاً ليخبر الأمين مأمون أنه شاهد شرطياً في الشقة المقابلة، فنزل الخبر على الجميع كالصاعقة وأخذ الأمين مأمون يعنف الرفيق "محفوظ" لأنه لم يبحث عن الجار قبل الدار. وقف الأمين مأمون يراقب باب الجار من ثقب المفتاح، وإلى جانبه الباقون. واستمرت المراقبة طويلاً إلى أن فُتح الباب أخيراً وأطلت امرأة شابة يتبعها شرطي. لم يكد الأمين أياس يتبين ملامح وجه الشرطي جيداً حتى رآه الرفقاء، وسط دهشتهم جميعاً وانشداه الرفيق فارس بصورة خاصة، يفتح الباب ويتجه نحو الشرطي ويعانقه ويأخذ في تقبيله، لم يكن ذلك الشرطي سوى الرفيق نجيب حلاوي. غدا مركز الحزب منذ تلك اللحظة بحراسة رجل الأمن ومراقبته هو وزوجته".
بعد تمركزهما في بيروت، أمكن للعميد جريج، وهو في الوقت نفسه منفذاً عاماً لبيروت باسم مستعار "إحسان سالم" أن ينصرف أكثر للاهتمام بالمنفذية التي كان ركيزة العمل الحزبي فيها ناظر الإذاعة الرفيق ابرهيم يموت الذي تعين أيضاً منفذاً عاماً بالوكالة. في كتابه "الحصاد المر" يفيد الرفيق يموت أن عميد الداخلية مأمون أياس استدعاه إلى المركز الحزبي المؤقت وأبلغه تعيينه منفذاً عاماً لبيروت بالوكالة، بالإضافة إلى مسؤولية ناظر إذاعة، فوافق(18).
هذا وكان جرى تعديل في القيادة المركزية بحيث أصبح مجلس العمد مشكلاً على الوجه التالي :
مأمون أياس رئيساً لمجلس العمد
جبران جريج عميداً للمالية
عبدالله سعاده ناموساً للمجلس – عميداً للداخلية
أسد الأشقر عميداً للإذاعة
أما الرفيق فارس معلولي فقد طلب إليه أن يمارس وظيفته في الجامعة ويقيم في المنزل – المركز الذي هو بيته ظاهراً وأن لا يتعاطى أي عمل حزبي ولا يقوم بأي نشاط حرصاً على سرية العمل وسلامته واستمراره، كما تم استدعاء الرفيق عيسى حماده، غير المعروف حزبياً، ووضع تحت تصرف عميد الداخلية رسولاً إلى المناطق ومرافقاً عند الاقتضاء، إلى جانب الرفيق ابرهيم بشارة، والرفيق عبدالله أيوب (19).
* * *
في 22 حزيران 1940 أعلنت الهدنة بين المانيا وفرنسا وفي 24 منه أعلنت أيضاً بين إيطاليا وفرنسا. في فرنسا تسلم الماريشال بيتان رئاسة الدولة وانتقلت العاصمة من باريس إلى "فيشي".
أما في لبنان فإن المفاوضات التي كان بدأها العميد أياس مع المفوضية الفرنسية بواسطة الدكتور سامح فاخوري، رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، والد الرفيق عفيف وعم الرفيقين محي الدين وبشير، فقد توقفت نهائياً، خصوصاً بعد ورود الجواب من فرنسا على تقرير قاضي التحقيق القومندان Vetu. فقد جاء الجواب مخيباً للرجاء الذي كان معقوداً عليه.
على أثر ذلك تشكلت لجان هدنة فكان من نصيب بلادنا لجنتان: أولى ألمانية وثانية إيطالية وراحت الأوساط السياسية تجري اتصالاتها مع اللجنتين، ويقدم بعضها النصيحة للحزب باستحسان الاتصال مع اللجنتين، أو باللجنة الألمانية على الأقل، وذلك بهدف تسوية أوضاع الحزب وربما إلغاء المحاكمة العسكرية. إزاء هذا الوضع وفي 2 تموز 1940 عقد مجلس العمد جلسة رسمية تقرر فيها إصدار البيان التالي عن عمدة الإذاعة:
أيها السوريون القوميون
"إنكم في الهزيع الأخير من ليلكم الطويل، من هذه المرحلة القاسية التي تفوق جميع ما تحملتموه في الماضي من مصاعب ومتاعب. وانني لا أشك بأن كلا منكم يعود إلى نفسه مرات عديدة كل يوم ويوجه فكره وقلبه إلى زعيمه المفدى وضميره ووجدانه إلى مركز منظمته منتظراً بشوق واستعداد الأوامر ليخدم وطنه وحزبه.
إنكم تنتظرون، تنتظرون بصبر وثبات وإيمان واستعداد للطاعة والتضحية، وهذا الانتظار الهادئ بسرّه المدّخر كل قوى النفس الوثابة في هدوئه، وإحدى مناقبكم العظيمة التي اقتبسناها كلنا عن الزعيم. لقد علمنا زعيمنا العظيم إن الصبر بإيمان واستعداد هو قوة من قوى حزبنا الروحية الكبرى وهو عنصر من عناصر نظامنا الرئيسية، وفلسفة حزبنا العظيمة هي اننا لسنا حزباً سياسياً أنشئ ليصل إلى الحكم، وعمله يبتدئ فقط عندما ينال هذه الواسطة، إن فلسفة حزبنا هي اننا حركة مثالية في نفسنا، في جهازنا، في كياننا، في تنظيمنا القائم على الأهلية والمناقب العالية والحيوية القومية والاتجاه الدائم نحو مثل عليا راقية هي أسمى ما وصل إليه تفكير العبقرية الإنسانية. فمصدر يقظتنا ونهضتنا واتحادنا متجانسين في الفكر والأهداف هو عبقريّ فرد من عباقرة الإصلاح الاجتماعي الذين يظهرون في بعض المجتمعات البشرية العريقة في الحضارة في فترات من الدهر تفصلها بعضها عن بعض آلاف من السنين.
نحن حركة حياة مثلية قائمة في نفسها، وقد وجدنا أنفسنا في الحزب لأنه يعبر تعبيراً واضحاً عن مستوى تفكيرنا ومستوى حضارتنا ومستوى طموحنا، ولا يمكن أن نتنازل عن حزبنا إلا إذا تنازلنا عن أسمى وأقدس شيء في نفوسنا ولا يمكن أن تنفصم عن وحدتنا القومية إلا إذا تكسرت أجنحة سمونا النسرية وسقطنا على الحضيض غرباناً نفتش عن الديدان والأقذار.
إننا حركة مثلية قائمة في نفسها لأننا نتمتع بنظامنا ونطبقه في داخلنا، وهذه غبطة قومية لا يمكن أن نتنازل عنها بعد أن ذقنا طعمها الكوثري، وقد يكون البعض ممن حولكم لا يدركون إلى الآن جوهر الرسالة القومية بدقة، فيتخيلون أن الحزب السوري القومي قد أنشئ في ظروف معينة لبلوغ أهداف سياسية قد يكون جعلها تطوّر الحالة العالمية ووقوع الأحداث الجامحة مستحيلة. إن هذا التفكير ضعيف جداً، إنه لإدراك أولي موروث عن التحزبات الإقطاعية والطائفية التي كانت ولا تزال تحل المشاكل بحرف "لو" فهي تارة تقول "لو" لو كنا أقوياء ومتحدين وأغنياء وكثيري العدد لفعلنا كذا "وطوراً" لو كان عدونا ضعيفاً وجاهلاً فعلنا كذا "فهذه الفئة، فئة التمنيات العقيمة، تريد أن تأكل ثمرات المجتمع قبل أن تزرع بذورها وتغرس غرساتها وتتعهدها بالعمل المثمر.
أيها السوريون القوميون !!
إن أصول حزبكم تمتد إلى ما وراء أربعة آلاف سنة وإن نواصى حزبكم تنمو إلى أن يسكت نبض الإنسان الأخير في العالم. إنكم كنتم سباقة المدنية العالمية وستكونون الموكب الأخير الذي يحملها إلى الأبدية. إن حزبكم لم ينشأ لظروف معينة مرت أو ستمّر، بل للحياة كلها. إنه لا يقول " أنا أنفع البلاد لو حصلت على كذا وكذا " اننا خدمنا البلاد وسنخدمها في كل زمان ومكان، وإن وجودنا وحده هو خدمة كبرى للوطن.
إنكم أيها السوريون القوميون، ستدخلون عما قريب في مرحلة فاصلة من مراحل حياتكم الطويلة، لن تكون فاصلة بين الحياة والموت لأن حزبكم خالد لن يموت، وإنما هي فاصلة بين انتقال البلاد إلى حالة تتمتع فيها بالحياة الراقية، مستثمرة ثروتها العظيمة، وبين بقائها في حالة اجتماعية اقتصادية راهنة لا تزال فيها منذ مئات الأعوام.
أيها السوريون القوميون !!
لقد دقت ساعتكم. الساعة التي تبرهنون فيها لأمتكم وللعالم أنكم لستم من فئات الكلام الأجوف التي تعودت الأمة سماع ضجيجها المزعج المنتهي باستغلال الظروف لإشباع الأطماع الخاصة. لقد دقت ساعتكم لتبرهنوا أنكم جوهر الأمة الخالد، العامل بتجدد ونظام وتضحية للقضاء قضاء مبرما على عوامل الهدم والانحطاط ولخلق نظام جديد يضع حيوية أمتكم في مجاري نموها الطبيعي !! " .
فقفوا في مراكزكم مستعدين وانتظروا !!
لتحي سورية وليحي سعاده زعيمها العظيم ".
كذلك تقرر توزيع صور للزعيم في أحياء العاصمة لصقاً على الجدران، وقد تم ذلك في 12 تموز 1940 كما يفيد الرفيق ابراهيم يموتٍ، وقد أذاعت محطة الإذاعة المحلية وبعض محطات الإذاعة في العواصم الكبرى خبر التوزيع المشار إليه، الذي اعتقل بسببه الرفقاء بطرس كيروز، عادل طفيلي، خضر سلام، صلاح عيتاني وادوار توتونجي (20).
جدير بالذكر أن الرفيق السائق لويس نصار ساهم في توزيع الصور بشكل رئيسي.
في إحدى جلسات مجلس العمد تقرر القيام بعمل سافر يعلن فيه الحزب موقفه السياسي القومي من الأحداث، على أن يصدر باسم رئاسة مجلس العمد، يوزع على نطاق واسع، ويتلى في اجتماعات عامة شعبية، ومن أجل ذلك تمّ اختيار الخطباء واتخاذ التدابير الاحترازية والأمنية. وتقرر أن يكون موعد تنفيذ الخطة في الأول من آب 1940. (نص البيان في باب الوثائق).
تقرر اختيار الأماكن لعقد الاجتماعات العامة وتلاوة البيان، على أن يكون الخطباء من خارج المنطقة حيث تقرر عقد الاجتماع، وكمثال على ذلك:
بتعبورة – القويطع الرفيق نجيب طعان صعب من الشويفات وكان يتولى مسؤولية مدير مديريتها (21).
عفصديق – الكورة الرفيق عجاج المهتار.
ضهور الشوير الرفيق ميشال خوري (من كفرحاتا) منفذ عام الكورة.
الشويفات الرفيق عبدالله سعاده.
أما الرفيق عبدالله محسن الذي كان يشغل مسؤولية منفذ عام البقاع الغربي فقد اختار بلدته مشغرة ليلقي البيان في ساحتها لتعذر تأمين خطيب من خارج المنطقة كما يفيد الأمين جبران جريج في "من الجعبة". في البدء كان تجمع عشرة مواطنين ثم راح العدد يتضاعف إلى أن وصل إلى ما يزيد على المئتين. اعتقل الرفيق محسن، واعتقل معه، ولاحقاً، 63 رفيقاً وقد جرى دفعهم في سجن الرمل، لا في سجن القلعة العسكري، لوفرة عددهم.
يفيد الأمين جبران جريج أنه من أجل تأمين التدابير الاحترازية فقد تشكلت زمر تدربت على شلّ قوى الأمن ان تدخلت لتفريق الاجتماعات، بإلهائها، بينما ينهي الخطيب تلاوة البيان، وعليه أن يختفي فجأة كما ظهر، وقد تسلّحت الزمر بالعصي لأن القصد لم يكن افتعال معركة مع قوى الأمن الوطنية، بل إلهاءها.
يقول الأمين كامل أبو كامل :
"في الشويفات التي كانت مركزاً لمنفذية الضاحية الجنوبية وكان على رأسها الأمين محمد أمين أبو الحسن كان فيها نجيب طعّان صعب مديراً لها، وطنوس نصر مذيعاً. والشخصان يتحليان بمزايا إنسانية رفيعة وقد جعلا مديرية الشويفات، عصّامية وقومية. طلب منهما دعوة القوميين وغير القوميين إلى التجمع في البلدة لأن مندوباً مركزياً سيحضر ويلقي خطاباً ويتوارى، وعلى الآخرين أن يتواروا أيضاً، وكان المندوب الأمين عبدالله سعاده ألقى الكلمة باسم "مستعار" – وتوارى الجميع قبل أن يصل خبر هذا الجمع إلى السلطات".
في مذكراته يشرح الأمين الدكتور عبدالله سعاده ما جرى، بقوله:
" في حزيران 1940 صدر عن عمدة الإذاعة بيان عنيف كتبه عميد الإذاعة آنذاك الرفيق أسد الأشقر، يدعو إلى مناهضة الانتداب بشدة لنيل استقلال الأمة وتحقيق حريتها.. وكانت الخطة المركزية تقضي بأن يتلى البيان في كل المناطق وفي وقت واحد على عموم الشعب.. وأذكر أنه كلف الرفيق فؤاد بربر من الكورة بإلقاء البيان في الشويفات.. وحضر المكلفون بإلقاء البيان إلى مركز الحزب إلا فؤاد بربر، وكانت مديرية الشويفات أعدت لذلك إعداداً شعبياً كثيفاً. والمنفذ العام الرفيق محمد أمين أبو الحسن أعد الشباب لاستقبالنا واستقبال البيان بشكل مؤثر وملفت للأنظار.
"قرر معروف صعب أن يلقي البيان بنفسه، لكننا لم نوافق على قراره لأنه إبن الشويفات وكنت قد انتهيت من السنة الأولى في كلية الطب. فتطوعت للمهمة، على اعتبار أن أحداً في المنطقة لا يعرفني. وكان عمري الحزبي وقتذاك أربع سنوات..
"كان علينا أن نلقي البيان ونتخفى بسرعة. وفي الشويفات تجمهر المواطنون في باحة السراي وألقيت البيان من على مدرج باب السراي باسم جلال طالب، ورجال الدرك يستمعون بعدما قطعنا خطوط الهاتف وأوقفنا حركة السير صعوداً ونزولاً. وحالما انتهيت من إلقائي البيان واكبتني سيارتان من الرفقاء إلى عين عنوب حيث اختبأت، ومن هناك توجهت إلى شملان فعاليه ثم بيروت وكنت أول العائدين بين المكلفين الآخرين.
"كان مخفر الشويفات يطلب من القيادة قوة مساندة وجواب القيادة واحد: "منين بدنا نجيب القوة.. المناطق كلها عمتطلب قوات.." وهكذا شلت مهرجانات البيان الإدارة ولم تستطع السلطة أن تطوّق أي مهرجان.. لكنها ألقت القبض على رفقاء الشويفات.
" كان شباب الشويفات قد اتفقوا في اجتماع لهم على أن يقولوا بأن اسمي هو "اسكندر ناصيف" لاعتقادهم بأن جلال طالب هو اسمي الحقيقي.. وانشغلت الدولة بالتفتيش عن "اسكندر ناصيف" فاستجوبت الدكتور مروان اسكندر وتأكدت أنه ليس المعني، ثم ألقي القبض على عجاج المهتار وأفرج عنه بعد أربعين يوماً بعدما تبين أنه ليس اسكندر ناصيف المطلوب، وكنت أول المهنئين له بالسلامة.
" أحيلت القضية على المحكمة العسكرية وحكم على "اسكندر ناصيف"، الذي هو "جلال طالب" الذي هو عبدالله سعاده بخمس سنوات غيابياً. وكنت حاضراً المحاكمة من أولها إلى آخرها " .
وفي كتابه "من الجعبة" يفيد الأمين جبران جريج بما يلي: "من جهة توزيع البيان فقد تمّ بنجاح منقطع النظير، ففي بيروت وزع على مداخل دور السينما بصورة خاصة وكذلك في دمشق وحلب والمدن السورية الباقية أما في دمشق فقد اعتقل الرفقاء تاج الدين خالد مع فكتور أسعد ورفيق آخر نسيت اسمه. أما في بعلبك فلا بد من ذكر مساهمة قائمقام المدينة صلاح لبابيدي(22) الذي استدعي إلى مركز الحزب، وهو عضو سري، وأخذ علماً بموعد التوزيع فعمل على تكليف قوى الأمن بمهمات خارج المدينة، فخلا الميدان للتوزيع.
" ولكن في طرابلس جرت اعتقالات شملت رفقاء من بينهم سليم صافي حرب (23)، محمود بيان، سعدالله حدبا وأحمد طبيخ الذين انتقلوا بعد شهرين من التحقيق إلى سجن القلعة العسكري في بيروت ".
بعد تلك النشاطات العلنية، بات المقر السري في رأس بيروت شبه علني وقد راح الرفقاء يقصدونه ليل نهار، لذا فقد تقرر الانتقال إلى مكان آخر، فكلف الرفيق فارس معلولي بالبحث عن منزل مناسب. في هذه الأثناء أصيب الرفيق حنا جريج (شقيق العميد جبران) بطلق ناري في رجله من دورية فرنسية حاولت القبض عليه في بلدته بترومين، إلا أنه تمكن من الإفلات منها وتمّ نقله إلى المستشفى في بيروت، فإلى المقر السري، للنقاهة.
* * *
في 20 آب 1940 جرت محاكمة الرفقاء المعتقلين، وكان على رأس القضاء الكولونيل شربونيه.
الأحكام :
- 20 سنة سجناً و20 سنة منع إقامة على أنطون سعاده .
- 20 سنة سجناً و20 سنة منع إقامة على مأمون أياس، جبران جريج، فخري معلوف، سروري بارودي، نايف قعوار، فريد صباغ وأنطون الرامي بالصفة الغيابية.
- 15 سنة سجناً و15 سنة منع إقامة على مصون عابدين بك.
- 10 سنوات سجناً و10 سنوات منع إقامة على نعمة ثابت، جورج عبد المسيح وعبدالله قبرصي.
- 5 سنوات سجن و5 سنوات منع إقامة على منير الملاذي.
- السجن سنتين لكل من الياس سمعان، ويليم سابا، محمد القاضي، اسبيريدون ديب، خالد موره لي ورشيد فرعون.
- السجن سنة واحدة لكل من بشير فاخوري، عزيز أرناؤوط، إحسان مسوح، إميل يوسف فتوة، رفيق أبي كامل، عبد الكريم سيروان، نمر عبد الباقي، أديب قدورة، يوسف اليازجي، منصور اللحام، نعمة غزال، صلاح شيشكلي، أمين مجذوب، حسن الطويل، الياس جرجي قنيزح، أنيس فاخوري، الياس قدسيه، إبراهيم الشامي، جورج حنكش ونجيب المقدم.
* * *
ذات ليلة بينما كان العميد مأمون أياس عائداً من لقاء مع كلودا ثابت في منزل الرفيق فريد شحادة – وكيل منفذ عام زحلة كما يفيد عنه الأمين جبران جريج – لاحظ أن سيارة تقتفي أثره، إلا أنه لم يعرها اهتماماً ولم يعمد والرفقاء إلى مغادرة المنزل – المقر. فجراً اقتحم رجال الأمن المنزل واعتقلوا العمد جبران جريج، مأمون أياس، وأسد الأشقر، والرفقاء فارس معلولي، عبدالله أيوب وحنا جريج، المصاب.
تمّ ذلك في 26 آب 1940 (أما الرفيق إبراهيم يموت فيورد تاريخ 27 تموز 1940 في كتابه "الحصاد المر") أي أن العميدين جريج وأياس تمكنا في ظروف أمنية قاسية أن يبقيا ما يناهز العام الكامل متوارين عن أنظار السلطة العسكرية الفرنسية بأجهزتها الهائلة المنتشرة في كل المناطق.
العميد عبدالله سعاده كان استأذن في اليوم السابق، للذهاب إلى أميون لزيارة والدته وطمأنتها على صحته وسلامته، وقد رافقه الرفيق عيسى حماده. أما الرفيق إبراهيم بشارة فكان غائباً في مهمة، لذلك فقد أفلتوا من الاعتقال.
في مذكراته، كما أوردها الأمين جبران جريج في كتابه "من الجعبة" يقول الأمين كامل أبو كامل "
|