إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

حذار خطاً ازرقاً بحرياً... أنه تنازل عن حق!

العميد د. أمين محمد حطيط - البناء

نسخة للطباعة 2012-05-11

إقرأ ايضاً


يبدو أن بعض اللبنانيين ورغم القوة التي يملكونها من أجل المحافظة على حقوقهم في وجه "إسرائيل"، قوة متمثلة بالقوة المعنوية التي هي قوة الحق والمشروعية، وقوة مادية ميدانية هي قوة الجيش والمقاومة المحتضنين من شعب واعٍ يريد حقوقه ولا يتنازل عنها، كل ذلك ونجد البعض يتبرع بحلول لمآزق تعتبر "اسرائيل" سببها، ويأتي اللبناني ليقدم لها مخرجا يريحها وينتقص من الحق اللبناني، وكانت آخر هذه البدع اللبنانية "بدعة اقتراح خط ازرق بحري" يتجاوز فيه صاحبه حق لبنان في الحدود الشرعية للمنطقة الاقتصادية الخالصة. وهنا حتى لا يبقى لمقترح عذر في موقفه، نعود ونذكر بقصة الخط الأزرق البري، وبعدم جواز القياس عليها.

ففي العام 2000، وعندما كنا نناقش مع الأمم المتحدة مسالة التحقق من الانسحاب "الاسرائيلي"، عرض الوفد الاممي علينا مشروع خط يريد ان يعتمده اساسا للتحقق وأسموه يومها "الخط العملي، او خط الانسحاب"، وكان منا الرفض المطلق لهذا الامر، لاننا كنا ولا زلنا نتمسك بخط وحيد بين لبنان وفلسطين المحتلة، هو خط الحدود الدولية المكرسة باتفاقية "بوليه نيوكمب للعام 1923 " وان بيننا وبين "إسرائيل" خط هدنة مكرس باتفاقية الهدنة للعام 1949 التي الغتها "اسرائيل" من جانب واحد رغم انها عقدت استنادا الى قرار من مجلس الامن المتخذ تحت الفصل السابع ولا زال لبنان متمسك به على الاقل بشكل نظري، وقد جاء خط الهدنة مطابقاً بحسب نص الاتفاقية لخط الحدود الدولية. لكن الامم المتحدة في العام 2000، وبضغوط "إسرائيلية" اميركية، حاولت ان تناور وتقفز فوق الحدود الدولية وخط الهدنة، وتعرض خطا آخر يختلف عن خط الحدود، في اكثر من منطقة، خط يقتطع من لبنان مساحة تقارب الـ 18 مليون متر مربع، لتبقي فيها مراكز "إسرائيلية" تحتاجها "إسرائيل" في عملياتها العدوانية ضد لبنان لاحقا.

لكن لبنان رفض يومها العرض الدولي، وتمسك بالحدود الدولية على طول الخط الفاصل بين لبنان وفلسطين المحتلة، وتراجعت الأمم المتحدة امام الاصرار اللبناني متمسكة بموقفها في نقاط ثلاث لا يوجد فيها مراكز عسكرية "إسرائيلية"، عندها تحفظ لبنان على موقف الامم المتحدة، وأبلغها انه يعتمد الخط للتحقق من الانسحاب، وان هذا الخط لا يشكل بأي حال مسا بالحدود الدولية، كما لا يجيز لـ"إسرائيل" ان تتقدم او تدخل الى اي نقطة من النقاط الثلاث المتحفظ عليها لان وظيفة الامم المتحدة هي التحقق من الانسحاب، وليست ترسيم حدود او التبرع بارض لبنانية "لاسرئيل". فالتزمت الامم المتحدة بالطلب اللبناني، وادرجت ذلك على خريطة الخط الذي اعتمد، ورسم باللون الازرق، اي لون الامم المتحدة لتمييزه عن خط الحدود الذي يرسم عادة باللون الاسود.

وبعد الانتهاء من التحقق من الانسحاب "الإسرائيلي" في آب 2000، كان من المفترض ان تغيب عبارة او مصطلح الخط الازرق عن التدوال العادي الرسمي، وكنا لا ندع مناسبة الا ونحذر فيها من التمسك بهذا الخط الذي يختلف عن الحدود الدولية، والذي هو موضع تحفظ لبناني، والذي في حال اعتماده يسقط الحدود الدولية الثابتة والمصادق عليها من قبل عصبة الامم وتالياً من قبل الامم المتحدة التي ورثتها، ثم يجعل الحدود تلك محل تفاوض جديد بين لبنان و"إسرائيل"، والكل يعلم كيف تنتهي المفاوضات، أو الى ماذا تؤول المفاوضات، عندما تكون "إسرائيل" طرفاً فيها.

لكن، وللأسف، ونظرا لقصر نظر موجود في لبنان، استمر الاعلام وغيره يتداول عبارة "الخط الازرق" – كما تريد "إسرائيل" التي رأت فيه امراً واقعاً لحدود جديدة ـ دون ان يعلم من يتداولها انه يحجب بها حقا لبنانيا ثابتا بالحدود الدولية، ويستبدله بخط خلافي ينتهك ولو بشكل محدود حق لبنان في ارضه في نقاط حدودية ثلاث، رغم انه انتهاك مع وقف التنفيذ، لان "إسرائيل" غير موجودة فيها الآن، ويمنع عليها ان تدخلها، وهذا هو السبب الذي جعل الجيش اللبناني يطلق النار في العديسة على قوة "إسرائيلية" حاولت التقدم الى الارض اللبنانية، متذرعة بانها جنوبي الخط الازرق، وكانت حجة لبنان المحقة يومها، أننا لا نعترف الا بالحدود الدولية ولا قيمة للخط الازرق في نظرنا عندما يبتعد عن الحدود. لاننا لسنا بصدد رسم حدود جديدة او ترك حبة تراب من أرضنا، تحت اي اعتبار.

وعليه فاننا نستنتج بان الخط الأزرق المتداول لم يسقط قانوناً خط الحدود الدولية، ولم يعط "إسرائيل" أي حق بان تتقدم الى المناطق التي ابتعد فيها الخط الأزرق عن تلك الحدود داخل الأراضي اللبنانية ( حيث التحفظ اللبناني ) ولو كان من شأن هذا الخط ان يكون غير ذلك، لكان بامكان "إسرائيل" ان تقتطع المدخل الشرقي لبلدة العديسة برمته، وتضم مسافة 800 متر من الطريق العامة المؤدية اليه، لكنها لم تفعل ليس لكرم أخلاق منها بل لان لبنان يمنعها من ذلك استنادا الى الحدود الدولية التي لا يسقطها ولا يعدلها الا اتفاق جديد بين المعنيين، وهذا الاتفاق غير حاصل، بل ان لبنان متمسك بحدوده الدولية القائمة.

في ظل هذا الواقع يطرح البعض ومن ضيق أفق او جهل او تساهل، مسألة رسم خط أزرق بحري، كحل لمسألة النزاع حول الحدود للمنطقة الاقتصادية البحرية الخالصة للبنان، ولاننا في هذا الطرح نرى مخاطر جسيمة، فاننا نجدد ان من واجبننا ان نحذر من خطورة هذا الطرح على الحقوق اللبنانية اذ لا مجال للقياس والمقارنة بين حالتي والبحر والبر.

ففي البر هناك حدود دولية ثابتة مصادق عليها من قبل الامم المتحدة ولا تستطيع "إسرائيل" مهما حاولت ان تتجاوز هذا الامر لسببين، الاول قانوني. حيث لا حجة لها مقبولة في هذا الشأن، والثاني ميداني حيث ان القوى اللبنانية من جيش ومقاومة، تقف لها بالمرصاد، واذا قامت بالمواجهة، فإن عملها يكون عملاً دفاعياً مشروعاً.

أما في البحر، فان مفهوم الحدود للمنطقة الاقتصادية الخالصة، هو مفهوم جديد يستند الى الاتفاقية الدولية حول البحار التي انضم اليها لبنان ولم توقع عليها "إسرائيل"، وبالتالي اذا رسم خط ازرق هناك من غير ان يكون نتيجة طبيعية لاتفاقية البحار، فانه سيخرج من المجال اللبناني كامل المنطقة التي تدعي "اسرائيل" ملكيتها، والبالغة من حيث المساحة 860كلم2، ما يعني ان لبنان بعد رسم هذا الخط سيكون عليه ان يحترم الامر الواقع الذي يكرسه الخط الازرق هذا، ويسقط حقه بالمقاومة لمنع "إسرائيل" من الدخول اليها، ثم انه لا يستطيع ان يخرج من هذا الامر الا بعد عملية تفاوضية مع "إسرائيل" يعلم الجميع انها لن تحصل في القريب المنظور ويمكن ان لا تحصل ابدا، طالما ان "إسرائيل" قائمة على اغتصاب فلسطين. وهذا يقودنا الى القول وبكل بساطة ان القبول بخط ازرق بحري لا يشمل المنطقة المتنازع عليها، يعني ومن غير التباس، تنازل مقنع عن حق لبنان في منطقة مساحتها 860كلم2، وترك امرها الى المجهول الذي لا يعرف متى يزول او يكشف. وهنا اعود واذكر بان لبنان مع تحفظه على الخط الازرق الدولي، لم يمتنع عن التمسك بسيادته على الارض التي يراها ضمن حدوده الدولية، رغم ان الخط الازرق المتحفظ عليه اقتطعها منه، بينما سيكون الامر خلاف ذلك في الخط الازرق البحري حيث سيكون على لبنان ان يذعن له، ويمتنع عن تجاوزه الى منطقة له حق فيها بمقتضى اتفاقية البحار.

لكل هذا نقول حذار القياس على الخط الازرق البري، والقبول بخط ازرف بحري، لا بل حذار الاستمرار في تداول مصطلح الخط الازرق البري الذي سقط مع انتهاء التحقق من الانسحاب في العام 2000، انه خط سقط بعد الانتهاء من استعماله. علما بان "إسرائيل" ستكون ممتنة من لبنان، اذا طالب بخط ازرق بحري يحرمه موقتا (والموقت مع "إسرائيل" دائم) من حقه في 860كلم2 ثم يصبح واقعياً حدوداً بحرية، لانه كما حلت لجنة الناقورة الثلاثية وبالأمر الواقع محل لجنة الهدنة، نخشى أن يحل الخط الازرق محل الحدود الدولية.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024