إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

حرب عرسال ومصير لبنان... حذارِ الإهمال أو الخديعة

العميد د. أمين محمد حطيط - البناء

نسخة للطباعة 2014-08-07

إقرأ ايضاً


عندما أعلنت «داعش» الدولة الإرهابية في العراق والشام خريطتها وضمت إليها لبنان إضافة الى الكويت وفلسطين والأردن، ظن بعض البسطاء أن الأمر حدث عابر محدود فتجاهلوه، الى حد أن أحد الرسميين الللبنانيين لم يعلّق على الموضوع أو ينبس ببنت شفة، كأنّ الأمر يحدث في كوكب آخر! وحدهم المعنيون بالمقاومة ممارسة وبيئة حاضنة اهتموا بالشأن وحملوه على محمل الجد، نظراً إلى ما رأوا فيه من خطر وارتباط بالمشروع الصهيو ـ أميركي العام المعدّ للمنطقة والذي وضع موضع التنفيذ في سياق «الحريق العربي» الذي يلتهم المنطقة منذ نيف وأربع سنوات.

لكن مع انفجار الوضع في غزة، وقبله في جبل الشاعر في سورية، ثم ما نفذ من عدوان إرهابي في عرسال ضد الجيش اللبناني وضد لبنان ومؤسساته ومواطنيه عامة، مضافاً الى ما نسب إلى هيلاري كلينتون من أقوال وردت في كتابها حول «داعش» وصلتها بأميركا تأسيساً وأهدافاً، مع هذه المحطات الأساسية التي يتنقل فيها المشروع الصهيوـ أميركي، أعتقد أن على من يملك ذرة من وعي وحرص أن يتبين عناصر هذا المشروع ويطرح علامة استفهام حول موقعه فيه ومصيره إثر تنفيذه.

كي لا نستعيد هنا ما كنّا ذكرناه في محطات سابقة وفصّلناه شفاهة وكتابة حول هذا المشروع، نكتفي بالإشارة الى ما يهدف إليه المشروع من إقامة دولة دينية باسم الإسلام وفقاً للتصنيع الأميركي المناقض لحقيقة الإسلام بذاته يقول مدير الاستخبارات الأميركية السابق: « علينا أن نصنع لهم إسلاماً يناسبنا، فيقتتلون حوله ثم يستغيثون بنا فنهرع إليهم محتلّين برضاهم وطلبهم» . دولة تبرّر وجود «إسرائيل» كدولة دينية وسلوكياتها في حق العرب من طرد وقتل ونشر للفساد وانحلال الأخلاق وإبعاد عن الدين. يهمنا أن نسلط الضوء الآن على الخطة التنفيذية التي باتت مفضوحة ومكشوفة أمام بصيرة من يريد الحقيقة أو يبحث عنها.

انطلقت الخطة الأميركية الجديدة بعد فشل الخطط السابقة في سورية، بدءاً من العراق بـ»مسرحية الموصل الداعشية» التي انتهت الى إعلان خليفة باسم الإسلام الأميركي، وتتالت فصولاً تنفذها «إسرائيل» و«داعش» على نحو متوازٍ، فتحركت «إسرائيل» في فلسطين وصولاً الى حرب غزة، وعملت «داعش» وفقاً لخريطتها المعلنة، وحققت الخطة بعض النجاحات التي اعترتها إخفاقات وقعت فيها، ما جعل استكمال التنفيذ معقداً، وتعقد الوصول الى تحقيق ما رمى إليه المخطط في لبنان من اجتثاث للمقاومة فيه بعد الفراغ من المهمة في غزة، إذ كانت «إسرائيل» تتوقع النجاح السهل في غزة وصولاً إلى اسئصال المقاومة أو تدجينها، والانطلاق من ثمّ مستندة الى نجاح مفترض لـ»داعش» في لبنان يفضي الى عزله عن سورية وحصار المقاومة، وعندئذ تفتح الطريق أمام عملية منسقة بين «إسرائيل» و«داعش» لاجتثاث المقاومة الإسلامية التي ينظمها حزب الله، ويتحقق الحلم الصهيو ـ أميركي التاريخي.

لدى التنفيذ، نجحت «داعش» في العراق في السيطرة على منطقة واسعة فيه، لكنها أخفقت في تحقيق كامل المطلوب هناك، بسبب مقاومة أبدتها السلطة العراقية رغم أنها ليست كافية حتى الآن وبسبب رد فعل فئات شعبية واسعة تصاعد رفضاً لهذه الظاهرة الإرهابية الإجرامية. لكن «داعش» استندت الى ما حققته من نجاح جزئي لتخرج ما تبقى من الخطة وتضعه موضع التنفيذ باحتلال المناطق السورية الثلاث الحسكة جبل الشاعر – حمص والانتقال للسيطرة على المنطقة الواقعة شمال خط عرسال طرابلس في لبنان، على نحو يؤمن لها منفذاً بحرياً على المتوسط.

ثم كان احتلال «داعش « لجبل الشاعر وحقول الغاز فيه وتحريك وضع الحسكة والاستعداد للعودة الى حمص والقصير في سورية، وفتح معركة عرسال في لبنان. حصل ذلك في سياق تنفيذ الخطة العامة الواحدة المتكاملة، لكن سورية تصدّت لهذه الخطة وكبحتها مع بدء انطلاقتها عبر استعادة السيطرة على جبل الشاعر، والحرب الاستباقية التي قامت بها من القلمون الى القصير والاستعدادات العسكرية لمواجهة أي طارئ أو أي خطر يظهر في حمص وريفها، أو بدأ في الظهور في الحسكة، ما جعل «داعش» تركز على عرسال. وهنا يطرح السؤال الكبير حول مصير المواجهة في عرسال وتداعيات نجاح «داعش» فيها، إن نجحت.

قبل الإجابة، لا بد من التوقف عند النتائج السلبية التي خرجت بها «إسرائيل» من حربها في غزة وما لهذا الإخفاق الاستراتيجي الكبير من تأثير في مسار الخطة، الى الحد الذي يجعلنا نقول إن الفشل في غزة سيقود الى إجهاض الحلم «الإسرئيلي» في لبنان وبالتالي سقوط جزء رئيسي من الخطة العامة، خاصة ما يتعلق بالمقاومة. لكن الجزء الآخر المتعلق بما يسمى الدولة الإرهابية في العراق والشام «داعش»، يبقى ماثلاً في الأذهان ويثير المخاوف.

إن نجاح «داعش» في تثبيت أقدامها في عرسال التي تحتلها احتلالاً كاملاً الآن، وسعيها الى التمدد في اتجاه طرابس وعكار، وبعدها في اتجاه البقاع الغربي وبيروت، سيؤدي الى كارثة تلحق بالكيان اللبناني وباللبنانيين لجهة تفكك الدولة وتهجير شعبها وانهيار مؤسساتها الرسمية، على غرار ما حصل في الأماكن التي سيطرت حتى «داعش» عليها، خاصة بالنسبة إلى الأقليات، ولتكن الموصل مثلاً يقاس عليه.

لذلك نرى أن الهمّ اللبناني ينبغي أن يتركز الآن على أمر واحد هو منع «داعش» من النجاح في عرسال والاستقرار فيها، أو على الأقل منعها من التمدد خارجها. مهمة يتولاها بشكل رئيسي الجيش اللبناني ومعه القوى الأمنية اللبنانية الرسمية كافة التي يجب أن توضع بتصرفه. ولهذا نعود الى اقتراحنا السابق الذي أطلقناه قبل ثلاث سنوات عندما طالبنا بإعلان المنطقة الواقعة شمال خط عرسال – طرابلس منطقة عسكرية وإعلان حالة الطوارئ فيها، ونطوّر اليوم اقتراحنا لتعلن كامل المنطقة شمال خط بيروت ـ دمشق منطقة عسكرية يتولى الجيش فيها مسؤولية الدفاع والأمن حصراً، وتوضع في تصرفه جميع القوى المسلحة الرسمية.

إن الجيش اللبناني قادر لو أعطي الوسائل على التعامل مع الخطر الجاثم في عرسال على نحو يقوده الى النصر الأكيد، ولدى الجيش من الإرادة والاحتراف ما يبعث على الطمأنينة والثقة، لكن يجب ألاّ نغالي في رفع سقف الأهداف فيكفي في مرحلة أولى أن يعزل الجيش منطقة الخطر ويمنع تمدده الى الداخل اللبناني لإجهاض الخطة الرئيسية، ثم ينتقل بعد ذلك الى معالجة أصل الخطر بذاته عبر عملية استعادة الأمن لعرسال في عملية عسكرية متقنة تقوم على عنصري «التطويق والتضييق» من ناحية، و«القضم المتدرج والتطهير المتتابع» من ناحية أخرى، ورغم علمنا أن هذه الحرب في وجهيها الحصار والقضم تستلزم وقتاً غير قصير وإمكانات مناسبة غير قليلة، نعتبر أن قسماً كبيراً من النجاح يكون تحقق بمجرد العزل ومنع التمدد الى الداخل، فيتلاقى هذا الإنجاز مع ما سبقه من نتائج أدت إليها حرب غزة بسقوط الحلم الصهيو ـ أميركي من خلال النجاح في عملية عسكرية ضد المقاومة انطلاقاً من الجنوب.

إن نجاح الجيش في معالجة الخطر الاستراتيجي الداهم انطلاقاً من عرسال، مشروط بأكثر من عنصر على الدولة اللبنانية تأمينه بدءاً بتزويده ما لا يقل عن عشرة آلاف عسكري احتياطي أو متطوع أو مجند وتزويده الأسلحة والذخائر اللازمة للعمليات العسكرية في الحصار والقضم، وكف ألسنة السوء والتشكيك فيه، والالتفاف الرسمي والشعبي حوله ليشعر بأنه غير متروك وحده لقدره، فهذا الشعور قد يقوده الى ما لا تحمد عقباه على الصعيد العسكري والوطني، فضلاً عن وجوب التنسيق مع الجيش العربي السوري وعدم التوقف عند الأصوات المرتهنة للخارج الرافضة هذا الأمر.

يجب التعامل مع حرب عرسال بمنتهى الجدية والمسؤولية، فنتائجها مصيرية للكيان اللبناني. إنها حرب لا يمكن الاستخفاف بها على الإطلاق، واذا كان الجيش اللبناني هو المسؤول أصلاً عن المواجهة فإن ذلك لا يعني تحلل اللبنانيين من المسؤولية الوطنية، فعلى الجميع الحذر والترقب لمواجهة ما يمكن أن يقع، وكل شيء محتمل. لذا يجب الإعداد لمواجهة أسوأ الاحتمالات، أما اولئك الذين يعيشون منفصلين عن الواقع ويجافون المنطق ولا يرون في كل ما حصل إلاّ المقاومة وسلاحها وضرورة نزعه، أو عمل المقاومة وضرورة حصره، فإننا لا نرى فيه ما يستحق الاهتمام للرد عليه، فهؤلاء إما هم جماعات من العميان يصرّون على عماهم أو جماعة من العملاء تطربهم عمالتهم وخيانتهم للوطن، والمسألة اليوم أكبر من الاهتمام بأعمى أو بعميل.

نحذر في الختام من المناورات الاحتيالية التي بدأت تلوح ويديرها «داعشيو» الداخل اللبناني لتجاوز نجاح الجيش في استيعاب الصدمة الأولى المفاجئة، واستعادته زمام المبادرة في الميدان، ما أحرج «الداعشيين» السياسيين قبل العسكرين. مناورات تروم العودة الى ما كان عليه الوضع قبل اعتداء «داعش»، مع أن في هذه العودة أكبر الإساءات الى الجيش ومهمّاته. ومن الملحّ ألا تكون أي تسوية مقبولة نتيجة تفاوض مع المسلحين، وألاّ تكون على حساب معنويات العسكريين ودمائهم. ويجب في الحد الأدنى إسقاط التفاهمات السياسية التي ارتضتها السلطة السياسية السابقة والتي منعت الجيش من التمركز في عرسال، أي يجب ببساطة تامة فرض القانون على عرسال من دون أي قيد أو شرط وتمركز الجيش فيها وضبط الحركة منها وإليها وفقاً للقانون… وإلاّ سنكون أمام هجوم «داعشي» جديد لن يمنعه إلاّ…؟ وعندئذ يدفع لبنان الدولة الثمن.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024