إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

تيار الحريري يغرز 48 شطية اضافية في جثمان رشيد كرامي و يسقط

العميد د. أمين محمد حطيط - البناء

نسخة للطباعة 2014-04-24

إقرأ ايضاً


من مفاراقات الحياة السياسية في لبنان الفجور والوقاحة في التناقض السلوكي، فبعض السياسيين يقولون من دون أن يرف لهم جفن، الشيء وعكسه، في اللحظة ذاتها، ويلهثون لتحقيق أمر ما ثم ينددون ويرفضون ويدينون من يتمسك بالأمر عينه. وفي هذا لا نتخيل ولا تفتري على أحد، بل إن المثل الذي قدمه تيار «مستقبل» الحريري سلوكاً حيال اغتيال رئيس وزراء لبنان أثناء قيامه بمهمات منصبه، وسلوكهم حيال اغتيال نائب شغل منصب رئيس وزراء سابق يقدم الدليل الساطع.

ففي قرار قضائي مبرم صادر عن أعلى هيئة قضائية في لبنان - المجلس العدلي - اعتمدت فيه أعلى معايير العدالة في التحقيق والمرافعة والدفاع، حتى النطق بالحكم، أدين سمير جعجع بقتل رئيس حكومة لبنان رشيد كرامي عبر مؤامرة حبكها ونفذت بتفجير على متن طوافة عسكرية للجيش اللبناني كانت تنقله من منزله في طرابلس الى مركز عمله في بيروت حيث مقر رئاسة الحكومة، وحكم على سمير جعجع بوصفه مرتكب جناية قتل رئيس حكومة لبنان وفقاً لما أثبته القضاء بناء على أدلة وقرائن قاطعة. حكم على جعجع بالإعدام وخفّف الحكم الى الأشغال الشاقة المؤبدة، أي حكم عليه بأن يقضي ما تبقى له من عمر في زنزانة تنقذ المجتمع منه، كي يجنبه أخطار عدوانيته الإجرامية، خاصة أنه أدين بالموازاة مع هذه الجريمة بجرائم قتل أخرى أودت بحياة سياسيين وغير سياسين، جرائم ارتكب بعضها قبل اتفاق الطائف وبعضها الآخر بعده لكنها كانت كلها من الحجم الذي أوجب إحالتها على المجلس العدلي ولم تكن مشمولة بقانون العفو العام الذي أسقط جرائم الحرب قبل الطائف.

لكن، بغفلة من الزمن، وبعد جريمة أودت بحياة النائب رفيق الحريري الذي كان استقال من رئاسة الحكومة قبل أشهر وراح يعدّ العدة لخوض الانتخابات النيابية في رببع العام 2005، وكان عجز الغرب عن تنفيذ القرار 1559 الذي صاغته فرنسا وأميركا وفرضتاه على مجلس الأمن لوضع اليد الأميركية على لبنان من خلال تجريد المقاومة من سلاحها، وإخراج الجيش السوري من لبنان، وفرض رئيس جمهورية مطواع يستجيب للأوامر الصهيو ـ أميركية خلافاً للرئيس الوطني الصلب

الذي أفشل جميع محاولات الغرب لوضع اليد على الجيش اللبناني ومصادرة القرار اللبناني ومنع تحويل لبنان الى خنجر في الخاصرة السورية وقلب محور المقاومة ورفض توطين الفلسطنين في لبنان.

أول المستفيدين من جريمة قتل رفيق الحريري كان السجين سمير جعجع، إذ قادت الغوغاء التي أنتجتها الجريمة بشكل مدروس ومعد سلفاً الى الضغط على مجلس النواب اللبناني ودفعته الى اعتماد قانون عفو عام عنه، ما أدى الى خروجه من السجن، وكان تيار «المستقبل» يومذاك قد دخل في تحالف- اللحظة مع «حزب القوات اللبنانية المنحل « وشكل معه رأس الحربة في قيادة تلك الضغوط.

تجرّع آل كرامي وأكثرية الشعب اللبناني مرارة قانون العفو الخارج على قواعد العفو العام، غير أن الغوغاء وصخبها لم يدعا فرصة لسماع أنين تلك الأكثرية الساحقة من اللبنانيين الرافضة قانون العفو والمتحسرة على رجل الدولة رشيد كرامي، مقروناً بحزن بعضها وفئات أخرى على رفيق الحريري. والسؤال الذي طرحه الجميع يومذاك: ما علاقة اغتيال رفيق الحريري بسجن سمير جعجع وإطلاق سراحه؟!

واستمرت الغوغاء ذاتها المحركة والمقودة من الخارج في صخبها، حتى وصلت خلافاً للدستور اللبناني وبعيداً عن ممارسة رئيس الجمهورية لصلاحياته، الى فرض تشكيل محكمة جنائية دولية خاصة بجريمة قتل رفيق الحريري وفرض على لبنان تحمل نسبة 49 من نفقاتها وتبلغ عشرات ملايين الدولارات، ولتكتمل الصورة أقدم تيار «المستقبل» على تبني ترشيح سمير جعجع لرئاسة الجمهورية فارتسمت أمام اللبنانيين صورة فظيعة لا يمكن أن يحتملها أو يتقبلها عاقل منصف أو وطني حريص على الكرامة والعدل والإنصاف واحترام قواعد الأخلاق. صورة فيها:

محكمة جنائية دولية يلزم لبنان بنصف نفقاتها ومهمتها كشف المجرمين الذين ارتكبوا جريمة قتل رئيس وزراء لبناني سابق، يقابلها عفو عن قاتل رئيس وزراء لبناني خلال توليه منصبه قتلاً عمداً عن سابق تصور وتصميم، ثم ترشيح هذا المحكوم المعفو عنه الى رئاسة الجمهورية!

نعلم كحقوقين أن من شأن العفو العام أن يزيل الجريمة ويسقط الأحكام العقابية الصادرة في صددها، ويكون العفو العام وفقاً لما استقر عليه من قواعد في فلسفة القانون والعدالة الانتقالية عاماً وليس خاصاً لأجل طي صفحات ماضي مؤلم ويوقف الملاحقة والعقاب، ويتيح الفرصة للمجرمين المعفو عنهم أن يعيشوا حياتهم بعيداً عن المجتمع الذي انتهكوا أمنه واستقراره دونما استفزاز أو نكء جراح، أي أن العفو العام يكون لأجل الأمن والاستقرار وليس لأجل الاثارة واستفزاز المشاعر، ويكون عاماً شاملاً غير انتقائي وعير شخصي فهو يسقط الصفة الجرمية عن نوع من الأفعال من دون ان ينظر الى هوية الضحية، أما إذا كانت هوية الضحية محددة فهنا يكون الى جانب قواعد القانون إعمال لقواعد الأخلاق ولا يمكن الفصل بينهما.

هنا نسأل تيار المستقبل الذي تبنى ترشيح قاتل رشيد كرامي: هل إن قتل رشيد كرامي مسموح به وفقاً لقواعد الأخلاق التي يلتزمها؟ وهل أن دم رفيق الحريري أغلى من دم رشيد كرامي؟ وهل يقبل تيار المستقبل وآل الحريري تحديداً وقف المحكمة الدولية ونسيان جريمة قتل رفيق الحريري؟ وهل يقبلون بأن يصبح حاكماً في لبنان من سيدان بجريمة قتل رفيق الحريري مستقبلاً؟

نعلم يقيناً - مع أن القول اليقين غير مسموح به إذا تعلق الأمر بشأن عارض في المستقبل- ومع ذلك نسمح لنفسنا الآن بالقول إننا نعلم يقيناً أن سمير جعجع لن يكون يوماً رئيساً لجمهورية لبنان ولن ينتخب لهذا المنصب، وأن ما جرى عام 1982 لن يتكرر، فالمعادلات تغيرت والصورة اختلفت.

ونعلم أن الانتخاب في جولته الأولى كان في الحقيقة معركة داخل 14 آذار، معركة أرادها سمير جعجع ليطلق دخاناً يحجب ماضيه الأحمر والأسود، ويكرسه زعيماً أوحد على مسيحيي «14 آذار»، ونعلم كذلك أن الرئيس الممكن في لبنان هو الرئيس الذي يتم التوافق عليه والذي توقع المقاومة جواز مروره، فيكون منيعاً في ذاته وضابط إيقاع الحركة السياسية في لبنان، وهذا كله لا ينطبق على من تبناه تيار المستقبل!

نعلم أيضاً أن زمن انتخاب الرئيس في لبنان لم يحن بعد لأن الأمر مرتبط بما يحصل في الإقليم، فلبنان لم يُنشأ دولة – كيان بل أًقيم كيان- وظيفة، وإن المعنيين بوظيفته منشغلون اليوم بملفات تعنيهم أكثر من رئاسة الجمهورية اللبنانية.

نعلم ذلك كلّه وبالتالي ليس محتملاً وإن واحداً في المئة أن ينتخب الرئيس اليوم أو أن يفوز من رشحه تيار المستقبل. ورغم ذلك نقول ان مجرد الترشيح والتبني فيه ما فيه من استفزاز ونكء الجروح قدراً جسيماً.

أما في التصويت فنرى أن الـ 48 صوتاً التي منحت لمرشح الحريري هي 48 شظية إضافية مزقت مجدداً أجساد رشيد كرامي وداني شمعون وآخرين أدين جعجع بقتلهم. ونقول لمن أسقطوا تلك الشظايا في صندوق الاقتراع إنكم أطلقتم ناراً ولم تمارسوا اقتراعاً.

و في المقلب الآخر، نسجل نجاح الذين أسقطوا أوراقاًُ تذكّر بالضحايا في إسقاط حلم جعجع بطمس الماضي، وكان إخفاقه هنا مدويّاً بسبع أوراق ثبوتية تتخطى قانون العفو ومحاولات التزوير، ويبقى أصحاب الأوراق البيضاء الذين يستحقون التهنئة أيضاً مثلما استحقها أصحاب أوراق الضحايا، إذ حرموا جعجع فرصة التنافس، مؤكدين أن جلسة انتخاب يكون فيها جعجع مرشحاً لرئاسة الجمهورية لا بد من أن تكون جلسة هزلية هزيلة لا تستحق أن يرشح فيها أحد من الجديين. وكان ذلك السقوط الثاني لجعجع وفريقه، ويبقى السقوط الثالث الذي كان من حصة تيار «مستقبل الحريري»، وهو سقوط أخلاقي قبل أن يكون سقوطاً سياسياً ولن تمحوه السنون.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024