إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

أميركا تسلّح الإرهابيين: للضغط أم لنسف «جنيف ـ 2»؟

العميد د. أمين محمد حطيط - البناء

نسخة للطباعة 2014-01-30

إقرأ ايضاً


لم يستطع معسكر «السلام لسورية» أن يفهم أو يتقبل لحظة واحدة القرار الاميركي بتسليح الجماعات المناهضة للدولة وللنظام والحكومة السورية، لا في المضمون ولا في التوقيت. حيث إن القرار بذاته يعتبر انتهاكاً صارخاً لقواعد القانون الدولي الصريحة في منعها لاي تدخل أجنبي في شؤون دولة مستقلة حتى ولو كان هذا التدخل من طبيعة سياسية ناعمة، فكيف بك والحال هنا يتمثل بتدخل عسكري مسلح يقود إلى سفك الدماء وتقويض الامن والاستقرار في دولة عضو في الامم المتحدة. أما من حيث التوقيت فقد كان القرار الأميركي بمثابة إسقاط القناع هذا إذا كان هناك قناع أصلاً - عن وجه أميركا في عدوانها على سورية وبمثابة الصفعة لكل من وثق بأميركا وصدّق أنها تريد أو تعمل لإنجاح «جنيف- 2» الجاري الانعقاد اللآن، حيث إن القرار تزامن مع هذا الانعقاد ومع انطلاق المؤتمر في أسبوعه الأول، قرار جاء في مضمونه مناقضاً لروح وذهنية المؤتمر الذي اعتمد «بيان جنيف- 1» أساساً للدعوة اليه، و«جنيف- 1» ينص في بنده الاول على وقف العنف وتهيئة البيئة الهادئة للحوار والتفاوض الوطني السوري بعيدا عن أعمال الإجرام والإرهاب التي يجب وقفها.

نحن نعلم وانطلاقاً من فهمنا لقواعد السياسة الاميركية واستراتيجية التفاوض المعتمدة لديها، أن أميركا لا تفاوض إلا تحت النار، استراتيجية اعتمدتها منذ أن دخلت حلبة الصراع الدولي وباتت القطب الرئيس في هذه الصراعات. فـ أميركا تعرف في العمق أن ما تبحث عنه وتريده من الصراع لا يبرره قانون ولا شرع، فمعظم ما تطرحه وتطالب به هو نوع من اغتصاب او انتهاك حقوق الآخرين، فكما كان قيامها على أرض الآخر هدراً لحقوقه فإن نهجها ومسيرتها يشكلان استمرارا لطريقة نشأتها، ولذلك تعرف أميركا أنها لن تستطيع أن تقدم للمتفاوض معه أو للمحاور الآخر الحجة التي تقنعه أو القرينة والبرهان على صدقيتها والحجة على حق لها تعرف أنه غير موجود أصلا، لذلك فإنها تعوض عن غياب الحجة والحق بالقوة العسكرية والعدوان المادي العنيف الذي يحمل الخصم على التسليم بما ليس لها عندما تخيّره بين سيىء وأسوأ، ويكون السيىء التنازل عن شيء من حقوقه والاسوأ تدمير مصالحه كلها فلا يبقى له حق يستثمر.

هذا المنطق المنحرف وهذه الاستراتيجية القائمة على القوة التي تعتمدها أميركا بعيداً عن منطق الحق والشرعية، مكنت أميركا من التوسع الكوني حتى كادت تقيم امبراطوريتها الكونية وإرساء النظام العالمي القائم على الأحادية القطبية، لكن الأمور لم تستقم لها بسبب وجود من قاوم هذا المسار ورفض هذا السعي متمسكاً بحقوقه ومدافعاً عنها في الميدان وبالقوة العسكرية أيضا. لكن الفشل الاميركي في مواجهة المقاومين لم يثن أميركا عن العمل باستراتيجيتها «استراتيجية القوة» بكل أشكالها « الصلبة» أو «الناعمة « او «الذكية» أو «المركبة» من عنصرين أو أكثر مما ذكر. وكانت سورية التي شنت عليها أميركا حربها الكونية نموذجاً لتطبيق تلك الاستراتيجية المركبة من الصلبة والناعمة والذكية معاً.

لكن أميركا وبعد أكثر من سنة من استعمال العنف المسلح ضد الدولة السورية، تبين لها أنها عاجزة عن تحقيق كل ما تريد وتبتغي من هذا العدوان، فدخلت في مؤتمر دولي حول سورية بعد أن كان باب مجلس الامن قد أقفل بوجهها بسبب الفيتو المزدوج الروسي الصيني الذي حال دون منح أميركا الرخصة الدولية لمعالجة المسألة السورية تحت الفصل السابع كما فعلت في أفعانستان وليبيا، وتصورت أميركا أنها قادرة عبر هذا المؤتمر الدولي الذي انعقد في جنيف في أواخر حزيران 2012 أن تمارس الخداع الدبلوماسي والمناورات الإحتيالية تحقيقاً لاهدافها.

وبعد أخذ ورد طال لأكثر من يومين من التفاوض والمناقشة، صدر بيان «جنيف ـ 1» في 30 حزيران 2012 بصيغة سارعت أميركا إلى تأويلها بما يناسب مخططها الاساس ضد سورية، أي إسقاط نظامها وتنصيب هيئة حكم انتقالي تذكر بمجلس الحكم الانتقالي في العراق إبان الاحتلال الاميركي له، والكل يذكر كيف خرجت هيلاري كلنتون يومها بتأويل للبيان مدّعية بأن الإتفاق حول السلطة الانتقالية يعني تنحي رئيس الدولة السورية عن مهامه ونقل السلطة لهيئة جديدة تعين دون ان يكون للدستور السوري النافذ دور في شأنها، موقف استدعى يومها رداً حاسماً من لافروف وزير الخارجية الروسي ينكر على كلينتون تأويلها وذهابها بعيداً عن الاتفاق وروحه. ثم كان الموقف السوري صارماً بالرفض للتأويل الاميركي ذاك، ما جعل أميركا تطوي البيان وتعود الى الميدان مجدداً وتضخ فيه كل ما يمكنها الوصول اليه من طاقات وصولاً الى التهديد بالعمل العسكري المباشر وتدخل الجيش الأميركي نفسه. متناسية جنيف ـ 1 وبيانه الداعي للحل السلمي للازمة السورية عبر الحوار الوطني المحتضن ببيئة دولية ملائمة.

وكما حدث في العام 2012 حيث عجزت أميركا عن استدراج المعنيين بسورية إلى فخ احتيالي نصبته لهم في جنيف-1، فعادت الى الميدان مركزة عليه ومتصورة أن رفع حجم المسلحين الى 170 ألف مسلح وإشراك جماعات من 83 دولة في عملية التحشيد العسكري ضد الدولة السورية سيمكنها من تحقيق مآربها، فإن أميركا اليوم تعيد الكرة ذاتها، في جنيف ـ 2»حيث إنها وقفت على عجزها في تمرير مقولتها وتحقيق خطتها بإسقاط الحكم في سورية وتعين «مجلس حكم انتقالي» يقوض أركان الدولة ويعطي «إسرائيل» ما شاءت من مصالح واعتراف وتنازل، وتأكدت أن المفاوض الرسمي السوري قوي بحجته وبدولته وبالحقوق الوطنية التي يتمسك بها، وقوي بتحالفاته، وبالتالي لن يتنازل ولن يعطي أميركا ما تريد، لهذا تعود أميركا إلى الميدان علانية وتقرر استئناف تسليح الجماعات الارهابية العاملة في سورية قتلا وتدميراً، وهي تريد من هذا القرار واحداً من أمرين:

«ترويع» الطرف السوري الرسمي والضغط عليه للتنازل والقبول بتأويلها، أي تسليم السلطة لمن ترضى أميركا عنه ويحقق أهدافها في سورية ومنها المستجد في إعلانه والمتمثل بتقسيم سورية لاقامة الفيدرالية بدل الدولة الواحدة.

أو استمرار الحرب على الارض السورية حتى تحقيق هذه الاهداف بالقوة العسكرية، ما يعني نسف جنيف ـ 2 خصوصاً وأن بعض أدواتها كالسعودية كان يرفض هذا المؤتمر من أساسه.

أي إن أميركا أرادت من قرار تسليح الارهابيين إرسال رسالة واضحة الى سورية ومحورها تخيرهم فيها بين الاستسلام أو القتال، ونسيت أميركا أن هذا الفريق لو كانت لديه نيّة الاستسلام لكان فعل في عام 1990 عندما انصاع لها أو انهار أمامها كل من يقول «لا» لأميركا في العالم كله وبقي محور المقاومة وحده على سلاحه في المواجهة. ثم ولو كانت سورية قادرة على تقبل فكرة الاستسلام لكانت فعلت منذ 3 سنوات كما قال الرئيس الاسد، وقد كان الاستسلام يومها أقل ثمناً من استسلام اليوم، ثم ألا تعرف أميركا أن من تواجه اليوم هو في موقع الأرجحية العسكرية والميدانية؟ وألا تعرف أميركا أن ما بلغته سابقاً من سقف في الميدان هو أقصى ما تستطيع، وهو أمر لن يتكرر في الظروف الدولية والاقليمية القائمة؟ وأخيراً ألا تعلم أميركا أن من تراهن عليهم في السياسة والميدان هم مفككون متناحرون لا يقوون على فعل شيء تعول عليه؟ وليست لديهم اي مؤهلات للنجاح والانتصار؟

إننا نرى أن القرار الاميركي بتسليح الارهابيين ليس له قيمة فعلية في الميدان لجهة تعديل موازين أو تغيير معادلات، وأن جلّ ما فيه سيكون بمثابة الاعلان الصريح أن اميركا هي دولة راعية للارهاب ومنتهكة لقواعد القانون الدولي، وكما انفجرت ألغام سابقة زرعتها أميركا لخصومها في جنيف ـ 1 او جنيف ـ 2 ، وأصابت السياسة الاميركية بشظاياها فلإن قرار التسليح الإرهابي سيكون له المفاعيل ذاتها وأوّل من يتضرر منه أميركا وحلفاؤها.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024