إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

ما هي حقيقة القرار الأوروبي ضدّ حزب الله؟... و المفاعيل؟

العميد د. أمين محمد حطيط - البناء

نسخة للطباعة 2013-07-25

إقرأ ايضاً


في ذكرى تعتبر بالنسبة «لإسرائيل» الأسوأ والأقسى عليها في تاريخها منذ اغتصابها لفلسطين منذ نيف وستة عقود اتخذ الاتحاد الأوروبي قراراً يصنّف فيه الجناح العسكري لحزب الله كياناً إرهابياً فجاء القرار بمثابة الهدية «لإسرائيل» تراكم ما تم تعويضه عليها في قرارا مجلس الأمن 1701 من مسائل عجزت عن تحقيقها في الميدان عندما تصدى حزب الله الجناح العسكري أي المقاومة التي نظمها حزب الله في هجومها ومنعها من تحقيق أهداف العدوان موقعاً بها هزيمة نكراء أجبرتها على إعادة النظر في الكثير مما أرست عليه استراتيجتها وعقيدتها العسكرية الى الحد الذي جعل المؤرخين العسكريين والباحثين الاستراتيجين في الشأن الصهيوني يميزون بين «إسرائيل» وجيشها وهيبته قبل عام 2006 وحال «إسرائيل» ومتعلقاتها هذه بعد حرب اسمتها هي «حرب لبنان الثانية».

إذن في الذكرى السابعة للحرب تلك جاء القرار الأوروبي ليعاقب من هزم «إسرائيل» ويلاحقه بتهم لا تمس للواقع بصلة ويفتري عليه بتلفيق لا يستند الى دليل ولا تؤكده قرينة فقط الإرادة الإميركية والصهيونية والأموال الخليجية كانت السبيل والمتكأ والدافع الى هذا القرار. والآن وبعد اتخاذه يطرح السؤال عن مفاعيله وعن قدرته على تحقيق ما تصبو اليه «إسرائيل» أو ترمي إليه عبره.

بداية لا بد من الإشارة الى التناقض الفظ الذي انطوى عليه القرار الذي جاء وكأن من اتخذه منفصل عن الواقع لا يعرف لمن يتوجه وعن أي شيء يتحدث. اذ أنه يذكر الجناح العسكري في الحزب وينسى أصحابُ القرار أن الحزب ليس دولة لها مرافق مدنية وعسكرية بل هو نشأ في الأصل مقاومة في الميدان وهذا الأمر هو النواة والمبرر لوجوده ثم راح الفضاء التكويني للحزب يتوسع بمقدار ما تستلزم المقاومة ذلك وتالياً فإن كل فرد في حزب الله ومهما كانت صفته ووظيفته إنما هو مقاوم في الأصل ويتولى العمل المقاوم في قطاع يخدم تلك المقاومة بشكل تكاملي عبر توزيع أدوار حَذِق بين الجميع ليصل الى بلورة تلك المقاومة التي باتت اليوم رقماً صعباً ليس في المعادلة اللبنانية فحسب بل في المعادلة الإقليمية المنفتحة على التأثير الدولي. ولو لم يكن أمر تنظيم الحزب هكذا لما تمكن من تنظيم تلك المقاومة التي غيّرت مسار الأحداث في المنطقة وعطلت على أميركا عام 2006 سعيها لإقامة شرق أوسط جديداً تثبت عبره النظام العالمي الأحادي القطبية. وباختصار نقول إن كل من في حزب الله وبحسب قدراته وسنّه هو مقاوم في الميدان أو في خدمة المقاومة الميدانية ولا يكون ثمة معنى بعد هذا التوضيح للتمييز بين جناح عسكري وحناح مدني. فحزب الله كُلٌ متكاملٌ فهو مقاومة وكل منضوٍ فيه هو في خدمتها.

إذا كان الواقع هكذا فإن سؤالاً يطرح مباشرة عن معنى تضمن القرار بالنص أو بمواقف لاحقة تؤكد التزام الاتحاد الأوروبي بالعمل والحوار مع كل الأحزاب اللبنانية بما فيها حزب الله ثم تأكيد الاتحاد عبر سفيرته في لبنان بأن الاتحاد سيعمل مع أي حكومة لبنانية تشمل في عدادها وزراء من حزب الله وهنا مكمن التناقض الذي أشرنا إليه. فإذا كان حزب الله إرهابياً فكيف ستجتمع في الآن ذاته الملاحقة والعقاب مع الاتصال والحوار معه؟ وهو أمر في في غرابته لا يترك مجالاً إلا لتفسير واحد ذي شقين: الأول أن الاتحاد اتخذ قراراً لم يكن مقتنعاً به وجاءت إرادته الظاهرة خلافاً للباطنة واعتمد نصاً يمكّنه من العمل بما يريد حقيقة والثاني هو أن الاتحاد الأوروبي الذي يتطلع الى دور في المنطقة يعرف تماماً أهمية لبنان كباب رئيس من أبواب المنطقة أولاً ثم إنه يدرك ومن تجربة ليست بعيدة في التاريخ أن حزب الله بذاته وبفضائه له من القوة والفعالية في لبنان ما يجعل أمر تجاوزه أو تهميشه مسألة مستحيلة وتالياً من أراد أن يعزل حزب الله في لبنان فإنه قد يعزل نفسه وحزب الله لا يهتز. هذه هي التجارب منذ عام 2005 وحتى الآن ومن لديه شك من أوروبيين في ذلك فما عليه إلا أن يسأل اتباعه في لبنان أو أسياده في أميركا فعندهم الخبر اليقين.

وبعد هذا التأكيد على أن فعالية حزب الله وقوته كحزب أو مكون مؤثر من مكونات محور المقاومة فعالية لا تتوقف عند اعتراف الاتحاد الأوروبي به أو الحوار معه كمقاومة بل إن مفاعيله مستمدة من عقيدته ومما امتلكه من سلاح وحاز عليه من جمهور تخطى حدود لبنان ومما انتظم فيه من محور بات يشكل مجموعة استراتيجية تحتل مقعدها الذي لا يتخطاه أحد في النظام الإقليمي أولاً وفي النظام العالمي الذي يتسارع تشكله من الرحم السوري. وعلى هذا يكون من نافلة القول التأكيد بأن المقاومة التي يقودها حزب الله لن تُمس ولن تتأثر بهذا القرار كما أنها لم تتأثر سابقاً عندما اتخذت أميركا ما هو أسوأ من هذا القرار فلا تخدع «إسرائيل» نفسها وتبني على وهم ثم تغامر في شأن تندم عليه.

وبعد هذا يبقى أن نلقي الضوء على ما يمكن أن يكون لهذا القرار من أهداف أو تداعيات أو تأثير وإبداء ملاحظات حولها:

قد يبرر الاتحاد الأوروبي قراره برغبته في الضغط على حزب الله للتراجع عن قراره بالمواجهة الدفاعية التي يقوم بها في سورية وهنا سيهزأ حزب الله من هذا التبرير لأن الحزب ليس من عادته الارتجال وهو لو لم يجد مصلحة مؤكدة للمقاومة بأن تكون حيث هي في سورية لما كان فعل وتالياً لا قيمة للمحاولة الأوروبية في هذا المجال.

قد يقنع الاتحاد الأوروبي نفسه بأن القرار سيكون هدية استرضاء «لإسرائيل» وأميركا من أجل ان يخصّصانه بمقعد ما على طاولة التسوية- التصفية للقضية الفلسطينية وهنا نقول إن أميركا التي لا تؤمن بحلفاء ولا ترى إلا أتباعاً وتنظر الى أوروبا على أساس أنها القارة العجوز لن تمنح هذه العجوز أي فتات من مائدتها مهما حصل.

لدى تطبيق القرار ستحاول «إسرائيل» ومع صعوبة الفرز بين المدني والعسكري وعلى أساس مبدأ خذ وطالب أن تضغط على دول الاتحاد من أجل تطوير القرار ليشمل كل من ينتمي الى حزب الله أو حتى ـ إذا استطاعت ـ من يؤيده قلبياً كما تصرف مجلس التعاون الخليجي وهنا ستكون دول الاتحاد منفردة أو الاتحاد مجتمعاً في عملية تجاذب وابتزاز تمارسه «إسرائيل» ولن يكون الأمر في مصلحة الأوروبيين وكرامتهم.

سينشئ القرار بيئة غير ملائمة للقوات الأطلسية العاملة في إطار اليونيفل في جنوب لبنان ما يشجع القوى التكفيرية على المس بأمنها ومن الطبيعي اذا كان ثمة احترام للقرار أو احترام للنفس أن يمتنع ضباط اليونيفيل الأوروبيين عن الاتصال بمسؤولي الأمن والارتباط في حزب الله لأنه وفقاً لمنطق القرار يعتبر هؤلاء من الجناح العسكري الذي ينبغي ملاحقته فكيف يكون الاتصال بهم إذن؟... وهذا ما لن يكون وسيرتد الأمر سلباً على تلك القوى.

أما عن الآثار السلبية المباشرة التي قد تلحق بحزب الله وأفراده من هذا القرار فربما يمكن الحديث فيها عن تأشيرة دخول الى بلدان الاتحاد تحجب عن هذا او إقامة لا تمدد لذاك أو عرقلة تحويل مصرفي من ذينك وكلها أمور بسيطة يمكن تخطيها من قبل من نذر نقسه للدفاع عن وطنه ودينه حتى ولو كلّفه الأمر دمه وروحه.

وأخيراً لا بد من الإشارة إلى ما يمكن أن يكون قد تشكل من مشاعر الشماتة والانتصار لدى «جماعات 14 أسير- آذار» ما سيسهل استئثارها وتفردها - كما تظن- بالقرار السياسي الداخلي في لبنان وهنا نقول ورغم أن الأمر يثير السخرية ويظهر خفة إذا حصل إن المقاومة وبعد أن باتت ركناً من أركان الوطن فان أحداً من الداخل أو الخارج لا يمكنه عزلها أو تجاوزها أو أن يفرض عليها ما لا تراه في مصلحة الوطن... وحذار الخطأ وسوء التقدير.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024