إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

لبنان: قانون انتخاب عادل أم... انتحار جماعي !؟

العميد د. أمين محمد حطيط - البناء

نسخة للطباعة 2013-03-07

إقرأ ايضاً


قبل خمس سنوات وعندما كان الجدل يحتدم حول قانون انتخاب يؤمّن التمثيل الصحيح، وفي ظل المعطيات اللبنانية القائمة آنذاك اقترحنا يومها نظاما يجمع بين الوطنية والطائفية من خلال جمعه بين النظام الاكثري والنظام النسبي ولكن على مساحة الوطن كله، وكان اقتراحنا يومها كالتالي :

«يكون لبنان دائرة انتخابية واحدة، ينتخب فيها ثلث النواب على قاعدة النسبية، وتشكل فيها اللوائح مناصفة بين المسلمين والمسيحيين... ويكون هذا الثلث صمّام امان للوطن.. فنأتي بنواب يشرعون للوطن.. ويراقبون مصالحه.. اما الثلث الثاني فينتخب على أساس الدائرة الوسطى التي لا يتجاوز ممثلوها الـ7، ولا يقلون عن 5، ويكون لبنان 9 دوائر انتخابية متوازنة يعتمد فيها النظام النسبي. اما الثلث الأخير فيكون، على أساس اللائحة الفردية، حيث ينتخب الناخب مرشحاً واحداً على مساحة الوطن. اما الترشيح فيكون، على الأسس الثلاثة معاً، وطني، وسطي، فردي... والناخب، ينتخب لائحة على صعيد الوطن، ولائحة على صعيد الدائرة الوسطى، ومرشح واحد على صعيد الوطن ايضاً».

وقد رأينا يومها ان هذا الاقتراح، يساوي بين المواطنين في اختيار من يمثلهم، فلا يختار مواطن نائبا، اواثنين، ويختار الآخر ثمانية او اكثر، وكذلك لا يترك لطائفة ان تختار من يمثلها ومن يمثل غيرها في حين تحرم بعض الطوائف من اختيار من تثق به ، كما انه يتيح اختيار نواب للوطن باعتبارهم يمثلون الأمة حسب الدستور، ولا يقتصر الامر في الانتخاب على تنصيب دعاة للطوائف لقتل الوطن.

واليوم وبعد ان دخل لبنان في مأزق نرجوان يخرج منه من غير انفجار يؤدي الى انتحار جماعي وفوضى تلحق لبنان بمنطقة الحريق العربي المضطرم منذ 28 شهراً، نؤكد على هذا الاقتراح آخذين في الاعتبار مسألة أساسية هي أن دائرة الانتخاب الصغرى، تبقى دائرة الانغلاق والتعصب والمال، يفوز فيها الاكثر تحجراً وتطرفاً والأوفر مالاً، اما الدائرة الكبرى ومع النظام الاكثري، فهي دائرة غلبة الاكثرية العددية وحرمان الأقليات من حق التمثيل الصحيح، اما الدائرة الوسطى على أساس أكثري، فإنها قد تكون مناسبة لو كانت جميع المناطق اللبنانية مختلطة، ومتوازنة الانتشار بين الجماعات ولكنها مع عدم التجانس وبالنظام الاكثري فإنها دائرة سحق الاقلية ومنع التمثيل الصحيح. وكل هذا يقود الى ظلم والظلم منتج لعدم الاستقرار.ونذكر هنا بما عاناه لبنان خلال عقود الاستقلال السبعة الماضية ليكون حافزا للعقلاء الحريصين على مصلحة الوطن فليعتبروا من التاريخ وليجنبوا الوطن الحريق والمآسي في حال الاصرار على قانون كسر العظم والذهاب الى المواجهة التعطيلية للانتخابات والمدمرة للبنان.

.. لقد جرب لبنان في الماضي نظام المحافظات على اساس النظام الاكثري، وكانت النتيجة سلطة تقود الى الاضطراب وعدم الاستقرار (في العام 1952 و1957 ) ثم اعتمد نظام القضاء على القاعدة الاكثرية ايضاً فأنتج سلطة ووجهت بانقلاب يميني ابيض في العام 1968، ثم بحرب أتت على الأخضر واليابس في العام 1975، كان من ابشع مفاعيلها، استدعاء العدو «الاسرائيلي» الى احتلال نصف الوطن، وتهجير ثلث الشعب اللبناني في الداخل وهجرة خمسه الى الخارج.... ثم جرب النظام الهجين الضائع بين الدائرة الصغرى والدائرة الوسطى وعلى اساس اكثري وكانت النتيجة اجتياح الحصة المسيحية وانتاج غبن معاكس ووضع يد فئة معينة على مفاصل الدولة الى الحد الذي اعتقدت فيه ان لبنان ملكها وان حكمه من اي أحد سواها يعتبر اغتصابا للسلطة، ما ادخل لبنان في حال عدم الاستقرار والتخبط الذي هو فيه الآن، الامر الذي يضع لبنان على مفترق طرق اما الوفاق واحترام الآخر وحقوفه واما الصراع والمواجهة لأن الواقع يظهر بأن المغبون والمغتصب الحقوق لن يسكت بعد اليوم على عملية الاغتصاب القائمة حالياً. نقول هذا وفي الذهن حقيقة أساسية مفادها أنه لا ينشأ نزاع بين فريقين الا اذا بدا طمع يمارسه الاول فيغصب حق الآخر ويشعره بالظلم ، واستفاق الآخر على حق له قد هضم فينبري مطالباً به.....فالطامع يهاجم، والمتمسك بحقه اوالمطالب به يدافع، وبين هجوم ودفاع يكون النزاع وتنشب الحروب.....

إن الحرب وعدم الاستقرار اذن نتيجة للطمع وللظلم، بينما الامن والسلام والازدهار جائزة المجتمع الذي يرسي العدل أساسا في قيامه وادائه، لهذا يجب أن نبحث عن العدل ونرسيه في مجتمع غير متجانس. كالمجتمع اللبناني القائم على التعددية العرقية، (فيه العرب وغير العرب) والتعددية الدينية (اذ فيه المسلمون بمذاهبهم والمسيحيون بطوائفهم، وكذلك فيه من ينتمي في قيود النفوس لدين لا يؤمّن به ولا يمارسه) والتشابك في الاقامة والسكن، وقليلة هي المناطق التي تنغلق على طائفة واحدة دون شريك..

ولا يكون العدل المنشود في لبنان اليوم ـ إن أردنا عدلاً - الا في نظام يحفظ الجماعة، ككتلة واحدة في الوطن، ويحفظ الافراد كعناصر يتشكل منهم مجموع الشعب.... وبما أن الانتخاب هو الطريق الى السلطة فيكون قانون الانتخاب مفتاح إرساء العدالة.. وهذا ما توقف عنده المؤتمرون في الطائف حيث أدركوا خطورة قانون الانتخاب، فقرروا اعتماد المحافظة أساساً للدائرة الانتخابية بعد إعادة النظر بالتقسيم الاداري طامحين لصيانة الوحدة الوطنية على أالعدل، لكن ذلك لم يطبق فانتجت الممارسة العوراء غبناً بمن كان متهما بأنه الغابن، ما فرض البحث اليوم عن النظام العادل موضوعيا وواقعياً.

نقول هذا ونحذر من العواقب الخطرة التي باتت تلوح في الافق وتدق الابواب اللبنانية بعد اشتداد الصراع حول قانون الانتخاب الواجب اعتماده الان حيث من المسلم به بان قانون الانتخاب الذي يقال بانه لا زال نافذا بحكم القواعد الدستورية العامة، ان هذا القانون ثبتت مجافاته لقواعد العدالة وسلم الجميع تقريباً بأنه غير صالح لاعتماده في الدورة الانتخابية المقبلة، وفي المقابل يرى البعض بأن اقتراح القانون الذي اقرته اللجان النيابية والذي اعتمد النسبية على أساس الطائفة في كل لبنان، يرى البعض أنه عمل غير دستوري ومن شأنه ضرب العيش المشترك وإحداث الفرز الطائفي، فإذا قبلنا بمنطق كل من الفريقين علينا أن نسقط النظامين معاً لا ان نتذرع بعدم ميثاقية الثاني ونمنع اعتماده ونتمسك بنفاذ الاول ونفرض العمل به كونه الحل المتاح. إن المخرج السليم من المأزق القائم الآن - اذا كنا صادقين في البحث عن قانون عادل- يكون عبر:

1) المسارعة الفورية الى رفع السيف المصلت على رقاب اللبنانين والمتمثل بقانون ما يسمى «الستين»، ويكون ذلك باقرار قانون بإجماع النواب يوقف العمل بقانون الانتخاب الساري النفاد حالياً وفقا لما يتذرع به البعض وأن لا يجرى انتخاب الا وفقاً لقانون يحصل على أوسع موافقة من اللبنانين (قد يكتفى مجلس النواب بتفسير قانون الستين واعتباره لمرة واحدة وانتهى مفعوله) .

2) اعتماد قانون انتخاب وفقاً لما اقترحنا أعلاه أساسه النسبية وفي الدائرة الوطنية الواحدة، واعتبار أي قانون يهدر مصلحة الوطن وحقه بالوحدة الوطنية، أو يستبيح حقوق طائفة من الطوائف هو قانون غير ميثاقي وغير دستوري.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024