شرعت روسيا بتدفيع أميركا و«إسرائيل» ثمن العدوان على سورية. أكّدت بلسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف أن ليس لديها التزامات أخلاقية بعد العدوان الأميركي الأخير بعدم تزويد سورية الأسلحة اللازمة للدفاع عن نفسها. معنى هذا الكلام أنّ موسكو حسمت موقفها وقرّرت تزويد دمشق منظومة S-300 وربما S-400 للدفاع الجوي.
«إسرائيل» كانت هاجمت مطار T-4 في ريف حمص بدعوى احتوائه قاعدةً عسكرية لإيران أطلقت منها طائرة مسيّرة من دون طيار، محمَّلةً متفجرات، وادّعت إسقاطها قبل قيامها بتنفيذ مهمتها.
أميركا كانت هاجمت ثلاثة مواقع سورية ادعت أنها تحتوي مراكز أبحاث ومخازن للغازات والمواد الكيميائية القاتلة، وذلك قبل ساعات معدودات من وصول بعثة منظمة حظر الاسلحة الكيميائية الى دوما للتحقيق في مزاعم واشنطن حول استخدام دمشق أسلحة كيميائية في معارك الغوطة الشرقية.
جنرالات «إسرائيل» اعترفوا لاحقاً بأنّ ضربتهم «الوقائية» لمطار T-4 لن تُنهي التمركز العسكري الإيراني في سورية، وأنّ «إسرائيل» ستبقى مهجوسةً بضرورة اعتماد استراتيجية فاعلة للحؤول دون تجذّر هذا التمركز البالغ الخطورة.
مدير هيئة الأركان العسكرية الأميركية المشتركة الجنرال كينيث ماكنزي ادّعى أن «نظام الرئيس السوري بشار الأسد لا تزال لديه قدرات كيميائية متبقية في عدد من المواقع في أنحاء البلاد، وأنّ السوريين سيتمكّنون من شنّ هجمات محدودة في المستقبل».
العدوانان الإسرائيلي والأميركي فشلا، إذاً، في تحقيق أغراضهما. فلا إيران فقدت تمركزها العسكري في سورية، ولا سورية فقدت قدراتها الكيميائية. لكن، بصرف النظر عمّا سيكون عليه التمركز العسكري الإيراني وما إذا كانت طهران مصمّمة على الثأر لجنودها السبعة ضحايا العدوان الإسرائيلي على مطار T-4، وبصرف النظر عمّا إذا كانت دمشق تحتفظ بقدرات كيميائية وراغبة في استخدامها ضد التنظيمات الإرهابية التي ما زالت ناشطة في بعض أنحاء البلاد، فإنّ ثمّة تداعيات ومفاعيل نشأت عن العدوانين الإسرائيلي والأميركي لا بدّ من رصدها وبيان انعكاساتها السلبية على الدولتين المعتديتين:
أولاً: بات واضحاً أنّ روسيا حسمت قرارها بتزويد سورية منظومة S-300 للدفاع الجوي، وأنّ «إسرائيل» وأميركا وفّرتا لها، بالعدوانين الأخيرين، الفرصة والدافع والحجة للتعجيل في ذلك.
ثانياً: إنّ امتلاك سورية منظومة S-300 يمكّنها من حماية أجوائها بصورة شبه كاملة من غارات سلاح الجو الإسرائيلي، كما يمكّنها من منعه، وفي الأقلّ تصعيب مهمته، في استباحة الأجواء اللبنانية واستخدامها لضرب مواقع داخل سورية.
ثالثاً: إنّ امتلاك سورية منظومة S-300 وربّما S-400 من شأنه إحداث خلل جدّي في ميزان القوى لمصلحة سورية وبالتالي لمصلحة محور قوى المقاومة ما يعرقل وقد يعطّل حرية سلاح الجو الإسرائيلي على الحركة في أجواء سورية ولبنان وربما العراق أيضاً في حال تحقق تفاهم استراتيجي بين دمشق وبغداد.
كيف يمكن أن تواجه «إسرائيل» وأميركا هذه التحديات البازغة؟
الحقيقة أنّ «إسرائيل» استشرفت مسبّقاً المخاطر المحتملة نتيجةَ تزويد سورية منظومة S-300، فتحدّث جنرالاتها بإسهاب عن أبعادها وتداعياتها ومارسوا مراراً هجمات استباقية مؤذية ضد سورية وحلفائها من قوى المقاومة بغية استشراف مفاعيلها. من مراجعة هذه التصريحات والهجمات الاستباقية، يمكن استشفاف الآتي:
طموح «إسرائيل» الأكبر هو إقناع أميركا بضرورة ضرب إيران وتدمير قدراتها لمنعها من التحوّل قوةً نووية. في هذا السياق، دعت «إسرائيل» وتدعو الى إلغاء الاتفاق النووي وفرض عقوبات قاسية على إيران وصولاً الى ضربها في المستقبل. غير أنّ أميركا أوباما كما أميركا ترامب تهيّبتا هذا الخيار وتفاديتا اعتماده حتى الآن.
المخطط الإسرائيلي الجاري تنفيذه في الوقت الحاضر هو الحؤول دون إقامة قواعد عسكرية لإيران في سورية. غير أن سورية تجاوزت هذا المخطط بتمكين إيران من إقامة بعض القواعد العسكرية على مقربة من المطارات العسكرية السورية بدليل ادعاء «إسرائيل» بأن هجمتها الاخيرة على مطار T-4 كانت تستهدف قاعدة إيرانية للطائرات المسيّرة بلا طيار.
قد تستمر «إسرائيل» في محاولتها منع إيران من إقامة قواعد عسكرية في سورية. لكن ذلك يعرضها الى تكبّد خسائر فادحة، ولا سيما عند قيام سورية بتشغيل منظومة S-300 وربما S-400 . ذلك سيدفعها الى مطالبة أميركا بتزويدها صواريخ حديثة متقدمة لتعطيل فعالية المنظومات الروسية السالفة الذكر. لكن، هل من ضمانة لنجاحها؟
كلّ هذه الاحتمالات والتداعيات لا يمكن فصلها عن الصراع المحتدم بين أميركا وروسيا في سورية وعليها مع ما يخالطه من مطامح ومطامع ومخططات لأطراف إقليمية نافذة كـ»إسرائيل» وتركيا وإيران والسعودية. فالولايات المتحدة تبدو حريصة على استبقاء قواتها في سورية لغاية التفاهم على تسوية مع روسيا على مستقبل بلاد الشام وبلاد الرافدين بعد الفراغ من تصفية جيوب التنظيمات الإرهابية الناشطة فيها. و«إسرائيل» يهمّها، كما السعودية، المشاركة في صوغ أية تسوية للإقليم تكفل لها إبعاد إيران عن سورية ولبنان والعراق. وتركيا تجهر بلسان رجب طيب اردوغان بوجود «مساعٍ لتنفيذ مشروع إعادة تنظيم المنطقة … وأنّ عبئاً كبيراً جداً سيقع على عاتقها»، ما يشير إلى سياسة أنقرة الراسخة في منع الكرد من إقامة دولة لهم تضمّ أراضي وسكاناً مقتطعين من تركيا وسورية والعراق. وإيران منهمكة في مواجهة أميركا و«إسرائيل» في آن ما يجعل سورية ساحةً رئيسة لصراع محموم تشارك فيه أطراف شتى، إقليمية ودولية، وتجرّب خلاله أحدث أنواع الأسلحة المتطورة.
مَن يجرؤ، والحال هذه، على التنبّؤ بنهاية قريبة لهذا الصراع بل هذه الصراعات المريرة؟
|