«إسرائيل» ناشطة في توظيف كلّ عداء دونالد ترامب لخدمتها ضدّ إيران والعرب، ولا سيما ضدّ سورية وحركات المقاومة اللبنانية والفلسطينية. هي لم تكتفِ باعتراف واشنطن بالقدس عاصمة لها ونقل سفارتها إليها، بل تسعى الآن إلى تحقيق ما لا يقلّ خطورةً: اعتراف الولايات المتحدة بسيادة الكيان الصهيوني على الجولان السوري المحتل.
وزير الاستخبارات «الإسرائيلي» يسرائيل كاتس كشف انّ الدولة العبرية تضغط على إدارة ترامب للاعتراف بسيادتها على هضبة الجولان المحتلة، متوقعاً إعلان واشنطن موافقتها خلال أشهر. مسؤول في البيت الأبيض علّق على تصريح كاتس بقوله: «نتفق مع إسرائيل في عدد كبير من القضايا». ثم ما لبثت الخارجية الأميركية أن حذّرت سورية من قيام جيشها بتحرير منطقة درعا من التنظيمات الإرهابية.
الإحجام الأميركي عن تأكيد الاعتراف لا يعني نفي الطلب الإسرائيلي ولا إمكانية استجابته لاحقاً. إنه يعني، ضمناً، وضع مسألة الاعتراف قيد المساومة وفي سياق محاولات واشنطن في هذه الآونة لابتزاز أعدائها وأعداء «إسرائيل» عقب انسحابها من الاتفاق النووي وإعلانها المزيد من العقوبات الاقتصادية ضدّ إيران، وسعيها لحمل دول أوروبا على مجاراتها في هذا السبيل.
يجب أخذ تصريح كاتس على محمل الجدّ، وكذلك احتمال استجابته من طرف إدارة ترامب. فهو «يعلّل» طلب الاعتراف بأنه «جزء من نهجٍ لإدارة ترامب يقوم على مواجهة ما يُنظر اليه على أنه توسّع إقليمي … من جانب إيران، وانّ هذا هو الوقت المثالي للإقدام على مثل هذه الخطوة».
كيف يمكن أن تردّ سورية على هذا التحدي القديم الجديد؟
سورية تُدرك أنها باتت مسرح صراعٍ مرير بين الولايات المتحدة و»إسرائيل» من جهة وكلّ العالم من جهة أخرى، ولا سيما أوروبا المتضرّرة من انسحاب أميركا من الاتفاق النووي، وإيران التي تستهدفها أميركا في اقتصادها وصناعة صواريخها البالستية وصولاً الى محاولة تفكيك نظامها السياسي، وأنّ «إسرائيل» تقوم بانتهاز هذه الفرصة من أجل دعم مخطط تقسيم بلاد الشام وبلاد الرافدين وتفكيكهما الى كيانات قَبَلية ومذهبية واثنية حمايةً لأمنها وضمانةً لتصفية القضية الفلسطينية. سورية تدرك هذه التحديات والمخاطر، ومن المفترض أنها تحسّبت وخططت لمواجهتها بالتعاون مع حلفائها. فماذا تراها فاعلة؟
لا يفوت دمشق أنّ إيران مستهدَفَة في صميم كيانها ونظامها واقتصادها وفي تحالفها معها ومع سائر قوى المقاومة العربية الناشطة ضدّ «إسرائيل». كما لا يفوتها أنّ قيام إيران مشكورةً بدعمها، كما قوى المقاومة، إنما يتمّ أيضاً في سياق استراتيجية دفاعها عن أمنها القومي ووحدتها واستقرارها.
ذلك أنّ الاتفاق النووي للعام 2015 ترك إيران من دون سلاح نووي ما أخلّ بتوازن القوى لصالح «إسرائيل» التي تمتلك أسلحة نووية وصواريخ بعيدة المدى وطائرات صالحة لنقلها واستعمالها. من هنا تنبع مصلحة طهران في إقامة قواعد عسكرية متعدّدة الأغراض في سورية للدفاع عن نفسها وعن سورية. وعليه، من الطبيعي أن تتمسّك إيران، برضى سورية، بهذه القواعد طالما الجولان في قبضة الاحتلال الإسرائيلي الضالع في مخطط ناشط لدعم فصائل إرهابية ومحلية عاملة على تفكيك الدولة السورية واستباحة سيادتها.
لا يفوت موسكو أنها تعاملت دائماً مع سورية على أساس أنها دولة سيّدة، وأنها وقّعت معها معاهدة لإقامة قاعدتين عسكريتين في طرطوس وحميميم لمدة 49 عاماً، وأنها ملتزمة دعم دولة سورية، سياسياً وعسكرياً، من أجل دحر التنظيمات الإرهابية وتحرير أراضيها المحتلة واستعادة سيادتها عليها، وأنّ سورية بكلّ الصفات والمقوّمات الوطنية والجغرافية والسياسية سالفة الذكر تعتبر الجولان جزءاً لا يتجزّأ من دولتها وسيادتها على كامل ترابها الوطني. وعليه، تكون روسيا ملزَمَة، تعاقدياً وأخلاقياً وعملاً بأحكام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن الدولي، بأن ترفض وتردع أيّ محاولة من «إسرائيل» والولايات المتحدة لتكريس احتلال الجولان وسلخه عن الدولة السورية وسيادتها وإلحاقه بدولة العدوان الإسرائيلي.
يتأسّس على الواقعات والتحديات والموجبات الوطنية والأخلاقية والقانونية سالفة الذكر إمكانية، بل وجوب، اتخاذ المواقف والخطوات اللازمة لإحباط اعتراف الولايات المتحدة بسيادة «إسرائيل» على الجولان وذلك على النحو الآتي:
1 ـ إعلان صريح وصارم من الحكومة السورية باعتزامها قطع العلاقات الديبلوماسية مع الولايات المتحدة ومع أيّ دولة أخرى تجاريها في الاعتراف بسيادة «إسرائيل» على الجولان المحتلّ.
2 ـ دعوة الدول العربية والإسلامية والصديقة الملتزمة بوحدة سورية وسيادتها إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة وكلّ دولة تجاريها في الاعتراف بسيادة «إسرائيل» على الجولان المحتلّ.
3 ـ دعوة الحركات الوطنية وقوى المقاومة في عالم العرب إلى تنظيم مؤتمرات شعبية عامة لتعبئة القوى الحية ضدّ هجمة الولايات المتحدة و»إسرائيل» على سورية وإدانة محاولتها تفكيك كيانها الجغرافي والسياسي واستباحة سيادتها، ودعوة الدول والحكومات والحركات الوطنية والشعبية الصديقة إلى مقاطعة الولايات المتحدة وكلّ مَن يجاريها في سياستها العدوانية ضدّ سورية وفلسطين وضدّ أيّ قطر عربي يواجه عدوانها عليه.
4 ـ دعوة العراق، حكومةً وشعباً، إلى إقامة جبهة سياسية وعسكرية مع سورية ضدّ «إسرائيل» وتنظيمات الإرهاب التكفيري وضدّ الدول والحكومات التي تدعم «إسرائيل» ووكلائها المناهضين للوحدة والسيادة الوطنيتين في سورية والعراق ولبنان، ولدعم تحرير فلسطين وحق شعبها في العودة إلى أرضه.
5 ـ التوافق بين سورية وإيران وروسيا على دعم سورية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً في كفاحها لاستعادة وحدتها وسيادتها على كامل ترابها الوطني، بما في ذلك الجولان المحتلّ.
6 ـ دعوة إيران وروسيا إلى تزويد سورية وحركات المقاومة بكلّ الأسلحة والمعدّات والتجهيزات العسكرية المتطوّرة أقلّه منظومة S-300 اللازمة لضمان أمنها القومي والدفاع عن شعبها وأرضها ومواردها واستقرارها.
7 ـ دعوة سورية وقوى المقاومة العربية العاملة الناشطة في ساحاتها الى التعجيل في شنّ مقاومة ميدانية ومقاومة مدنية شاملتين لإجلاء القوات الأجنبية المنتشرة على أراضيها دونما ترخيص من حكومتها الشرعية.
8 ـ دعوة سورية وإيران وروسيا الى عدم الانخراط في أيّ مفاوضات إقليمية أو دولية لصياغة تسوية سياسية للأزمة والحرب قبل إجلاء جميع القوات الأجنبية المنتشرة في سورية دونما ترخيص من حكومتها الشرعية.
9 ـ اقتصار المفاوضات الهادفة لتسوية الأزمة السورية على الأطراف السوريين دون غيرهم، وذلك بمشاركة الأمم المتحدة وبدعمها اللوجستي.
10 ـ وجوب طرح أيّ اتفاق يتوصّل إليه الأطراف السوريون في المفاوضات على الشعب السوري ليصار الى إقراره أو رفضه في استفتاء شعبي ترعاه الأمم المتحدة.
هل من موجب وطني أو قانوني إضافي يقتضي اعتماده؟
|