أوفد دونالد ترامب صهره جاريد كوشنر ومستشاره جيسون غرينبلات الى تل أبيب والقاهرة والرياض وعمّان لوضع اللمسات الأخيرة على «صفقة القرن». محمود عباس رفض مقابلة الموفدين الأميركيين لأن لا جدوى من ذلك بعدما عطّلت واشنطن دورها كوسيط بموافقتها على أن تكون القدس عاصمةً لـ»إسرائيل».
الصفقة باتت جاهزة بحسب كوشنر، وهي تتضمّن وفق ما جاء في صحيفة «هآرتس» 2018/6/27 النقاط الآتية:
ـ تكون «أبو ديس» عاصمة الدولة الفلسطينية المكوّنة من الضفة الغربية وقطاع غزة.
ـ نقل الإشراف على الأماكن المقدّسة في القدس من الأردن الى السعودية في حال امتنع الملك عبدالله الثاني عن اعتماد الصفقة.
ـ إلى أن يرحل محمود عباس عن هذه الدنيا، يُصار إلى فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية لإنشاء حكم ذاتي منفصل فيه.
ـ عدم المسّ بالمستوطنات المستعمرات الصهيونية في الضفة الغربية، مع إمكانية تبادل الأراضي بين الطرفين.
ـ الإشارة إلى سلسلة القرارات والتصريحات السابقة كمبادرة السلام العربية، وقراري مجلس الأمن 242 و 338، وخرائط الطرق التنفيذية، لاعتمادها مرجعية لأيّ اتفاق مستقبلي.
من المنطقي أن يمتنع عباس عن المشاركة في مفاوضات من أجل صفقة لا تعطيه، رغم تنازلاته المتكرّرة، شيئاً ذا قيمة. لذلك استشاط كوشنر غضباً لموقفه وأطلق تهديداً فارغاً: «إذا لم يعُد عباس الى طاولة المفاوضات، فسنُخرج خطتنا الى العلن»! عباس، وغيره كثيرون، يعرفون مضمون الخطة، أيّ الصفقة، وتفاصيلها ولا يمكنهم الموافقة عليها، ولا يجدون تالياً جدوى من العودة الى طاولة المفاوضات.
ربما تأكد كوشنر أخيراً ما سبق لمسؤولي الكيان الصهيوني أن استخلصوه وهو: أن لا شريك فلسطينياً في التسوية التي يريدونها للقضية الفلسطينية. أجل، لا يمكن لأيّ فلسطيني يحترم نفسه ويحترم إرادة شعبه أن يقبل بأيّ تسوية للصراع تنطوي على تصفيةٍ للقضية.
موقف قادة سورية مماثل لموقف قادة فلسطين، ولا سيما بعد حرب 1973. فقد عرض المسؤولون الأميركيون صيغاً شتّى على سورية لتسوية صراعها مع «إسرائيل» قوبلت برفض متواصل من الرئيس الراحل حافظ الأسد، كما من خلفه الرئيس بشار، لكونها انطوت دائماً على اغتصاب لحقوق سورية في أرضها ومياهها وعلى تصفيةٍ لقضية فلسطين.
حاولت أميركا و»إسرائيل» وحلفاؤهما الإقليميون ليّ ذراع سورية من خلال تسليط تنظيمات الإرهاب التكفيري عليها والسيطرة على مساحات واسعة من ترابها الوطني. غير أنّ صمود سورية، قيادةً وجيشاً وشعباً، وقيام إيران وروسيا وقوى المقاومة العربية بدعمها مكّنها من تحرير معظم تلك المساحات وصولاً الى مناطقها الجنوبية المحاذية للجولان السوري المحتلّ. هذا التطوّر الميداني اللافت قضّ مضاجع قادة «إسرائيل» وحملهم على مطالبة أميركا وروسيا بالضغط على إيران لسحب قواتها من سورية. روسيا رفضت الانسياق فيما حاولت أميركا مساومة سورية بإبداء استعدادها لسحب قواتها من شرق سورية وشمالها الشرقي مقابل قيام دمشق بمطالبة إيران بسحب قواتها من أراضيها. سورية لم تكتفِ بالرفض بل بادرت أيضاً الى فتح معركة واسعة بغية تحرير ما تبقّى من مناطقها الواقعة تحت سيطرة تنظيمات مسلحة مدعومة من العدو الصهيوأميركي.
أميركا كما «إسرائيل» أدركت أن لا وجود لشريك سوري في التسوية التي عرضتها، فكان أن أوفد ترامب مستشاره للأمن القومي جون بولتون الى موسكو للتفاهم مع فلاديمير بوتين على لقاء في هلنسكي في 16 تموز/ يوليو الحالي للبحث في «واقع العلاقات بينهما وآفاق تطويرها».
ما جدول أعمال اللقاء المنتظر؟
لعلهما سيبحثان في كلّ المسائل التي تتسبّب بتوتر واحتكاك بينهما على مستوى العالم، ولا سيما في غرب آسيا وعلى وجه الخصوص في منطقة الهلال الخصيب أو الكئيب الممتدّ من الشواطئ الشرقية للبحر المتوسط الى الشواطئ الشمالية للخليج. ترامب تهمّه مصالح بلاده بطبيعة الحال، لكن تهمّه ايضاً، وربما بالأهمية ذاتها، مصالح «إسرائيل». سورية تدرك ذلك، وكان سبق لحافظ الأسد أن واجه المسؤولين الأميركيين الذين حاولوا مساومته في أعقاب حرب 1973 بموقفٍ أصبح قاعدة ذهبية في نظرة سورية إلى أميركا: «لا سياسة لأميركا في الشرق الأوسط بل سياسة لإسرائيل تنفذها أميركا».
همُّ «إسرائيل» في المرحلة الراهنة إخراج إيران من سورية في سياق السياسة الصهيوأميركية الرامية الى محاصرة الجمهورية الإسلامية وإنهاكها بالعقوبات الاقتصادية بقصد إضعافها أملاً بتقويض نظامها. لذا سيسعى ترامب الى إقناع ندّه الروسي بمقاربةٍ لتسوية الحرب في سورية قوامها الإبقاء على الرئيس بشار الأسد ودعمه لاستعادة وحدة بلاده وسيادتها من قبضة التنظيمات الإرهابية، بما في ذلك مناطق جنوبها الغربي المحاذية للجولان المحتلّ شريطة إخراج القوات الإيرانية منها، والحؤول دون إقامة جسر لوجيستي بين طهران وبيروت عبر بلدة البوكمال على الحدود السورية العراقية مقابل سحب القوات الأميركية من شرق سورية وشمالها الشرقي.
روسيا ملتزمة رسمياً سياسة سورية الرامية الى استعادة وحدتها وسيادتها على كامل ترابها الوطني، فلا يُعقل أن تنخرط في أيّ سياسةٍ تعرقل كفاحها لاستعادة حقوقها وسيادتها كاملةً، كما يُستبعَد أن تناوئ سياسة إيران في سورية لكونها تلتقي معها في أمورٍ عدّة على الصعيدين الإقليمي والدولي وفي وجه أميركا تحديداً. لذا قد يواجه بوتين ندّه الأميركي بمقاربة مغايرة قوامها استعداد روسيا لوقف تزويد سورية بمنظومة S-300 أو S-400 للدفاع الجوي شريطة التزام «إسرائيل» بأربعة موجبات:
ـ وقف دعم التنظيمات المسلحة جميعاً في المناطق السورية المحاذية للجولان المحتلّ ما يمكّن الجيش السوري من تحريرها وبسط سيادة بلاده عليها.
ـ الامتناع عن دعم أيّ جماعة سورية اثنية كردية او مذهبية تعمل لإقامة كيانات سياسية منفصلة عن حكومة سورية المركزية.
ـ الامتناع عن استباحة الأجواء السورية واللبنانية بسلاحها الجوي لقصف قواعد او منشآت او مؤسسات داخل سورية ولبنان.
ـ سحب القوات الأميركية من منطقة التنف في جنوب سورية الشرقي، كما من قواعدها في محافظات دير الزور والرقة والحسكة وامتناعها عن دعم الكرد السوريين الساعين إلى إقامة كيانات سياسية في شمال البلاد منفصلة عن حكومتها المركزية.
في حال نفّذت أميركا و»إسرائيل» الشروط الآنفة الذكر، فإنّ موسكو تتعهّد بإقناع دمشق وطهران بسحب القوات الإيرانية من سورية إذ لا يعود من حاجة إلى وجودها.
من المرجّح أن تتناول محادثات ترامب وبوتين في هلسنكي هذه الأمور وغيرها من المسائل الخلافية العالقة. لكن من الأكيد أنّ سورية لن تكون، مباشرةً أو مداورةً، شريكاً في أيّ تسوية مع «إسرائيل» تمسّ بوحدتها وسيادتها أو بوحدة فلسطين وحق شعبها في التحرير والعودة وإقامة دولته المستقلة.
في فلسطين وسورية، باب التسوية مغلق في وجه «إسرائيل».
|