تتصارع الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران و»إسرائيل» في سورية وعليها. الصراع بين الدول الخمس أغلبه سياسي وأقلّه عسكري. غير أنه تطوّر مؤخراً على نحوٍ بات معه الإشتباك العسكري مرجّحاً وملجوماً في آن. هل ثمة مخرج من هذا الصراع المحتدم؟
للإجابة عن السؤال يقتضي الإحاطة، باختصار، بمرامي كلٍّ من الدول المتصارعة.
للولايات المتحدة، ومعها «إسرائيل»، مخطط قديم يرمي الى تفكيك محيط فلسطين الجغرافي: سورية والعراق ولبنان. كلاهما استعان بالتنظيمات الإرهابية التكفيرية، ولا سيما «داعش» و»النصرة»، لتنفيذ هذا المخطط.
تركيا شاركت باكراً في التنفيذ بفتح حدودها لتزويد التنظيمات الإرهابية بالرجال والسلاح والعتاد. دافعها الى ذلك مشاركةُ أميركا و»إسرائيل» في إعادة ترسيم جغرافية المنطقة على نحوٍ يمكّنها من تحقيق غرضين: أولهما، اقتطاع مساحات من شمال سورية بدعوى الحؤول دون قيام أكراد سوريين بإقامة كيان بحكم ذاتي سيكون، في نظر مسؤولين أتراك، نواةً لدولة كردية انفصالية ثانيهما، مشاركة الولايات المتحدة و»إسرائيل» في استغلال موارد سورية الدفينة من نفط وغاز في شرقها وشمالها الشرقي.
تركيا تخوّفت، بعد ذلك، من دعم الولايات المتحدة بالمال والسلاح والتدريب لبعض الأكراد السوريين السائرين في ركابها ومن تداعيات تعاونهم مع حزب العمال الكردستاني التركي الداعي الى إقامة كيان بحكم ذاتي للأكراد الاتراك.
سورية واجهت المخطط الصهيو – أميركي بدعمٍ عسكري من روسيا وبدعمٍ مالي وتسليح وتموين من إيران، وبمشاركة قتالية من حزب الله اللبناني. وهي تقوم الآن باجتذاب مواطنيها الأكراد وإعادتهم الى حضن حكومتها المركزية من جهة وتحاول، من جهة أخرى، التوصل الى اتفاق مع تركيا يُراعي مصالح البلدين وأمنهما القومي.
دونالد ترامب أدرك، بعد ثلاث سنوات من دعم واشنطن للأكراد السوريين السائرين في ركابها، انه لن يجني من ذلك سوى النزف المالي والبشري وتعكير العلاقات مع تركيا، ولا سيما بعدما تمكّنت سورية وحلفاؤها من تحرير معظم الأراضي التي كانت تحت سيطرة «داعش» و»النصرة»، فقرّر سحب قواته من سورية.
«إسرائيل» تخوّفت من سحب القوات الأميركية من شرق سورية وشمالها الشرقي. اعتبرته هدية لحكم الرئيس بشار الأسد وحليفته إيران. مثلُها فسّرته فرنسا وبريطانيا. بنيامين نتنياهو سارع الى استنفار اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة وتعبئة أصدقاء «إسرائيل» في الكونغرس لحمل ترامب على وقف الإنسحاب او، في الأقل، التريّث في تنفيذه. ترامب وافق على إبطاء عملية الإنسحاب بدعوى الحرص على حماية حلفاء أميركا من الأكراد السوريين، لكنه تمسك بمبدأ الانسحاب ومطمئناً «إسرائيل» بأنّ قواته ستبقى في العراق ومنه تقوم بحمايتها كما بالحؤول دون إقامة جسر بري بين إيران ولبنان عبر العراق وسورية ما يؤدّي الى قطع الدعم اللوجستي عن حزب الله.
روسيا تخوّفت هي الأخرى من انعكاسات الوجود العسكري الأميركي على سورية والعراق كما على نفوذها فيهما. ردّت على الولايات المتحدة بطريقتين: الأولى، بتزويد سورية مزيداً من منظومات الدفاع الجوي. الثانية، بالضغط مع إيران على تركيا للحؤول دون انزلاقها الى حربٍ غير مجدية مع الأكراد السوريين ومع سورية في حين يمكن التوصل معهما، بالحوار والتفاوض، إلى اتفاق يؤمّن في آن حماية الأمن القومي والمصالح الحيوية للبلدين كما وحدة سورية وسيادتها على كامل ترابها الوطني، وكذلك استجابة مطالب الأكراد ومنها تدريس اللغة الكردية في المدارس الحكومية وتجنيس الذين ما زالوا محرومين من الجنسية السورية.
ما السبيل الأقصر الى تحقيق ذلك كله؟
بإتفاق روسيا وإيران وتركيا على إخراج الولايات المتحدة و»إسرائيل»، بالسرعة الممكنة، من كامل أراضيها المحتلّ بعضها او المعتدى على المصالح الحيوية في بعضها الآخر، وبالتفاهم على صيغة سياسية متوازنة لتمكين الأكراد من التمتع بحقوقهم الديمقراطية في سورية والعراق وإيران.
كلٌّ من الدول الثلاث متضرّرة من الولايات المتحدة بشكلٍ أو بآخر ولها مصلحة، تالياً، في إخراجها من المنطقة، وخصوصاً من سورية والعراق.
روسيا متضرّرة من مخاطر الوجود الأميركي في سورية على نفوذها وعلى وحدة وسيادة الدولة الوحيدة التي منحتها قاعدةً عسكرية في حوض البحر الأبيض المتوسط، والمؤهّلة والقادرة على منحها في المستقبل حق التثمير والاستثمار في صناعة النفط والغاز السورية.
إيران متضرّرة من عداء الولايات المتحدة لها وعقوباتها الصارمة بحقها، ومن خروجها التخريبي من الإتفاق النووي معها، ومن دعمها الأعمى لـ «إسرائيل» الطامعة بقضم المزيد من أراضي وموارد حليفتها سورية.
تركيا متضرّرة من مخطط الولايات المتحدة الرامي إلى تفكيك سورية خدمةً لـِ «إسرائيل» من جهة ولتمكين فريق من الأكراد السوريين السائرين في ركابها، من جهة أخرى، من إقامة كيان بحكم ذاتي ليكون، بحسب رأي مسؤولين أتراك، نواةً لدولة كردية انفصالية في قابل الأيام على حساب سورية وتركيا والعراق وإيران.
الدول الثلاث متضرّرة من الولايات المتحدة و»إسرائيل» ولها مصلحة مشتركة في وقف اعتداءاتهما المباشرة وغير المباشرة عليها. فهل كثير عليها، والحالة هذه، التعاون وحتى التحالف في ما بينها لردّ تغوّل الولايات المتحدة على وحدتها وسيادتها ومصالحها الوطنية؟
أيها المتضرّرون، شعوباً وحكومات، من أميركا و»إسرائيل»… اتحدوا!
|