تعتبر المعارك التي دارت في منطقة قريتي الشجرة ولوبيا من أعنف معارك القتال التي حدثت في شهري حزيران وتموز من العام 1948.
ونحن اذ نعرض موجزاً عن تلك المعارك نقلاً عن "الموسوعة الفلسطينية"، فلنقدم للقارئ القومي الاجتماعي، وللمواطن السوري، صورة عن المعارك التي اندلعت في سورية الجنوبية عام 1948 في مواجهة المخطط اليهودي المدعوم من دول عظمى ذات مصالح حيوية في أمتنا.
حصلت المعارك على مرحلتين، الاولى في 9-10 حزيران، وفيها تمكن جيش الانقاذ من تكبيد العدو الصهيوني خسائر فادحة، بعد ان كان بدوره قد تكبد خسائر كبيرة، ووصل مقاتلوه إلى جدران مستعمرة الشجرة، ودخلت سرية من المجاهدين مدينة الناصرة.
في هذه الأثناء توقف إطلاق النار تنفيذاً لإتفاقية الهدنة الاولى.
إلا ان القوات الصهيونية لم تلتزم كعادتها بالهدنة، فقامت لاعتداء على الاهالي في قرية الشجرة ومهاجمة قريتي"شفا عمرو" و "البروة"، لكن قوات جيش الانقاذ أحبطت ذلك، ثم قام الاسرائيليون بالهجوم على قرية "خربة رأس علي" القريبة من "شفا عمرو" واحتلوها يوم 20 حزيران، فردت عليهم قوات الانقاذ بهجوم مضاد ونجحت بطردهم من القرية.
أما المرحلة الثانية فقد بدات بالهجوم الذي شنته القوات الصهيونية صباح 8 تموز 1948، مستخدمة الطائرات الحربية في قصف بلدة "ترشيحا"، فضلاً عن الدبدبات الثقيلة من نوع تشرشل وتشيرمان، والمدفعية الثقيلة.
استمرت المعارك محتدمة بين كرّ وفرّ، وبدون انقطاع، فارتفع عدد القتلى والجرحى، وقد أدى نفاذ الذخائر بين أيدي "القوات العربية" إلى سحب المصفحات، وظهر احتمال سحب "القوات العربية" من "الشجرة". إلا أن ذلك كان سيؤدي إلى سقوط الناصرة، لهذا تم الإقدام على تنفيذ عملية جريئة وذلك بتنظيم هجوم على قاعدة الشجرة ذاتها للإفادة مما يتوفر فيها من المؤن والذخائر. تمّ ذلك ليل 13 تموز وأحرزت "القوات العربية" النصر بالرغم من انها كانت مستنزفة القوى بعد صراع مستمر طوال ستة ايام بلياليها، وتكبد فوج حطين من جيش الانقاذ خسائر كبيرة، من بينها إصابة قائد الفوج بجراح بالغة واستشهاد احد معاونيه وجرح الثاني، بالإضافة إلى إصابة اكثر قادة السرايا بجراح بالغة.
إلا أن قوات العدو الصهيوني ما لبثت أن أعادت تنظيمها وحشد قواها، وعاودت الهجوم، وفيما تزايد عدد القتلى والجرحى في صفوف جيش الانقاذ، واحتلت القوى الصهيونية، "تل التين" تمكن جيش الانقاذ من استرجاع "التل" في 15/07/1948 وتكبيد العدو خسائر فادحة.
إلا أن مدفعية العدو تابعت قصف مواقع الشجرة، وفي الوقت ذاته قامت قواته بتطوير هجومها على بقية القطاعات فاستولت على شفا عمرو. وفي الساعة 7,00 من يوم 16 تموز قام رتل من الدبابات الصهيونية بتطويق قرية صفورية، واستولى عليها في الساعة 9,25 من اليوم ذاته، وانتقل الصراع إلى أبواب الناصرة. وبدأت عملية هجرة كبيرة من الناصرة وصفورية وبقية المواقع التي سقطت في قبضة الاسرائيليين ولم تلبث الناصرة ان سقطت في قبضة القوات الصهيونية، وأصبحت قوات جيش الانقاذ في الشجرة مهددة بالتطويق والابادة. وفي الوقت ذاته بدأت القوات الصهيونية بالتحرك من "الناصرة" في اتجاه الشجرة، ومن طبرية نحو لوبيا والشجرة. فتم وضع سرية في وجه القوة الاسرائيلية الآتية من الناصرة، وسرية أخرى في وجه القوات الآتية من طبرية، وأخذت بقية القوات تنسحب من الشجرة بمفارز صغيرة، ثم اخذت السريتان تنسحبان إلى ان تمت العملية في ليل 18 تموز. وتمركزت قوات جيش الانقاذ على خط دفاعي جديد لا يبعد عن الشجرة أكثر من أربعة كيلومترات، وقامت القوات الصهيونية بهجوم كثيف على هذا الخط، قبل أن تستقر "القوات العربية" في مواقعها، فحدثت معركة عنيفة استمرت يومي 18 و 19 تموز. ونجحت قوات جيش الانقاذ في إحباط الهجمات كلها، إلى ان توقف اطلاق النار في الساعة 17,30 من يوم 19/07/1948 في الهدنة الثانية، التي تحولت فيما بعد إلى هدنة دائمة.
*
في معارك لوبيا – الشجرة استشهد الرفيق محمد ديب عينوس من منفذية اللاذقية، وربما رفقاء آخرون إنما لم تُعرف أسماؤهم، إذ أن فصيلاً من 60 شخصاً كان توجه من اللاذقية – بانياس – الحفة وطرطوس والتحق بجيش الانقاذ، وحارب في معركتي لوبيا والشجرة. من شهداء هذا الفصيل خمسة، كان منهم الرفيق محمد ديب عينوس.
*
قـريـة الشـجـرة:
تقع إلى الغرب من طبرية، بين قريتي كفركما في جنوبها الشرقي ولوبيا في شمالها الشرقي. ولها موقع جيّد على الطريق الواصلة بين العفولة جنوباً والمغار شمالاً، والتي تتقاطع (شمال الشجرة) مع الطريق التي تصل بين طبرية وكل من الناصرة وحيفا.
تحيط بهذه القرية التلال من الجهتين الشمالية الغربية والجنوبية الشرقية، بُنيت القرية على ارتفاع 275م فوق سطح البحر.
تعد الشجرة رابع قرى فضاء طبرية مساحة، إذ تبلغ مساحة القرية ذاتها 100 دونم.
وتبلغ مساحة أراضيها الزراعية 3,754 دونماً، تحتل أشجار الزيتون 700 دونم منها، وتشغل الطرق والاودية 164 دونماً. وتحيط بها أراضي قريتي لوبيا وطرعان، وتنتشر الغابات والأعشاب البرية على سفوح التلال الجنوبية المواجهة للقرية.
القرية ذاتها مكان أثري يضم أساسات أبنية وقطع حجر منقوش ومدافن منحوتة في الصخر، وتقع بجوارها بعض الخرائب، مثل خربة قيشرون في الشمال الشرقي وخربة بيين في الجنوب الغربي، وكلتاهما تضم أنقاض آثار قديمة.
* من أبناء قرية الشجرة الفنان ناجي العلي (رسام كاريكتوري معروف، اغتيل على رصيف احد شوارع لندن صيف 1987).
*
قـريـة لـوبيـا:
تبعد مسافة 13 كيلومتراً إلى الغرب – الجنوب الغربي من طبرية على الطريق الواصلة بين طبرية والناصرة. ومن أقرب القرى إليها قرية نمرين. وتقع لوبيا على تل تشرف منه على سهل فسيح في الشرق يقع ضمن منخفض يتخذ اتجاهاً شمالياً غربياً بين تل الجبلة الذي يرتفع 294م عن سطح البحر والتل الذي تقوم عليه القرية. وتمتد حقول القمح في هذا المنخفض، في حين تنتشر أشجار الزيتون شمالي القرية على السفوح الجبلية. وترتفع القرية 325 عن سطح البحر.
تعد لوبيا من حيث مساحتها ومساحة اراضيها الزراعية ثاني أكبر قرى قضاء طبرية. وتحيط بأراضيها أراضي قرى الشجرة وكفرسبت والمنارة وحطين وبعض القلاع اليهودية.
وقرية لوبيا ذاتها موقع أثري يحتوي على مدافن منحوتة في الصخر وقطع احجار كانت تستخدم للبناء. وعلى مسافة كيلومترين إلى الشرق منها بقايا بناء يسمى الخان ويحتوي على بركة مهدومة وآثار بناء بالحجارة الضخمة. ورما كان هذا الموقع محطة للتجار أيام العثمانيين.
دمرت القرية تماماً في عام 1948 وشرد أهلها وأقام الصهيونيون على أراضيها في عام 1949 مستعمرة "لافي".
• عام 1921 عقد في قرية لوبيا اجتماع شعبي للنظر في مقاومة الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وتقرر في هذا الاجتماع إعداد السكان للغارات على المستعمرات الصهيونية، وجمع المعلومات عن مقادير الاسلحة المتوافرة لدى اليهود.
*
نـبذة عـن الرفيق الشهيـد محمـد ديـب عينوس:
الاسم الكامل: محمد ديب عينوس.
مكان وتاريخ الولادة: اللاذقية 1922.
مكان وتاريخ الانتماء: اللاذقية 1946.
مكان وتاريخ الاستشهاد: "لوبيا". فلسطين عام 1948.
لمـحة عـن حـياته:
كان يعمل في مطبعة الارشاد في اللاذقية لصاحبها الشيخ أمين حكيم، وكان مدير المطبعة الامين أديب عازار(1) وعندما أعلنت الحرب ضد اليهود في فلسطين لبى نداء الواجب والتحق بجيش الانقاذ وكان احد أفراد الفصيل المؤلف من 60 شخصاً من اللاذقية، الحفة، بانياس وطرطوس حيث التحقوا جميعاً بجيش الانقاذ. عند وصول هذا الفصيل أقام في المسجد وبعد ساعتين من وصوله بدات المعركة.
حارب هذا الفصيل في معركتي "لوبيا" و "الشجرة" في الجليل الأعلى.
(1): تولى في الحزب مسؤوليات محلية ومركزية. انتقل من اللاذقية إلى بيروت واستقر في منطقة الاشرفية، عُرف بثباته على إيمانه القومي الاجتماعي وبمناقبيته، أسر في سجن المزة بعد اغتيال العقيد عدنان المالكي. انتخب عضواً في المجلس الاعلى. أنشأ عائلة قومية اجتماعية وبقي حتى آخر رمق من حياته مؤمناً وعاملاً في سبيل القضية التي رهن لها وجوده.
|