الفترة التي تلت الثورة الانقلابية برز اسم الرفيق توفيق الحايك (احمد) من بين اكثر الرفقاء الذين نشطوا حزبياً.
عرفته في تلك السنوات الصعبة جريئاً، مضحياً، تعرّض للملاحقات والسجون اكثر من مرّة، اذكر ان الرفيق جوزف رزق الله طلب إليه التفرغ للعمل الحزبي قائماً باتصالات مع رفقاء عديدين في المناطق اللبنانية، متوسلاً الحافلات والسيارات العمومية، معرّضاً نفسه للاعتقال.
اذكر انه كان يدون المعلومات الحزبية على الورق الشفاف (بافرا) ويلفها ويدخلها في الكرافات ويعقدها تضيع الورقة في أي مكان من الكرافات، بحيث لا يمكن لاحد ان يكشف امره. هكذا كان يذهب الى الهرمل، الى بعلبك، والى عدة مناطق في لبنان.
كانت اتصالاته بي مستمرة وتردده الى منزلنا شبه يومي. اطلقت عليه اسم (احمد)، كما تمّ اطلاق أسماء حركية أخرى على رفقاء نشطوا في فترة العمل السري، منهم على ما اذكر، الرفيق بطرس: غطاس الغريب،
الرفيق كميل: الأمين شفيق راشد، حتى اذا تمّ اعتقال عدد من الرفقاء ومن بينهم توفيق الحايك، ولدى دخوله الى منزلنا رحبّت به والدتي التي كانت ترتاح اليه كثيراً، مبتسمة: أحمد.. أيه؟؟ احمد ؟! وراح يضحك.
كانت علاقته وطيدة بالرفيق جوزف رزق الله وبكثير من الرفقاء الذين نشطوا في تلك الفترة.
عنهم كتبت في اكثر من مناسبة وأكثرها في كتابي "صدى المناقب".
سافر الى الكويت، عاملا في مجال المفروشات، وكان فنانا في صنع المفروشات الخشبية، ناجحا في عمله، متواصلا معي باستمرار حتى عندما استقر في منفذية الضاحية الشرقية،
لم اعرف بوضعه الصحي الا عندما اتصل بي الرفيق سعادة رزق الله مبلغا اياي عن وفاته.
من الرفقاء الذين عرفوا الرفيق توفيق اذكر: الأمناء: غسان الأشقر، اميل رياشي، غسان عزالدين والرفقاء: سمير أبو ناصيف، غطاس الغريب، رفعت عسيران، أنطون سمعان وكثيرين غيرهم، من الرفقاء الذين نشطوا في السنوات التي أعقبت الثورة الانقلابية.
ادعو وقد اشرت إليه، ان يكتب عنه الرفقاء الذين عرفوه في الستينات ومنهم الرفقاء الذين كانوا يترددون الى مقهى لادونا، سد البوشرية من أمثال: أنطون سمعان، جورج سمعان، غانم خنيصر، جورج بدور، سمير دومط والامينين: ايلي عون وغطاس الغريب(1) .
يخسر الحزب برحيل الرفيق توفيق الحايك (احمد) احد ابرز الرفقاء الذين نشطوا في السنوات الصعبة التي تلت الثورة الانقلابية.
اني اذكره بكثير من الحب، بكثير من المودة وآمل ان يذكره معي جميع الرفقاء الذين تحركوا حزبياً في الستينات.
*
ننشر ادناه سيرة الرفيق توفيق الحايك، كما كان سجلّها ووردتنا بواسطة الرفيق خليل حداد (مديرية الجديدة).
الرفيق توفيق الحايك مواليد 1939 اللاذقية،
نشأ في عين المريسة، درس الأبتدائية في سن الفيل الرسمية،
اكمل علومه في مار الياس، القنطاري،
تعرّف على الحزب عام 1959، وانتمى على يد ناموس عمدة الدفاع الرفيق علي المير، واقسم اليمين في منزله في عين الرمانة، وكان شهود القسم مدرب المديرية الرفيق انطون المعلوف والرفيق علي المير.
" ألحقت بمديرية فرن الشباك، وبعد مدة قصيرة استلمت مهمة محصل المديرية. وكانت المديرية من انشط المديريات واكبرها في الوطن وكانت تضم عين الرمانة والتحويطة، وكان الأقبال على الحزب في تلك الفترة شديداً.
في ليلة الانقلاب اتى الرفيق اوغست حاماتي الى الرفيق جوزف رزق الله مدير المديرية، ومرّوا بي في محلي الكائن في عين الرمانة وطلب مني الرفيق رزق الله اخذ دفتر التفقد واللحاق بهما الى منزل مدير المديرية.
جلسنا على الطاولة في منزله، واخذت اقرأ اسماء الرفقاء اسما اسما، والمدير يضع علامة من 1 الى 10 مقابل كل اسم.
كلّفت باستنفار من كان موجودا ممن اخذوا 9 او 10 على 10 اي من استطعت الأتصال به (ميشال خوري _ عباس حمدان _ جوزف الياس _ وانا).
انتقلت انا والمدير لانتظار الأوامر في منزل الرفيق عباس حمدان في عين الرمانة (الصنوبرة)، والباقون ذهبوا الى ثكنة الفياضية.
هناك كان بانتظارهم الرفيق عادل اندراوس (اخ زوجة الامين شوقي خيرالله)، حيث كان الرفيق شوقي خيرالله مسجوناً داخل ثكنة الفياضية.
"دخلوا الى الثكنة حيث ضرب اوغست حاماتي حارس السجن بكعب مسدسه على رأسه، وحمل الرفيق ميشال خوري الشرطي، وتم اطلاق سراح الرفيق شوقي وساروا بهما الى وزارة الدفاع حيث كان الرفيق فؤاد يحتل الطابق الارضي. هناك كانت زمرة ثانية بأمرة الرفيق ديب كردية(2)، حيث كانت قد اقتحمت مبنى قيادة الأركان وأسر قائد الجيش يوسف شميط، وقائد موقع بيروت عبد القادر شهاب.
سلّم الرفيق فؤاد الأسيرين الى الرفيقين ميشال خوري وجوزف الياس مع رفيق من الحدث (لم يعرف اسمه).
انطلقوا بهما الى دير مار سمعان (حيث اخذ جميع الضباط والمأسورين).
عاد الرفيقان جوزف الياس وميشال خوري الى منازلهم ونحن لم ننم في تلك الليلة. وفي الباكر كان معنا ترانزيستور نستمع الى الأخبار حيث اذيع نبأ فشل الانقلاب.
عندها طلب مني الرفيق جوزف رزق الله استنفار المديرية بكاملها، وارسالهم الى ضهور الشوير.
تخفيّت انا والرفيق ميشال خوري وجوزف الياس في شقة على اطراف تحويطة النهر في فرن الشباك لمدة شهر ونصف، خلال هذه الفترة اتصل بنا اثنان من آل عبده من قوسايا (فايز وعفيف) بحجة تهريبنا الى الأردن عبر سوريا، تبيّن فيما بعد انهما عملاء للمكتب الثاني، في ليلة 14 شباط حضرا في سيارة لاصطحابنا الى الحدود الشامية، وبتنا ليلتنا في اوتيل في شتورة على اساس انهم سيأتون فجر اليوم الثاني لأخذنا الى الحدود السورية. استلقينا في الفراش نحن الثلاثة، وبعد فترة وجيزة اقتحمت الغرفة فرقة من الشرطة العسكرية والمكتب الثاني غرفتنا وتم اعتقالنا.
ساقونا الى الانفرادي في ثكنة ابلح. وفي الصباح بدأ تحقيق اوليّ حيث كان قد بلّغنا في الليل من داخل معتقل المير بشير بانه قد عُرفت كامل تفاصيل الانقلاب ولا داعي للإنكار. كما عرفنا عن استشهاد 36 رفيقا، تحت التعذيب.
"بعد التحقيق سُقنا مع مفوض المكتب الثاني الى وزارة الدفاع، على المتحف في بيروت، وادخلونا الى غرفة قائد موقع بيروت الجنرال عبد القادر شهاب.
هناك، وبإشراف الضابط المذكور تم تعنيفنا من قبل شلّة من الضباط بالأرجل واللكمات، وما الى هنالك حتى سرحت دماؤنا. بعدها ارسلونا الى ثكنة المير بشير.
وصلنا الى معتقل المير بشير. وأعادوا استجوابنا عدة مرات، وحاولوا ان يلصقوا بي تهمة خطف الضباط من وزارة الدفاع الى دير مار سمعان، لأن الشخص الثالث الذي كان مع ميشال خوري وجوزف الياس وكان يقود السيارة في هذه المهمة هو من الحدث مجهول باقي الهوية. استمريت على انكاري لهذا الأمر فحوّلت الى تهمة الزمر الحزبية دون ان تعرف الاجهزة الأمنية تفاصيل ما قمت به فيما بعد خلال فترة الهروب من الأعتقال. استمر اعتقالي بهذه التهمة حوالي تسعة اشهر، وخرجنا مع من خرجوا من الزمر الذين لم يثبت عليهم تورطهم فعليا بعملية الانقلاب.
"بعد مدة بسيطة من خروجي من المعتقل اتصل بي الرفيق جوزف رزق الله وعرض علي التعاون بإعادة تنظيم الحزب، فأخذنا نتصل بجميع الرفقاء في كل لبنان، وكان الرفيق جوزيف رزق الله يقوم بمهمة مفوض عام في لبنان. وكنت أنا له اليد اليمنى وقد عيّن جوزيف رزق الله مسؤولا في كل منطقة ممن كان على استعداد للعمل السري الحزبي. واستأجرت شقة في شارع الحمراء وكانت تستعمل لاجتماعات المسؤولين في لبنان. وقد كنت ابلّغ شخصياً هؤلاء المسؤولين عن موعد تلك الاجتماعات.
وكنا نجمع الأشتراكات من القوميين، وبعض القوميين الذين لهم وضع خاص، فكنت اقوم بالاتصال بهم شخصياً وشهرياً مثل زكي ناصيف واخرين، وببعض الاطباء لجلب ادوية من عندهم لعائلات الرفقاء المعتقلين، وكنا نقوم بتوزيع هذه المساعدات على تلك العائلات.
"وانشئت في تلك الفترة لجنة لأهالي المسؤولين الكبار المتهمين بالانقلاب، ضمّت رؤوفة الأشقر، ,تيودور رعد، مي سعادة، غسان ألأشقر، جوزف رزق الله، والمحامين بادرو ديب، ومخايل الضاهر وكنت اقوم بتبليغ لجنة عائلات المعتقلين عن مواعيد اجتماعاتها للعمل على طلب العفو. وتم رفع معروض للعفو على نسختين وقع احداها في رأس اللائحة النائب سليمان فرنجية، مع تواقيع عدد من النواب، ولائحة ثانية وقعها في رأس القائمة خليل بشارة الخوري مع تواقيع لنواب اخرين حتى بلغ مجموع اللائحتين 49 نائباً من اصل 99 نائباً.
كنت اتصل بالمسؤولين المعتقلين داخل السجن بواسطة المحامي اسعد الشمالي، حيث يوصل رسائل من الداخل الى الخارج وبالعكس. وكان يأتينا من داخل السجن مقالات باسم سبع يونس حميدان (اسد ألأشقر).
أنشئت قيادة مؤقتة للحزب في عمان، وكان يتم تبادل الرسائل بين لبنان وعمان عن طريق الرفيق بهجت الحلبي وكان اسمه الحركي ميشال، واسمي الحركي احمد.
بعد فترة استلم الرفيق هنري حاماتي مفوضاً عاماً في لبنان مكان الرفيق جوزف رزق الله، وبقيت انا مساعداً له والرفيق لبيب ناصيف معنا. وقد اتانا خبر من جماعة المكتب الثاني انهم عرفوا بأمري وهم يراقبونني.
"اخذني الرفيق غسان الأشقر بسيارته الى ثلاث منازل كي اختبئ عندهم لكنهم اعتذروا، اخيرا قال لي هيا بنا الى منزلي، حتى لو فتشوا لبنان كله لن يجدوك. بقيت عنده بضعة أيام، بعدها عدت الى بيتي لاعتقادي بأنهم توقفوا عن ملاحقتي، لأتفاجأ عند الساعة الرابعة صباحا من اليوم التالي بقوة من المكتب الثاني اقتادتني الى ثكنة المير بشير، ووضعوني في الانفرادي بضعة أيام، وقاموا بالتحقيق معي بعدها نقلوني الى الانفرادي في سجن الرمل لمدة أسبوع، وبعد شهرين ويومين حكمنا بإخلآت سبيل تحت المحاكمة..
بعدها قام الرفيقان ملحم غاوي وجورج قيصر، بإحضار جوازات سفر شرعية بالسر وسافرت الى الكويت لحوالي اربع سنوات وبعدها رجعت الى لبنان ظناً مني انه لحقني العفو، وقد كان بحقي حكم محكمة عسكرية غيابي لمدة ثلاث سنوات، فجرى توقيفي بالمطار لوجود هذا الحكم. وذهب اخي الصغير الى ألأمين اسد ألأشقر الذي اتصل بالنائب كمال جنبلاط، كما ارسل ابنه غسان لتتبعي.
"النائب كمال جنبلاط اتصل بضابط أمن عام المطار ان يبقيني في الترانزيت للصباح حين يبدأ الدوام في دوائر ألأمن العام. وفي اليوم التالي اخذوني من الأمن العام الى سيار الدرك (المقر العام). هناك وحوالي بعد الظهر اخذوا بصماتي وصوروني واتى اثنان من المكتب الثاني وطلبوني الى المحكمة العسكرية التي كانت بانتظاري، فقال الرئيس: "اسرع وقّع ألأوراق التالية الرسمية لأننا في انتظارك حوالي اربع ساعات وقد تأخرنا على عائلاتنا بسببك".. فقلت له انا مستعجل اكثر منك ووقعت. واطلقوا سراحي واقفل الملف.
عدت الى عملي في الكويت بعد عدّة ايام، الى ان رجعت الى لبنان نهائيا عام 1990، والتحقت بمديرية الجديدة واستمريت اتابع نشاطي الحزبي حسب ما تسمح لي صحتي وظروف العمل.
نلت وسامي الثبات والواجب ".
|