رسالة رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس في القدس المحتلة المطران عطالله حنا
أيها الأحباء… في يوم الفداء القومي ومرور 75 عاماً على استشهاد مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي الشهيد أنطون سعادة، يطيب لي أن أبعث إليكم من القدس بهذه الرسالة مقدّماً التحية والوفاء لروح قائدنا وزعيمنا ومؤسّس الحزب الذي قُتِل جسداً ولكن الأعداء لم يتمكنوا من قتل الرسالة التي كان يحملها وينادي بها.
كم نحن بحاجة إلى هذا الفكر الوحدوي، إلى هذا الفكر الإنساني والقومي، كم نحن بحاجة الى هذا الفكر الذي يصوّب البوصلة في الاتجاه الصحيح، وخاصة في ظلّ الأوضاع العصيبة التي يعيشها شعبنا الفلسطيني في ظلّ حرب الإبادة الجماعية التي تستهدف أهلنا في غزة وفي ظلّ التهديدات التي نسمع عنها والتي تتعلق بلبنان.
نحن في فلسطين، نحن في القدس لن ننسى الشهيد أنطون سعاده، لن ننسى فكره، لن ننسى أنّ فلسطين دائماً كانت بوصلته، واليوم من وحي فكره وأدبياته ورسالته نؤكد ونقول للأمة العربية كلها بأنّ فلسطين هي قضيتنا جميعاً، هي قضية الأمة كلها، هي قضية الأحرار في كلّ مكان بغضّ النظر عن انتماءاتهم الدينية والعرقية.
في هذه الأيام من واجبنا جميعاً أن نلتفت إلى غزة، وأن ننادي جميعاً بوقف هذه الحرب، بوقف هذه الآلام والأحزان والمعاناة، التي يتعرّض لها شعبنا الفلسطيني.
أما أنت أيها الشهيد والشاهد والمناضل والمجاهد أنطون سعاده، فمن أجلك نضيء شمعة في كنيسة القيامة مع تمنياتنا بأنّ هذا النور لكي يكون نوراً للأمم مزيلاً للظلمات، مزيلاً للأحقاد، مزيلاً لكلّ المظاهر السلبية التي نعيشها في هذا المشرق.
ستبقى يا أيها الشهيد الكبير حاملاً لهذه الرسالة الإنسانية حتى بعد 75 عاماً من استشهادك، قتلوك جسداً ولكن رسالتك باقية وستبقى…
*
كم نحن بحاجة إلى هذا الفكر الوحدوي
كما عودنا سيادة المطران عطالله حنا، ها هو يقف شامخًا في قلب فلسطين المغتصبة شاهدًا للحق والحقيقة ولقضية فلسطين وقائلًا بكل صراحة ووضوح "كم نحن بحاجة إلى فكر سعاده الوحدوي.. كم نحن بحاجة إلى هذا الفكر الإنساني والقومي.. كم نحن بحاجة إلى هذا الفكر الذي يصوّب البوصلة في الاتجاه الصحيح وخاصة في ظل الأوضاع العصيبة التي يعيشها شعبنا الفلسطيني.. في ظل حرب الإبادة الجماعية التي تستهدف أهلنا في غزة.."
حقاً يا سيادة المطران! لقد شهدت على حقيقة أنطون سعاده هذا الرجل العظيم بعقله الكبير وثقافته الواسعة وعطاءاته الخالدة كما شهدت وأكدت على جرائم العدو ومجازره الإرهابية وحرب الإبادة التي يشنها ضد شعبنا في كل فلسطين.
حقًا، نحن اليوم بأمس الحاجة إلى فكر سعاده وتعاليمه وكلماته التي حذرت من خطر الصهيونية على سورية كلها والتي اعتبرت أن انقاذ فلسطين هو أمر لبناني في الصميم، كما هو أمر شامي في الصميم، كما هو أمر فلسطيني في الصميم.
في هذه الظروف العصيبة، وتجاه ما يحيط بنا من أخطارٍ عظيمةٍ تُهدّدُ سلامةَ الوطن ووجود الأمة، نحن بحاجة لنستلهمَ الدّروسَ من شهيدِ الثّامنِ منْ تمّوزَ الذي واجه سلطات الإرهاب والظلم والطغيان وعرّى أهل الخنوع المنهزمون، المتعيّشون، المنافقون، والمارقون والساقطون قي مستنقعات الذل والخيانة والعبودية والعار.
نحن بحاجة لنهتدي برؤية هذا الرجل وتحذيراته ولنتمسك بإيمانه ومحبته وصدقه وإخلاصه وبمناقبه الجديدة التي تعلِّمنا أن نرفض العيش الذليل وأن ندُوس على المثالب المنحطّة ونسحق التنين الشرير سحقًا نهائيًا.
نحن بحاجة اليوم للإقتداء بسعاده وبما يمثّله من تعاليم ومبادىء وأخلاق جسّدها في أعماله ومواقفه والتي كان آخرها وقفة العز، قمة عطاءاته وأسخاها...
نحن اليوم بحاجة للإقتداء بهذا الرجل الذي نَبَذَ الأحقاد الدينية ورفضَ أن تكون الأديان أحزابًا في المجتمع. هذا الرجل جاء بعقيدة الإنقاذ للأمة من مصير الضعف والتشرذم والتضعضع والهلاك داعياً إلى وحدتها الاجتماعية ووعيها الاجتماعي وإلى وقوفها موقفاً واحدًا أمام الأخطار الكبيرة المحيطة بها وأمام الإرادات الأجنبية التي تعمل لتفجير مجتمعنا من داخله بحروب طائفية - قبلية ولاقتلاع شعبنا من أرضه وسرقة مواردنا وثرواتنا.
هذا الرجل الجريء افتتح عهد البطولة الشعبية الواعية، المنظمة في الأمة. فكمْ نحنُ بحاجةٍ لنسير على نهج هذه البطولة المؤمنة وهو القائل: "مارسوا البطولة ولا تخافوا الحرب بل خافوا الفشل". وهذا الرجل حارب الجبن والتخاذل والأنانية ودعا أبناء شعبه إلى التضحية والصراع والقضاء على الخيانة أينما وجدت..
كم نحن بحاجة للإقتداء بسعاده الذي نسي جراح نفسه ليضمد جراح أمته فنذر حياته في سبيل قضية هذه الأمة، قضية إنهاضها وإنقاذها من أمراضها وتخبطاتها..
نعم يا زعيمي ان شعبنا اليوم بحاجة ماسة إلى شدتك وقسوتك وإيمانك... ألم تكن متشدداً في المسائل الأخلاقية والنظامية ومنبِّهاً بان "كل نظام يحتاج إلى الأخلاق. بل ان الأخلاق هي في صميم كل نظام يمكن ان يكتب له ان يبقى"؟
ألم تكن قاسياً بحق المخرّبين والمتطاولين على مصلحة الأمة معلناً بأنه: "لا بأس ان نكون طغاة على المفاسد"؟
ألم تكن قاسيًا ايضاً بحق المشككين بقدرة الأمة وعظمتها والساقطين المتنازلين عن الصراع منذرًأ اياهم: "ويل للمستسلمين الذين يرفضون الصراع فيرفضون الحرية وينالون العبودية التي يستحقون"؟
ألم تكن مؤمنًا بحتمية الإنتصار، انتصار قضية الأمة قائلًا: "لو شئنا ان نفر من النجاح لما وجدنا منه مفرًا" شرط ان نستمر بالصراع، ولذلك اخترت الفداء طريقًا لهذا الإنتصار مرددًا قبل إعدامك "هذهِ الليلةَ سيُعدِمونَني، أمّا أبناءُ عقيدتي فسينتصرونَ وسيجيءُ انتصارُهم انتقامًا لموتي"..
شعبنا اليوم بحاجة ماسة إليك يا زعيمي الخالد، يا منقذ الأمة من ويلاتها وأمراضها وأعدائها. إنه بحاجة إلى فلسفتك الموحِّدة، إلى تعاليمك السامية، وإلى ثورتك التموزية الواعدة...
|