منذ ان التقيت به في سدني وزرته في منزله، فتعرفت الى عقيلته وبناته وشدّتني إليهن الكثير من المودة ووجدت في بيته الحضور القومي الاجتماعي اللافت، وفي بناته الالتزام القومي الاجتماعي فأحببتهن كما بناتي وما زلت اشعر تجاه كل واحدة بكثير من المودة ومنذ ذلك الوقت والأمين فؤاد شريدي القومي الاجتماعي الذي أحببت والرفيق الذي وجدت لديه الكثير من مناقب واخلاق النهضة.
الكتاب السيرة، من الحجم الوسط، هو "صدى صرخة الوجع التي تسكن في قلب كل فلسطيني وفلسطينية، الفلسطينيون يتألمون وينزفون والعالم بأسره يرقص على دمائهم منذ العام 1948".. كما يقول الكاتب.
هو قصة اقتلاع الكاتب من ارضه، وبلدته الصفصاف، قصة وجع عمرها ستون عاما من الحزن واللجوء والاغتراب، قصة لاجئ من وطن محتل ومصادر، قصة ألم موشحة بإرث فلسطين ومطرزة بصلابة الارادة والتصميم والعلم والثقافة، لإيصال الصورة الحقيقية للإبادة التي ارتكبها اليهود بمؤازرة بريطانية وتخاذل الدول العربية.
ل. ن.
*
يرسم لنا الأمين فؤاد لوحة حياته في مقدمة كتابه، فيقول:
"ستون عاماً وأنا احمل وطني الذي اقتلعوني منه، احمل وجع الاقتلاع كزورق تائه يبحر بلا سارية او شراع، أمشي وحيداً أحمل احزاني، طريداً شريداً، من لجوء الى لجوء، ومن اغتراب الى اغتراب، ومن منفى الى منفى...
"انا لاجئ من وطن محتل ومصادر، ومن احتل ارضي يحاول مصادرة وجهي وهويتي وإنسانيتي، لقد كان لزاما عليّ أن أمشي وأنا أجر صليب النكبة، نكبة أمتي وشعبي الفلسطيني، على طريق مفروشة بالجمر والشوك، أمشي وأمشي يراودني شعور ان جيلاً فلسطينياً سيولد من رماد جسدي الذي احترق بجمر العذاب والقهر والوجع، سيولد من جراحي التي نزفت، وما زالت تنزف حتى كتابة هذه السطور...، انني احترق ولكنني لم اتحول الى رماد، وانسانيتي لم تنطفئ، ورغم الشوك، ورغم النزف، فان قلبي ما زال ينبض بالحياة، وانا أؤمن، ايماني بالله، ايماني بالحياة، ايماني بأمتي، بان العالم سيشهد أطفالا من فلسطين، يولدون من دمهم ومن غبار الجنازات، ومن صقيع المنافي والشتات، وسيقولون للعدو الصهيوني المحتل: قد تحاصروننا بألف جدار وجدار، ورغم الحصار، ورغم الجدار، لن تبيدونا، ولن نموت بصمت خلف الأسوار، وسنظل نقاتل ونستشهد، حتى نرفع على تخوم القدس راية الانتصار، وستندحرون وترحلون عن أرض فلسطين، خائبين أذلاء يا أحفاد قتلة الأنبياء والقديسين"
"قصة اقتلاعي من قريتي الحبيبة "الصفصاف" الواقعة في الجليل الأعلى شمال فلسطين، والقريبة من مدينة صفد، وهي ليست بعيدة عن مدينة حيفا، بلدتي التي على ارضها ولدت وأبصرت النور سقطت بأيدي الغزاة الصهاينة بعد مقاومة اسطورية من قبل الشباب والرجال الصفصافيين الابطال الذين كانوا يخوضون معركة غير متكافئة.
"لقد فتح الجيش البريطاني أبواب مستودعات أسلحته الخفيفة والمتوسطة والثقيلة، لينفذ وعد بلفور ويرتكب جريمته التاريخية وليمكن اليهود الصهاينة من احتلال فلسطين. وبعد مقاومة اسطورية سقطت بلدتي "الصفصاف" فجر يوم الجمعة الواقع فيه 29 تشرين الأول عام 1948، ودخلتها العصابات الصهيونية الساعة السابعة صباحاً لترتكب المجزرة التي سأتحدث عن تفاصيلها لاحقاً.
"قريتي الصفصاف دمرها الصهاينة، وغيروا معالمها، ولم يبق منها سوى اطلال بيوت تبكي سكانها الذين تهجروا منها بقوة السلاح، وإن العديد منهم ما زالوا يحتفظون بمفاتيح بيوتهم لأن أمل العودة قد تحول الى جمر يتوهج في قلوب الملايين من شعبنا الفلسطيني، جمر ظل عصيّاً على الترمد والانطفاء. هذا هو سر الصمود الأسطوري لشعبنا الفلسطيني العظيم، هذا السر لا تدركه الحركة الصهيونية التي تقود أتباعها من اليهود الى الهاوية والانتحار، لقد حاولت الحركة الصهيونية، وما زالت تحاول، إبادة الشعب الفلسطيني كما فعل الأوروبيون عندما اكتشفوا أميركا، وعملوا على إبادة سكانها الأصليين المسمّين خطأ بالهنود الحمر، ولكن الحركة الصهيونية لم تتمكن من تكرار هذه التجربة، لان سكان فلسطين لا يشكلون سلالة او عنصرا بدائيا يمكن اجتثاثه وإبادته.
"الفلسطينيون جذورهم ضاربة في أعماق أرضهم وهم جزء من أمة، وأرضهم جزء من وطن، هم جزء من أمة قدمت للبشرية الحرف والشراع والحضارة.
"الفلسطينيون رغم حروب الإبادة، ورغم القمع الممنهج والمبرمج، راسخون، متشبثون بحق العودة الى ارضهم، وأصبحوا شوكة في حلق هذا الاحتلال الصهيوني، وكابوسا يقض مضاجع الصهاينة ويلازمهم في غرف نومهم، حتى رغيف الخبز يكاد يصرخ في وجوه المحتلين الصهاينة: أعيدوني الى الأرض، الى حبات القمح لأنكم تأكلون من حصاد أرض ليست لكم، لقد سرقتم هذه الأرض وأصحابها لكم بالمرصاد.
"فلسطين شجرة جذورها راسخة في أعماق الأرض. الأرض الفلسطينية، أغصانها تحاكي الياسمين الدمشقي في الشام، وتعانق أغصان الأرز في لبنان وتستحم في مياه نهر الأردن، لتجفف جسدها بوريقات أغصان النخيل في العراق.
"قصة نزوحي من ارض وطني فلسطين، قصة تفوق في فظاعتها كلّ ما يمكن ان يتصوره انسان، هذه القصة سرد لأحداث عشتها، والتي تجسد آلام شعبي وأمتي..
"ظنوا، بل توهموا، ان فلسطين ستموت وتندثر مع موت الجيل الذي عايش النكبة الفلسطينية عام 1948، ولكن وهمهم تبدد، ورهانهم سقط، عندما تبين لهم ان الجيل الفلسطيني الذي ولد في المنفى لهو اشد تعلّقا بأرض فلسطين، ان الشبان الذين امتشقوا السلاح والأطفال الذين حملوا الحجارة لمقاومتهم هم من الجيل الذي ولد في مخيمات الشتات.
"ابنتي رحاب، هي من هذا الجيل الذي ولد في المنفى، لقد ولدت ابنتي في استراليا، هذا البلد العظيم الذي فتح لي ذراعيه ليستقبلني مهاجراً... دخلته لاجئاً فاحترم انسانيتي، ومنحني الجنسية الاسترالية بعد ان فقدت وطني وبلدتي مسقط رأسي "الصفصاف.
"ان حصولي على الجنسية الاسترالية لم يقتل في داخلي شعوري وحنين الى جذوري، وجذور أجدادي الكنعانيين في ارض فلسطين..
"يقولون إن قطرة الماء إذا استمرت في السقوط على الصخرة ستتمكن من أن تثقبها، وأنا على يقين ان قطرة الماء الفلسطينية التي تحولت الى قطرة دم سثقب صخرة الاحتلال الصهيوني وتنتصر عليه".
*
فهرس الكتاب:
- المقدمة
- بين السنابل ولدت
- حادثة غرقي في العين
- المرحلة المبكرة لطفولتي في الصفصاف
- رحلتي المدرسية الأولى الى جبل الجرمق في ربيع عام 1947
- بدأ الضباب يلف وجه فلسطين ودخلنا في نفق مظلم وهجين
- الفلسطينيون يعرفون تاريخهم جيدا
- نمر زغموت أول شهيد صفصافي يعود الى الصفصاف مضرجاً بدمه
- يوم دموي من أيام المحرقة في حياتي
- مع بداية عام 1947 بدأت موجات الغزاة الصهاينة تصل الى فلسطين
- وصول طلائع جيش الإنقاذ العربي الى قرية الصفصاف
- أول معركة تخوضها الصفصاف وتتصدى للعصابات الصهيونية
- مجزرة الكلاب
- قرية "عين الزيتون" تتصدى للعصابات الصهيونية الإرهابية وتهزمها.
- عبد القادر الحسيني النسر الفلسطيني
- الذي هوى ليحمل فلسطين بجناحيه الى السماء...
- مجزرة دير ياسين كانت القشة التي قصمت ظهر فلسطين
- فلسطين بكل مدنها وقراها تدخل في مواجهة دامية مع العصابات الصهيونية
- فلسطين تقترب من حافة الانهيار
- فلسطين تتهيأ لمعركة مصيرها المأساوي
- إستشهاد مدير مدرسة قرية الصفصاف خالد شناعة
- بوسطة أبو حسيب
- دكان أبو علي احمد
- المرحلة الأخيرة لأمي الى مدينة صفد
- سقوط مدينة حيفا، سقوط مدينة يافا 26/04/1948
- سقوط قرية عين الزيتون
- سقوط ايقونة الجليل صفد القلعة الفلسطينية الكنعانية بتاريخ 10/05/1948
- بن غوريون يعلن قيام دولة إسرائيل
- على ارض فلسطين 14/05/1948
- سقوط قرية عتليت 15/05/1948
- المعارك الدامية التي واجهتها قرية الصفصاف قبل سقوطها في قبضة العصابات الصهيونية بتاريخ 19/10/1948
- السقوط المأساوي المروع لقرية الصفصاف بتاريخ 10/1948
- المساء الاسود الذي عاشته قرية الصفصاف وسقوطها مع مطلع الفجر في 28/10/1948
- الفجر الدموي الأسود يوم احترقت قرية الصفصاف وسقطت بتاريخ 29/10/1948
- الهروب من جحيم المجزرة.
- اليوم الثالث من رحلة الهروب.
- في فلسطين نجوت من موت علني لأدخل في نفق موت مجهول
- بدأت العبور من جنة وطني فلسطين الى جحيم اللجوء والتشرد
- كيف صلب الصهاينة قرية الصفصاف
- عمي احمد الذي نجا بأعجوبة من مجزرة الصفصاف
- دموع أبي
- عندما بكت السماء
- يوم بكت طرابلس الفيحاء
- ميناء طرابلس الفيحاء فيها تعلمت أبجدية الحب والأمل والرجاء
- طفولتي في ميناء طرابلس الفيحاء
- أبي في الميناء يخوض معركة الحياة والبقاء
- في المنفى تولد الحقيقة
- صفحة جديدة يدونها القدر في كتاب قصتي مع المحرقة الفلسطينية
- كيف أصبحت راعياً لقطيع من الماعز
- هل تعود الحياة الى أغصان الشجرة العارية ؟؟؟
- أول مظاهرة تنظمها منظمة الثأر الفلسطينية من اجل فلسطين وعودتي الى مرفأ طرابلس
- عودتي الى المدرسة
- عام 1956 غيّر مجرى حياتي
- عام 1956 إنتصر حلم استاذي الشهيد خالد شناعة
- وفزت بالشهادة الابتدائية الرسمية
- خرجت من الوهم والطوباوية وأصبحت في خندق النضال من اجل أسمى قضية
- عندما حاولت الانتحار
- الحلقة الأخيرة من قصة حياتي مع المحرقة الفلسطينية
- الوداع الأخير الذي أبكى أبي
- الكيان الصهيوني يترنح ويتهيأ للسقوط
- صدر للمؤلف: كوني لي وطناً 2005
النورس يعود الى حيفا 2011
|