بدا واضحا أن التحريض والتشجيع الصهيوني لحكام اقليم شمال العراق لا يشكل جدار الحماية المطلوب للوقاية من عاصفة اقليمية تحيط بهذا الاقليم ، فلا منافذ بحرية ولا طرق برية آمنه ، وبالتالي قد يصبح البحث عن المواد وخاصة الغذائية منها الشغل الشاغل لشعب الاقليم المهدد بالحصار والخنق فيما لو استمرت السلطة الساقطة - وهي فاقدة الشرعية بطبيعة الحال - بركوب رأسها والمضي نحو هاوية الانتحار .
الدول الراغبة في حصول الانفصال كثيرة ، مع ذلك هي مؤيدة في السر ، صامتة ، أو معترضة على طريقتها كأن يقول مسؤولوها أن الوقت غير ملائم ما يعني تأييد الانفصال في وقت ما قد يكون ملائما من حيث قوة أو ضعف المنطقة أو تبعا للتسويات نتيجة المساومات باعتبارها ( المنطقة ) موضوع تجاذبات ومساومات للقوى الكبرى التي ترى أنها الأحق بالثروات المحلية ، أو بالجزء الأكبر منها كما يرى ذلك الأوروبي والأمريكي باعتباره صاحب الاكتشاف وصاحب آليات الاستخراج ، ولتبقى المعاملة على قاعدة : حقكم 10% كما السعودية ولو قيل أنها تحصل على أكثر من ذلك ، ثروة الشمال العراقي النفطية محط آمال الجانب الصهيوني باعتبارها الأقرب والأسرع وصولا ، وعلى اعتبار الأسعار التفضيلية من حاكم هو ابن التنظيم الصهيو – ماسوني بسبب المولد والانتماء والتاريخ المشترك .
اغلاق المطارات خطوة مؤلمة اقتضت اعلان الشركات العاملة وقف رحلاتها ، كذلك المطالبة التركية – الايرانية برقابة الدولة المركزية على المنافذ الحدودية مع الدولتين ، أمنيا وجمركيا ، أما من لا يعرف معنى ذلك فقد أغفل الأبواب المفتوحة أمام النشاط الصهيوني ، الاستخباراتي والتجاري ..! فهل كانت خطوة الاستفتاء خاطئة لدرجة اغلاق الأبواب أمام هذا النشاط بعد بناء أحلام كبيرة على الخروج من الجسد العراقي ليصبح الشمال العراقي مماثلا للجنوب السوري في فلسطين ، إذا ، الخطوة لم تكن محسوبة تماما ، وهكذا جاءت مهرجانات الفرح في تل أبيب ومثيلتها في أربيل "همروجة" باهتة أقرب إلى أهزوجة أطفال يوم عيد .!.
مسعود البرزاني اليهودي بالمولد – الصهيوني بالتبعية ، الماسوني بالانتماء لا يحكم اقليم شمال العراق بطريقة شرعية ، ومن المحتمل أن بقاءه شكّل الوقت المستقطع في زمن الفوضى التي تعصف بالمنطقة المشرقية لتنفيذ المخطط الغربي ، وربما استعجل هؤلاء الخطوة في الشمال العراقي معتقدين بإمكانية الصمت التركي أو غض البصر عنها بعد نسج علاقة ودية عالية المستوى بين برزاني وأردوغان ، متجاهلين درجة خطورة استقلال الاقليم على الأمن والمصير التركي لوجود أكبر تجمع عرقي كردي في الأراضي الشمالية السورية التي أعطيت لتركيا أوائل القرن الماضي والتي لم تستقر وتندمج في الجسد الطوراني حتى اليوم ، الحساسية التركية تجاه قيام دولة كردية ولو على عشرين كيلومترا مربعا أمر مرفوض بالمطلق ودون ذلك وقوع حرب وصراع وإن دعمته دول عظمى اضافة إلى العدو الصهيوني .
لم يبق في المنطقة من لم يدرك الغاية من تقسيمها واقامة دول على قواعد مذهبية أو عرقية ، ويكفي أن العدو الصهيوني لم يكتم الهدف من قيامها ألا وهو تبرير يهودية الدولة المرفوض على كل المستويات في المنطقة وأغلب دول العالم التي تعيش شعوبها حياة مشتركة متمثلة الحديقة متعددة الألوان والأشجار ، وهذه سمة التطور المجتمعي في حين تشكل الدولة الدينية التعبير الأوضح عن الانغلاق والتخلف والاغراق في انعزالية مجتمعية لا يرغب بها حتى بعض اليهود أنفسهم .
ان حربا يشجع عليها العدو الصهيوني وتخوضها القوات الكردية المطوقة من كل الجهات ، والتي لا منفذ لها لتحصل على مستلزمات الحرب واستمرارها والصمود لأكثر من شهر ، ليست في صالح هؤلاء وهم يدركون ذلك ، بل هم يدركون أكثر من هذا وأن نتنياهو أعجز من ايصال طائرة إلى أجواء الشمال العراقي طالما تم اغلاق الأجواء التركيو والايرانية ، ولا نقول بعجزه عن دفع مثل هكذا طائرة للتسلل دون ضمان عودتها لكنه يجازف بصدام واسع مع أكثر من دولة ، الأرجح أن القيادة الصهيونية لن تترك له حرية اتخاذ قرار أقرب ألى الانتحار ويعلم أ، المنطقة تقف على فوهة بركان وأنه مع الداعم الأمريكي وحدهما الخاسران في المنطقة بعد فشل المشروع وتصفية داعش واتجاه دول المنطقة إلى الانبعاث من جديد بمساعدة الدول الصديقة .
المضحك المبكي ، اللافت جدا هو تصريح السيدة هدية ولا أعرف تتمة اسمها وأذكر فقط أنها مسؤولة أو رئيسة في ما يسمى سلطة الفيدرالية في شمال سورية ، واعلانها أن معبر .... سيبقى مفتوحا بوجه سلطات اقليم الشمال العراقي ، وكان على البعض أن يوجه لها سؤالا ... إلى أين يؤدي هذا المعبر ومن يسيطر عليه جوا ويتحكم به ، وماذا تملك سلطتها من امكانيات لتزويد الاقليم بما يحتاج وهي التي تنتظر معونات تصل بموافقة الدولة المركزية السورية ، إن مدفا على جانب المعبر يتكفل بإغلاقه وهو الذي لا يتجاوز بضع كيلومترات على الجانبين ، ولو شاء الجيش السوري لأغلقه فورا ، لكن هناك أولويات تتيح للسيدة أن تتكلم معتقدة أنها صاحبة قرار فعلا .!.
جدية المواقف لدول السوار حول شمال العراق تكفلت برسم خارطة المسار لمجموعة برزاني وأية نهاية ستكون ، وبما أن شعبية البرزاني في أدنى حدودها حتى في معقله – اربيل – وما يتسرب منها عن تململ إضافة إلى السليمانية والمواقف المعلنة لأغلبية السكان فيما يتعلق بالتغلغل الصهيوني وشركات بيع الأراضي ونشاط الاستخبارات ، فإذا ما أضيف إلى كل ذلك نتائج الحصار وانعدام القدرة على السفر والتنقل والعمل وتوفر المواد فإن ثورة داخلية مؤكدة ستطيح به وبجماعته وأحلامه التي تمتد بعيدا في السيطرة والثروة والعلاقات المميزة مع نصفه الآخر – الكيان الصهيوني – الذي يدفع به إلى رهان خاسر بالتأكيد ، وأما نتائج الحرب إن حصلت فلن تكون أكثر من استهلاك زمني يضاف إلى ما راهن عليه العدو ، وخسائر تضاف إلى خسائر شعب المنطقة التي بلغت تريليونات كثيرة .
اللجنة العليا للاستفتاء ، والتي أفرادها من القانونيين وأصحاب الخبرة كان عليها أن تحل نفسها وتنقلب إلى هيئة للتفاوض مع الحكومة المركزية وهو مخرج مناسب ، وربما استندت إلى نداء المرجعية الدينية والتي جاءت بمثابة نصيحة للطرفين ، الحكومي والمحلي في الشمال ، كأية نصيحة تقدم بها طرف دولي آخر ، ومع أن سقف الطرح الذي تتبناه اللجنة عاليا جدا بمواجهة الحكومة المركزية إلا أنه على قاعدة اطلب الكثير لتحصل على القليل أما طلب المستحيل فسيؤدي إلى الفشل الذريع ولن يخرج الاقليم من ورطته حتى بإعلان الغاء نتائج الاستفتاء وكأنها لم تكن خصوصا مع الإعلان عن تأجيله لسنتين أو أكثر ، يجب نسف الفكرة من الأساس ودفن الحلم الصهيوني بإقامة قاعدة هناك قد تصمت عليها تركيا ، لكنها لن تقوم بوجود محور يمتد من طهران إلى بغداد إلى دمشق فبيروت وحتى فلسطين .
ربما راهن البعض في الشمال السوري على نجاح برزاني وزمرته آملين بعمل مماثل متجاهلين الواقع الجيوسياسي ، وأن الانتشار الكردي غير محدود في الجغرافيا ، وأنهم ليسوا أغلبية في الشمال إضافة إلى أن المواقف الحالية للبعض من العشائر والمكونات الأخرى إنما هو انصياع لوجود أجنبي ضاغط ، وعوامل مؤثرة أخرى ، أما على الصعيد الوطني فنحن لم نقف يوما ضد حقوق الكر كمواطنين سوريين لهم نفس الحقوق التي يتمتع بها أبناء المحافظات الأخرى ، ونرى طبيعيا أن يكون محافظ واحدة أو أكثر من المحافظات السورية من أبناء هذا الشمال ، كما أن يكون محافظ الحسكة من أي من المحافظات الأخرى ، لن يكون استقلال ، ولا شبه استقلال ولا حكم ذاتي ، ولا فيد الية أبدا لأن دون ذلك صراع بلا حدود مع مكون قد يرى بعضه في القرابة مع العدو الصهيوني مخرجا له ، أو حتى بحماية قوة كبرى كالقوة الأمريكية التي تدفع بهم إلى داخل مشروعها القاتل .
اعقلوا ، ادرسوا واقعكم بعيدا عن التحريض الخارجي ، اقبلوا بالمساواة التي كنتم تطالبون بها فنقف معكم ما عدا ذلك فنحن مع دولتنا ، مع جيشنا دون تردد وإلى النهاية ولا نريدكم من النادمين .
|