بعد الحرب العالمية الثانية سُئل أحد كبار القادة ربما تشرشل لا أذكر، ماذا عن موت الشعوب أو الدول، ونقل عنه جوابه: إذا ماتت بريطانيا تموت السياسة، وإذا ماتت فرنسا تموت الارستقراطية، وإذا ماتت روسيا يموت السلام، وإذا ماتت ألمانيا تموت القوة والعظمة إلخ… وقد يمكن المتابعة على هذا المنوال فنقول إذا ماتت أميركا الولايات المتحدة تموت الغطرسة والجشع ومعهما الاستكبار، وإذا مات اليهود تموت الفتنة والإفساد في الأرض، وإذا مات العرب تموت الخيانة والتآمر وحبّ الذات والأنانية.
تستعيد الدولة السورية سيطرتها على الكثير من المناطق المخطوفة التي سيطرت عليها عصابات ما سُمّي بثورة «الربيع العربي» وتعيد مؤسساتها، الفورة المموّلة عالمياً والمخطط لها أن تسقط الدولة وتستبدل نظام الحكم الوطني بحكم تابع يسبّح بحمد الولايات المتحدة الأميركية ويخضع لسياساتها وإملاءاتها في كلّ ما يخصّ المنطقة وتصفية القضية الفلسطينية واستيعاب الدولة الإيرانية وإعادتها إلى حظيرة الدول التابعة للغرب ولتأتي النتائج كاملة لمصلحة الكيان الصهيوني واستمراريته عصا غليظة تسوس المنطقة، ولم تعد هذه الأهداف خافية على أيّ من دول العالم، ما يعنينا هو موقف الدول العربية التي ترفع راية القضية الفلسطينية يافطة وهي غير معنية لا بتحريرها ولا بإيجاد حلّ عادل لها، بل هي تعمل على سوق المنظمة الفلسطينية إلى نفق الخضوع والاعتراف بالدولة اليهودية مقابل مكاسب لا تتعدّى حكم شبه ذاتي مجرد من السلاح وضمن معازل تفصلها المستوطنات والطرق الالتفافية والجدران الاسمنتية، وعلى أن يحتفظ العدو بكلّ حقوق الدولة خارجياً وداخلياً، وهكذا يتمّ استلاب الصفة القانونية للدولة التي لا تملك الأرض ولا تستطيع منح رخصة بناء لمأوى، وليس لها أن تستقبل أبناءها المشرّدين في كلّ أصقاع الأرض.
من حق الدولة السورية، وأية دولة أخرى في العالم يجري على أرضها تمرّد داخلي أن تتخذ كلّ الإجراءات الكفيلة باستعادة هيبتها وفرض القانون وإعادة الأمن والأمان لشعبها، فكيف والحال أنّ ما سُمّي ثورة وهو عصيان داخلي مدعوم من الخارج، ويشارك فيه آلاف من المرتزقة من كلّ أنحاء العالم، تمويلاً وتدريباً وتسليحاً، وتسهيلات مرور ونقل من دول العالم ومنها عربية مجاورة، وبعيدة معادية، ثم ليتأكد للعالم أنّ ما سُمّي نصرة الشعب السوري ما هو إلا توظيف لهدم بنية الدولة السورية وإيقاع شرخ بينها وبين مكوّنات شعبها وبعد سنوات سبع ظهرت حقيقة التفاف هذا الشعب حول جيشه وقيادته السياسية محققاً صموداً أسطورياً أجبر أعتى القوى للاعتراف بفشل المشروع وليبدأ البحث عن وسائل وطرق أخرى.
الإدارة الأميركية التي شكلت المايسترو الذي قاد العمليات عبر مختلف المواقع والحدود، من تركيا، من الأردن، من العراق ومن لبنان وعبر البحر، ومن مختلف الأجواء بمساعدة الأقمار الصناعية، وجدت نفسها بحاجة ماسّة للفعل أصالة إذ لم ينجح الوكلاء بما فيهم العدو الصهيوني، ولهذا لا بدّ من استخدام قواعد التواجد العابرة للحدود تحت يافطة مساعدة مكوّنات من الشعب السوري كمجنّدين يقودهم ضباط أميركان أو صهاينة لا فرق ويستخدمون الأسلحة الأميركية، وتنقلهم الآليات والطائرات الأميركية، كما ترفدهم بوحدات مقاتلة هم لا يعلمون، وربما يعلم قادتهم أنّ هؤلاء هم بقايا قوات داعش المدرّبين على القتال ويمتلكون خبرات عالية تمّ إنقاذهم من مناطق في العراق، وكذلك من المناطق السورية في الجزيرة أو البادية الشرقية والجنوبية الشرقية، وأغلبهم ما زال موجوداً في القواعد الأميركية في التنف أو داخل الأراضي الأردنية، وقد لا يكونون من السوريّين بل ربما بلا هوية بمعنى أنهم مرتزقة دوليون بنادق للإيجار.
لم يعد لافتاً إعلان الإدارة الأميركية عن نيتها البقاء في المناطق الشمالية حتى القضاء على خطر داعش كاملاً وعدم عودته وداعش هذا تحت جناحيها تدفعه للعلن والعمل إذا ما تمّ إحراجها دولياً ومطالبتها بالخروج، اللافت اليوم هو الإنذار الأميركي والتحذير من قيام الجيش السوري بالعمل لاستعادة ريفي درعا والقنيطرة معلنة وضع العصابات في المنطقتين تحت حمايتها، مخالفة بذلك القانون الدولي الذي صنّف هؤلاء أنهم إرهابيون كون بعضهم من جبهة النصرة وبعضهم الآخر من بقايا تنظيمات بايعت داعش وما زالت تابعة لها…! الولايات المتحدة تحمي التنظيمات الإرهابية علانية، وفي حال الصدام ستكون بمواجهة الجيش السوري وحلفائه ومعهم القانون الدولي.
يجمع العديد من المراقبين والمحللين أنّ الإدارة الأميركية ليست بوارد خوض حرب يكون الروسي طرفاً فيها، إنما هي تمارس سياسة حافة الهاوية لتصل إلى مبتغاها أو تحقيق بعض المكاسب على الأقلّ لذراعها وأداتها في المنطقة العدو الصهيوني – وهو المطالِب والراغِب ببقاء المنطقة خارج سيطرة الدولة بذريعة أنّ تحريرها يفتح الباب أمام قوات إيرانية تأخذ مواقعها بمواجهة قواتها وهذا ما يعرّض أمنها للخطر باعتبار النظام الإيراني يقول بزوال الدولة غير الشرعية التي نشأت بقرار دولي على حساب وجود شعب أصيل تمّ اقتلاعه بالمجازر الدموية والترحيل القسري خارج أرضه.
يتحرك الجيش السوري ويقوم بتحضيراته لوجستياً، كما تقوم الطائرات بإلقاء المناشير لتوعية السكان كي لا تلحق بهم أضرار جراء العمليات، ويمكن انتقالهم إلى أماكن آمنة بعيداً عن مسرح العمليات، وتأتي حركة الجيش السوري متجاهلة التهديدات والإنذارات وحتى التمنيات الأردنية ببقاء المنطقة آمنة، ولكن المنطق لا يقف مع هؤلاء، فالدولة من حقها استعادة السيطرة على أراضيها وخصوصاً الحدود مع العدو فلا جدار طيّب بيننا وبينه ولا جيب يتسرّب منه، المتعاملون مع العدو هم الأخطر على الأمن القومي، وتصفيتهم ضرورة وطنية، الغرباء منهم خيارهم الخروج من حيث أتوا أو الموت، ومن يحملون الجنسية السورية مآلهم الموت في ساحة المعركة أو الاستسلام، وتلقي العقوبة القانونية وهذا جزاء الخونة.
أن تقحم الإدارة الأميركية نفسها في المواجهة، أو تدفع بالعدو الصهيوني ومعه الأردني لخوض معركة مع الجيش السوري إنما تدفع لحرب لن تقف عند حدود الجنوب فقط، الأرجح أن تنتشر بسرعة إلى جهات كثيرة داخل سورية وخارجها ولن تكون المواقع الأميركية ومن معها من حلفاء بمأمن، بكلمات قليلة ستكون حرباً إقليمية شبه عالمية يجد الكبار أنفسهم متورّطين فيها وهي رغبة ونبوءة صهيونية يدفعون العالم إليها ويرجّح وقوعها أغلب قادتهم وبعض محلليهم السياسيين، بعضهم يعلنها على سبيل التحذير والتخوّف من النتائج، وقد تختلف التواريخ التي تحدّد نبوءة فناء الكيان الصهيوني وانفراط عقد الولايات المتحدة الأميركية ما بين عام 2022 2023 أو 2025، وتتضمّن النبوءة موت وفناء العملة التي تتحكم بالعالم… الدولار، فمن يا ترى سيحتلّ مكانته؟ «قراءات ملعونة».
الرئيس الروسي بدا على الدوام هادئاً واثقاً من خطواته، مدعوماً ممّن حوله على عكس الرئيس الأميركي المهزوز بشهادة أقربهم، فاقد الثقة بنفسه وبمن حوله، يتعرّض لنقد عنيف من السياسيين المخضرمين في بلاده، وكثير من المحللين يتنبّأون بأنّ نهاية الولايات المتحدة ستكون على يده فيتذكرون آخر رئيس روسي يوم انفرط عقد الاتحاد السوفياتي.
لم يبخل الرئيس الروسي على نظيره بالنصيحة مستغلاً انعقاد المؤتمر الاقتصادي في سانت بطرسبورغ ليؤكد أنّ المحادثات والدبلوماسية هي الطريق لحلّ المشاكل الدولية وليس التوتير والوصول إلى الصدام العسكري، ويحصي خبراء العلاقات الدولية الكمّ الكبير من التصريحات الروسية والدولية بأنّ الوجود الأميركي على الأرض السورية هو وجود عدواني ولهذا مغزاه، فهل يستطيع الرئيس الأميركي قراءة الموقف فيتراجع، أم يتكفل من حوله بإيقافه… أو تقع الكارثة؟
|