قبل عقد ونيف كانت البشارة ، قالت كوندي أنها الفوضى "الخلاقة" .!!. مبرمجة ومخطط لها بإتقان ، ولهذا الأمر تم تدريب الكثير من العناصر كأدوات للإثارة والقيادة ، منها على أرض الواقع ، ومنها على الواقع الافتراضي – صفحات التواصل الاجتماعي التي كان لها الدور الأكثر شمولا من الميديا ، ما عاد البشر يتابعون الانصات والقراءة .
ليست كل الرياح عاصفة ومؤذية ، الكثير منها يحمل عبق الزهور وأريجها لاستكمال عملية اللقاح والإثمار ، لكن بعضها يحمل معه الخراب والدمار ، رياح الفوضى مثمرة للبعض كما يراها الأعداء ، ومدمرة للغالبية من شعوب العالم ، تنقلب مخربة تطوق أعناق الأنظمة لتخنقها إن لم تكن محصنة ، على الأقل صادقة في تعاملها وأمينة مع جمهورها وشعبها .
مخطئ من يعتقد أن ضريبة الواتساب هي شرارة انطلاق التظاهرات في لبنان ، تراكم الألم منذ عقود ثلاثة على صدور اللبنانيين جعلهم ينتظرون كلمة أو دعوة للثورة ، وهي حالة جرى التحضير لها في السراديب المغلقة بخبث ودهاء كبيرين ، ليس في داخل لبنان بل ، خارجه وكانت الأدوات مقيمة في الداخل وبعضها تلقى تدريبه في مراكز مختصة في الغرب ومنها في الولايات المتحدة ، ومخطئ من يعتقد أن السياسيين في لبنان ما كانوا يتوقعون حصول ذلك ، لكنهم كانوا يراهنون على حقيقة أن الشارع لن يتوحد ولو للحظات ، ومع أن مظاهر الوحدة استمرت لأكثر من أسبوع لكن الشرخ كان كامناً ..!. لحظة الانطلاق كانت من مدخل الصيفي ، وهناك بيت الكتائب .. هل أوحى ذلك بالشك لأحد ما ، أبدا فقد كانوا خلف الجدران ، وبدأت الدعوة لخروج الجميع .. كل الشعب إلى الشارع ، وفرح الجميع بمن فيهم من كانوا يترقبون ويدفعون الشارع بالاتجاه الذي يريدون ، الشعارات كانت ملغومة ، والقبضة التي نصبوها في ساحة الشهداء كانت عنوانا مكشوفاً ، وحتى اللحظة يقول البعض إنه حراك شعبي يمثل الفقراء والمظلومين و. . . حركة المحرومين .!! فهل يقبل المحرومون بمحاسبة أحد من رموز حركتهم ، أو هل يقبل غيرهم من الطوائف بمحاسبة أحد من زعمائهم ..؟
السيدة أو الآنسة التي كادت تبكي المستمعين والمشاهدين والتي أعلنت عجزها عن شراء الطعام والدواء لوالدتها كانت واحدة ممن تلقوا تدريبهم في الولايات المتحدة وهذا هو اختصاصها – قيادة التظاهرات عند الايعاز ( الخبر مع الصور وردني من صديق في الولايات المتحدة ) ، المضحك أنه بعد أيام بدأ المستثمرون المستفيدون من الحراك يظهرون تباعا على ساحاتهم وبين جمهورهم ، كلن ... كلن دون استثناء تعاطفوا مع الثورة ، مع المطالب ، مع المظلومين ، وقلة منهم يقبل الخضوع للمحاسبة ، بعضهم أعلن المرجع الديني لطائفته أنه خط أحمر ، وعند الحقيقة سيقف أبناء الطائفة مدافعين عنه رغم أنه سرقهم وتسبب بجوعهم ومعاناتهم ، الأنكى من ذلك أن يدفع المستهدَفون بأولادهم أو أزلامهم للمشاركة بالحراك وليرفعوا شعارات تحرف المطالب عن مسارها ، هنا بدأ يظهر الهدف .. إنه السلاح الموجه إلى صدور العدو ، السلاح الذي يؤرق أمريكا ومشاريعها ويقف عثرة بوجهها ، بل هو الأخطر على تلك المشاريع ومنها المشروع الاستيطاني الصهيوني وتوسعه .
بعضهم يقول أن المستهدف هو الرئيس عون ، الأصح أن المستهدف وزير خارجيته فكلاهما يتبنى استعادة العلاقات مع الشام وحل مسألة النازحين ، المسألة التي لا ترغب أطراف لبنانية أخرى بحلها ، فالاستثمار فيها له أبعاده ، و فوائده ، الحديث مع دمشق ممنوع ، ومن يفعل سنحرك له الشارع ، العقوبات هي الأكثر قربا وتطبيقا .. اختفى الدولار ، فليكن الشعار ، لا عودة ، لا علاقات ، وليس لكم الخيار ، هنا يطفو على السطح الجوع وفقدان المواد ... المحروقات ... السيولة .. الخبز ، وفتيل الاشعال تسريب عن زيادة في الضرائب ترهق ، بل تسحق غالبية الشعب ، ليس مهما ، سيتكفل كل زعيم بضبط ايقاع فريقه بعد تنفيس الاحتقان ... كلن يعني كلن ما عدا زعماء الطوائف والمذاهب .. إذا كلن تعني أمرا آخر .!!.
الفساد في العراق ليس استثناء ، ربما هو أكثر حدة بوجود الأمريكي ، لكن الإثارة مفتعلة بطبيعة الحال ، لأمريكا أدواتها ، وللسعودية أدواتها ، يضاف لهم جمهور من كل الأطياف المسحوقة ، رئيس الوزراء الأخير عبد المهدي ربما ارتكب أكثر من خطيئة بالعرف الأمريكي ، منها الإعلان عن رفض استقبال القوات الأمريكية الموجودة في سورية زمنا أطول مما يلزم لتحضيرات مغادرتها ، واتهامه للعدو الصهيوني صراحة بالهجوم على الأراضي العراقية ، كذلك تلويحه بشراء مضادات جوية من روسيا ، وعقد اتفاقات مع الصين ، وثالثة الأثافي حمايته للحشد الشعبي وفتح معبر باتجاه الشام .. ، الأمريكي لا يعلن عن مواقفه جهارا لأنها خارج منطق التعامل الدولي ولهذا يلجأ إلى أساليب ملتوية في الانتقام ، كلنا يعلم التوجه الأمريكي والإصرار على استفراد المنطقة وفرض سياسات تناسبه على حكامها وهو يمتلك أوراقا سرية وأدوات يحركها ساعة يشاء ، في العراق كما في لبنان ، كما في كل مكان من العالم ولا استثناء ، حتى في الداخل التركي وهو أمر يدركه أردوغان الذي يحاول التغطية على مشاكله الداخلية أو حلها على طريقته ، بالتوسع والاحتلال بذريعة حل مشكلة النزوح ، وهو كما بعض اللبنانيين لا يرغب بحلها إذ تشكل ورقة رابحة خصوصا بعد منحه الجنسية التركية لمئات الآلاف من السوريين ، وإعداد وتدريب شبه جيش منهم وقلنا في أكثر من مقال سابق أن أطماعه تتجاوز إقامة منطقة آمنة للسوريين ، حملة الجنسية التركية منهم فقط من يدخلها تمهيدا لقيام مؤسسات تركية بدأ ظهورها وهكذا بعد سنوات قليلة يدفع بهم للمطالبة بالانضمام إلى الدولة التركية ويطرح مشروع الاستفتاء وتقرير المصير . وهذا استعادة للتاريخ ..!.
سوشي لم يوفر حلاً حتى اللحظة ، فلا الطرقات الدولية فتحت ، ولا عربدة العصابات توقفت ، وهذا أردوغان ينقل مع قواته جيشا من مرتزقة الاخوان يدفع بهم أمامه في الشمال لممارسة النهب والسلب والاعتداء على المدن والقرى الآمنة ، وأخيرا الصدام مع الجيش السوري الذي بدأ الانتشار ولو متأخرا بعد أن دخل التركي وعصاباته على أكثر من محور وبعد تشريد الآلاف من السوريين ..! أين هي الضمانات ، ولماذا يقع الصدام لولا تجاوز الحدود والدخول غير المشروع ، على الجميع إدراك أن الدولة السورية لن تسمح بقيام كيان تابع للتركي على أراضيها ، ولو مؤقتا كما يقول الروسي ، حل مشكلة النازحين بعودتهم إلى ديارهم التي أصبحت آمنة ، فهم من جميع المناطق السورية وليسوا من ادلب لوحدها ، المؤكد أن العصابات وبتوجيه من الدولة التركية هي من يمنع هذه العودة .
قد يظن البعض أن رياح الفوضى " الخناقة " بعيدة عن الأرض التركية ، وهذا خطأ كبير ، فالساحة التركية لا تختلف أبدا عن الساحات الأخرى ، مهيأة والاحتقان على أشده ، لكن المنظمات السرية الدولية لم تطلق الاشارة حتى اللحظة ، لأكثر من سبب ، أهمها أن تركيا تشكل الحد الأكثر أهمية لحلف الناتو ، والفوضى القادمة ستدفع بها أكثر نحو الشرق إلى الحضن الروسي ، هذا يفسر المسايرة الروسية للقيادة التركية والسكوت على تجاوزاتها وتطمين الدولة السورية أن حقوقها محفوظة .. قليلا من الصبر فهناك أهداف أكثر أهمية .
الفوضى الهدامة ( الخلاقة .. الخناقة ) استهدفتنا ، سنوات ثمانية وهي تعصف بنا ، وتعصف اليوم بكل من يحيط بنا ويحاول التواصل معنا ، وقد تتسع أكثر ويمكن أن تعصف بأعدائنا ودون تدخل المنظمات السرية الغربية ، لو أراد الشرق تحريكها ، في مصر ، في السعودية ، في تركيا .. ومن يعش ير .!.
|