لم أتردد في القول أن الخلافات التركية – الأمريكية لا تعدو كونها مسرحية هزلية ، وقد سخرت منها وممن يعتقد بجديتها أو يراهن على نتائجها ، استطرادا نفس الأمر يحصل في الخلاف مع الكيان الصهيوني وهو استثمار للمصلحة التركية في بلاد العرب والأعراب ، بالمقابل هو استثمار صهيوني بحيث يوكل مهمة السيطرة على بعض فصائل المقاومة في الأرض المحتلة للسياسة التركية بزعم حمايتها والدفاع عن الحقوق الفلسطينية .
لم يطل بنا الأمر ، قلت ذلك قبل اسبوعين ونشرته البناء ، الآن تتوقف المسرحية عند آخر مشاهدها وهي العودة إلى الإجراء التركي الذي أدى دوره بامتياز لخلق مبرر الدخول الأمريكي إلى هذه المنطقة – عفرين – وقد تم اعلان الاتفاق على هذا العمل بتسيير دوريات أمريكية – تركية في منطقة الحدود للمراقبة ، ولم يتم التحديد هل تكون الدوريات على خط الحدود المعروف سابقا أم حيث تصل القوات التركية ، وهل يجب الانتظار حتى تحقق القوات التركية المزيد من التقدم والسيطرة .؟.
تركيا ليست دولة ضامنة أو عاملة لوقف الحرب على سورية ، ولا الحفاظ على وحدتها الجغرافية ، والدليل بسيط يتلخص في الموقف التركي من عودة الجيش السوري إلى المناطق السورية التي سيطرت عليها العصابات المسلحة أو التنظيمات الرديفة التي حاربت داعش وسولت لهم أنفسهم اقامة كيان مستقل أو مقاطعة حكم ذاتي أو سواها .
المسؤول التركي يعلن أن عودة الجيش السوري ودخوله إلى منطقة عفرين وانتشاره حتى الحدود المعروفة قبلا يشكل خطراً بالغاً على الأمن والسلام في المنطقة ...!!.. عجيب ، ما نوع الخطورة التي يشكلها عودة جيش إلى أرضه والمناطق المعترف بها دوليا أنها جزء من أرضه المسؤول عن حمايتها .؟.
الدخول التركي إلى الأراضي السورية وفرض سيطرته عليها هو ما يشكل خطرا حقيقيا وداهما على أمن المنطقة وسلامة السكان والدولة صاحبة الشأن ، والإصرار على الدخول والاستمرار في العمليات العسكرية ضد الكرد يشكل رسالة مفادها رغبة تركية جامحة في السيطرة على مزيد من الأرض والتوسع ، أو على الأقل القيام بعملية تغيير ديمغرافي خطير بحيث يتم طرد السكان المحليين وإحلال بديل لهم قد يكون من السوريين المهجرين من مناطق عدة لإقامة شريط موال يغلب فيه العنصر التركماني ، هذا التغيير سيترك آثاره السيئة لسنوات طويلة ويؤجج الصراعات الداخلية بما يخدم المصالح التركية المتماهية مع المصالح الصهيونية حتى ولو كان ذلك لا يمثل رغبات الشعب التركي ، بل رغبة القيادة المرتبطة بالمحافل الماسونية العليا العاملة لمشروعها المعروف .
استبعاد الجيش السوري عن حدوده المعروفة أو منعه على الطريقة الأمريكية كما في الشمال الشرقي يمثل عملا عدوانيا ، وخطوة على طريق فرض التقسيم أو إقامة كيانات عميلة سواء للتركي أو الأمريكي وتاليا تكون مرتعا ووكرا للصهيوني ومنطلقا لعمليات التخريب التي يمارسها على مساحة أمتنا ومحيطها .
الذريعة التركية هي منع قيام كيان معادي لهم على أرض مجاورة ، وتشكل عودة الجيش السوري الضمانة الوحيدة لعدم قيام مثل هذا الكيان وهي خطوة على طريق استعادة وحدة الدولة وهو ما تطالب به الحكومة التركية علنا على الأقل .. وتعلنه ، من يدري إن كانت تضمر غير ذلك ، وحده الفعل يسمح لنا بالحكم والمقارنة والاستشراف .
عندما نفترض سلامة النوايا التركية فإننا ننتظر تأكيدا لما يتم الاعلان عنه من حرص على وحدة الدولة الجارة ، على أن يأتي التأكيد ترحيبا بعودة الجيش النظامي السوري والمؤسسات الرسمية السورية إلى المنطقة اياها واستعادة المعابر والرقابة عليها وتسهيل الحركة الطبيعية والتفاوض لعودة المهجرين قسرا الى تركيا ، بعد أن تحررت مدنهم وقراهم ونعرف منهم الآلاف ، بل ونتواصل معهم وهم يعبرون عن التمسك بالوطن ونبذ الغربة القاتلة التي يعيشونها بانتظار دعوة للعودة من الحكومتين السورية ، والتركية قبل ذلك ، وليس بمنح الجنسية للأثرياء وأصحاب الرساميل والكفاءات ودفع من هم دون ذلك إلى الهجرة باتجاه اوروبا كأدوات ضغط وابتزاز لحكوماتها .
الاتفاق التركي – الأمريكي على التشاركية في وضع اليد على منطقة عفرين هو تمهيد لاتفاق لاحق مثيل ، تشاركية على منطقة الجزيرة وثرواتها واستخدام أقلية من المرتزقة يتم تجنيدهم وتسليحهم يفرضون رأيهم وسلوكهم وتبعيتهم على أغلبية منزوعة السلاح ، رغم المعرفة الأكيدة أن عمليات المقاومة ستكون نتيجة حتمية لكنها أيضا ، ستشكل استنزافا مستمرا للدولة السورية التي ما زالت صامدة تدافع عن نفسها ومكوناتها بكل بسالة تبعث على اعجاب العالم المتفرج وتكيد للعدو وتربكه وهو الذي يتلقى الهزائم تباعا .
يشكل التركي حصان طروادة الأمريكي الذي اخترق الضامنين رعاة آستانة وسوتشي ، لكنه بقي خارج الأسوار السورية الحصينة ، وإذا كان الأمريكي ينتظر عملية التفاف لتبرير وجوده ضمن شراكة تركية وتواطؤ من أطراف كردية تنال رشوتها من خيرات وثروات بلادها ، فهو يراهن على ورقة محروقة ، ونثق بأن إصرار الدولة السورية ، قيادة وجيشا وشعبا على منع تحقيق المشاريع المشبوهة واسقاطها ، ومنع الاستقرار التركي على أية بقعة سورية تمهيدا لطرد الأمريكي ذاته ومنعه من اقامة كيان وأتباع هم أدوات له في المناطق الشمالية الشرقية مثل تنظيم جيش قوامة بضع عشرات آلاف المرتزقة قد يكون قادته هم ذاتهم من كانوا قادة لوحدات داعش الذين قام بإنقاذهم ونقلهم من الرقة ودير الزور وغيرها إلى مناطق آمنة ، وهو يجيد استخدامهم ورقة جوكر بين أوراقه الكثيرة فذلك سيكون الحلم مستحيل التحقيق .. وهو ساقط سلفا .
بعد سقوط الأقنعة عن وجهي التركي والأمريكي ، واعلان جانب مما اتفقا عليه ، مؤكد أن الروسي يعلم أكثر والايراني ايضا ، يبقى تساؤل المواطن السوري مشروعا : ما هو موقف الضامنين الاثنين تجاه الخرق التركي ، أم أنهما ينتظران وقتا مناسبا أو عملية مساومة ومبادلة في موقع ما ، لن يكونوا سوريين أكثر من السوريين أنفسهم ، بالنهاية هم أصحاب مصالح ، ولا ضرورة أن تتفق أو تتطابق ، نحن أصحاب القضية ونحن من عليه اتخاذ الموقف الصواب والاجراء الكفيل بضمانة حقوقنا .
حتى اللحظة ، لم يدخل الجيش السوري بوحدات نظامية الى عفرين ، وما زال الحديث عن تأجيل بقصد التحضير والاستطلاع ، بعضهم يقول استجابة لطلب الضامنين ومنح فرصة للتفاوض .. والتفاهم . .!! فهل نفاوض ليسمح لنا باستعادة أراضينا ... ومع من .. نتفاهم .؟.
قد يتعرض التركي لوحداتنا العسكرية ، ربما يقصف ويدعي أن الأمر حدث خطأ ، ما الذي سيكون عليه موقف الجيش وهل يأتي رد فعله مباشر وعلى قدر من قوة تعادل الحق الذي لنا ، ومعلوم : أن الحق لا يكون حقا في معترك الأمم إلا بمقدار ما يدعمه من قوة .
|